أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» أدبيات الغدر

يبدو أن هذا النزيف لن يتوقف، وكيف يتوقف إذا كانت منابعه مستمرة في العطاء والمد والجزر والتوغل في عمق المجتمع دون وعي حقيقي لخطورة هذه المنابع أو لطبيعتها، ودون رغبة أكيدة في تصفية هذه المنابع أو دحرها أو إفنائها بوسائل عملية ناجعة، ربما تتطلب زمنا طويلا نسبيا، لكنها الحل الوحيد لإنهاء تلك المنظومة المخربة والتي يكمن أساسها في الدماغ.

الشهداء الذين سقطوا في سيناء بيدر الغدر والإرهاب، ثمن فادح دفعنا مثله الكثير، ونحن معرضون أيضا لدفع الكثير مثله في حاضرنا ومستقبلنا، طالما أننا لا نضع أيدينا بحسم وحزم على السبب وراء نشوء هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة، وعن البيئات الطبيعية لها، والمنابع أو الأصول الفكرية أو الأيدلوجية التي تنهل منها أدبياتها التي تحرض على القتل وعلى الغدر وعلى ترويع الآمنين بدعاوى مضللة وبراهين باطلة وقياسات فاسدة.

استخدام هذه الجماعات في وقت من الأوقات كورقة سياسية قوى شوكتها، أعطاها مصداقية وربما شعبية، وحين انتبه الساسة إلى خطورة تلك الجماعات كانت قد شكلت أرضية صلبة في المجتمع تستطيع التأسيس والبناء عليها، ساعدها في ذلك استشراء الفساد والفقر والجهل في المجتمع بطرق مختلفة وعلى مستويات عدة.

الآن نعود لنقطة الصفر .. نتساءل كيف يمكن دحر هذه الجماعات بشكل كامل وكيف يمكن انتزاعها من جذورها ؟ الكثيرون تحدثوا عن هذا الأمر من قبل وقالوا الفكر يحارب بالفكر، لكن لأن من أدبيات تلك الجماعات الغدر والاغتيال، لا تعترف بالمواجهة أو التحدي المباشر، من ثم لا يمكن التعامل معها بالفكر، لا يجب أن نطرح أفكارا جديدة تصحح المفاهيم المغلوطة والأفكار المهترئة والأحكام المشوهة والملوثة بفهم منقوص ومبتور للعقيدة، بل يجب أن نعمل بطريقة وأخرى على محو تلك الأفكار وتصفيتها وتجفيف منابعها في أذهان الموهومين بها والمصدقين بأن القتل غيلة له علاقة بالعبادة .

مبدأ التقية الذي تتبناه بعض المذاهب والجماعات الإسلامية ينطوي على بذور لا أخلاقية تماما، فهو المرادف الموضوعي للنفاق ، أن تكره شخصا أو تعاديه وتظهر له المودة في الوقت نفسه، هذا المنطق هو ما ينطلق منه أيضا بعض تجار الدين الذين يبتسمون في وجه معارضيهم وربما يحتضنونهم ثم يرشقون السكين في ظهورهم ، هذا هو المنطق الذي تتعامل به جماعات التطرف والإرهاب التي تتمسح باسم الدين، وهو منهم براء لو فهموا جوهره، يعيشون وسطنا ثم ينتزعون زهور شبابنا في لمحة عين وبحركة غدر ظنا منهم أنهم يوجهون رسالة هنا أو هناك.

تصفية منابع الإرهاب والتطرف والفكر المتشدد يبدأ من التنشئة السليمة على جوهر الدين وهدفه ومراده وليس على مظاهره وشكلانياته وأساطيره التي تغري الكثيرين بقتل أخوتهم قربانا وزلفى، بل وتغري البعض بالانتحار أو الفناء أثناء تصفية الغير مثلما يذكر لنا التاريخ في أمثلة كثيرة أشهرها جماعة الحشاشين التي كانت تنطلق وفقا لمفاهيم عقائدية لتنفيذ أغراض سياسية.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» زمن الفرحة

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» اليسوس آنستي

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن عز الدين نجيب وثلاثية الحرية والمقاومة والبعث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى