أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» زمن الفرحة

تكمن الفرحة في التفاصيل البسيطة التي قد لا يلحظها البعض أو يعطيها الكثيرون أهمية، لكنها موجودة دائما هناك؛ في لحظة حنين، ومضة شغف، نظرة عابرة، شعور غامض يتسرب إلى النفس فيمنحها البهجة والغبطة ويولد في الأرواح السعادة والطمأنينة التي تسعى إليها دائما.

في الأعياد تزداد وتيرة الفرح، تتجلى في أكثر من مظهر وعادة وطقس، بعضها متوارث وبعضها ابن الصدفة أو التلقائية.
هل تختلف مظاهر الفرحة على مر الزمان؟ هل اختلف شعورنا بالفرحة اليوم عن شعورنا بها في طفولتنا؟ هل تتداعى الفرحة وتتقلص وتنزوي وتذبل مع الزمن وكأنها تتلف من كثرة الاستهلاك؟ أم أنها على العكس تماما تكبر وتنضج وتظهر في أقصى تجلياتها كلما مر بنا الزمن وتقدم بنا العمر؟

لاشك أن الفرحة ثابتة، لكن الزمن هو الذي يتغير، ومع الزمن يتغير إحساسنا بالفرح، البعض يستعيد هذا الشعور ويبتسم لنفسه متذكرا موقفا قديما أو حادثا من زمن ولى، البعض الآخر يتعامل مع الزمن باعتباره ليس موجودا، فتبدو عليهم مظاهر الفرح والسعادة لأبسط الأسباب، وربما دون سبب أصلا، هؤلاء من لم يفقدوا مشاعر الطفولة الكامنة داخلهم، والتي تحفزهم على الاستمتاع بكل مفردات الحياة، هؤلاء الذين لم يفقدوا الدهشة، لم يتلوثوا بغبار الزمن.

الفرحة إذن هي ابنة البراءة والفطرة النقية والنفوس السوية والأرواح الهشة الفضفاضة، من هنا تخرج مظاهرها، ومن هنا تتولد السعادة، ومن هنا أيضا تتجلى كل مظاهر الفرح في المجتمع لتصبح بمثابة إشارة أخيرة على صدق ونقاء هذا المجتمع.
كلما كانت مظاهر الفرحة أصيلة وحقيقية كلما كان هذا المجتمع حقيقيا وأصيلا ونقيا، لكن حين تتكاثر المظاهر المصطنعة والمفتعلة للفرحة، حين تدخل في معادلات وحسابات معقدة، هنا تتراجع قيمتها ويبدو زيفها ويبطل مفعولها.

زمن الفرحة إذن هو الزمن الذي نستدعي فيه كل ما هو نقي وبرئ وأصيل داخل أرواحنا ليشعرنا بالبهجة والسعادة، كأننا بطريقة أو بأخرى نستعيد أنفسنا من زخم وزحمة وفوضى الحياة، نستعيد الزمن الجميل الذي كان يتشكل من تفاصيل بسيطة تغذي أرواحنا، نعيش في هذا الزمن للحظات في الوقت الحاضر، وكان مفهوم الزمن ينتقل من حيز إلى آخر عبر أدمغتنا وأروحنا ليمنحنا ذلك الشعور اللطيف بالسعادة ولو للحظات قليلة قبل أن يعود الواقع ليفرض سلطته علينا مرة أخرى.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» اليسوس آنستي

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن عز الدين نجيب وثلاثية الحرية والمقاومة والبعث

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» التصوف .. الأبعاد التاريخية والممارسة الواقعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى