أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» التصوف .. الأبعاد التاريخية والممارسة الواقعية

يضرب فكر التصوف بجذوره عميقا في التاريخ، فالبعض يحيله إلى الفلسفة الغنوصية في بلاد فارس القديمة القائلة بوحدة الوجود، والبعض الآخر يحيل جذور التصوف إلى أبعد من ذلك وإلى حكمة المصريين القدماء، وتجلياتهم المختلفة ورؤيتهم للكون بطريقة شفافة واعية، لها طابع روحي مرتبط بشكل أو بآخر بالطابع المادي المباشر للحياة ، لكن في النهاية يتم تغليب الطابع الروحي على المادي لصالح الوصول إلى جوهر الكون.

وللتصوف جذور وأصول وقواعد وتعاليم وطقوس خاصة مرتبطة بكل دين وفقا لآليات ومفردات الدين نفسه، فالتصوف موجود في كل الأديان، السماوية منها والوضعية، بل ربما تكون الأديان الوضعية هي الأكثر وصولا وإدراكا وممارسة لحقيقة التصوف، فهو يستتبع نقاء النفس وصفاء الروح وتصفية الذهن تماما من كل المفردات والتفاصيل الدنيوية للوصول إلى حالة روحية يتجلى خلالها العالم كله في لحظة واحدة في ذهن الرائي.

أن يحل العالم في الإنسان، هو استرداد ضمني لحلول الإنسان في العالم، وكان التصوف هو تكملة طبيعية لدورة الوجود لتكتمل الدائرة، وهو ما يسعى إليه المتصوفة والرهبان وممارسو النيرفانا أو تمارين التأمل الروحي طوال الوقت، تكملة دورة الوجود داخل أرواحهم حتى يتحقق لهم الانتشاء بسحر إدراك الحقيقة الكلية .

هذه الحالة من التعامل مع الدين ربما هي التي جعلت بعض الأديان تتعامل مع التصوف باعتباره درجة متقدمة جدا من درجات الوعي الإيماني أو اليقين العقائدي، نتيجة التخلي التام عن كل ملوثات العقل ومنغصات الروح ومثبطات الهمم والعزائم، وفي الوقت نفسه سهل الوصول إلى القواعد الشعبية من الجماهير.

يحتاج التصوف إلى تمارين في غاية الصعوبة والقسوة، هي تمارين باطنية بالأساس، تمارين روحية ، حتى يتحقق للمتصوف الوصول لأولى درجات هذا العالم الممتد بلا نهاية .

ربما لهذا السبب ولما عرف عن التصوف من نزعة عالمية في النظر إلى الدين تم التعامل مع التصوف في مصر باعتباره البديل الأكثر عصرية ومناسبة والأقرب إلى روح الشعوب من الاتجاهات الدينية الأخرى التي تحمل أفكارا متطرفة ووجهات نظر متشددة تجاه الدين وتجاه المجتمع بكل مفرداته، وكان للتصوف دور كبير في الحضور على الساحة السياسية ، وهو ما يشير إليه بعمق الباحث في علم الاجتماع السياسي والمبدع الكبير عمار علي حسن، في كتابه المهم التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر، حيث يلفت الانتباه إلى التراتبية الهيراركية في تكوين وتشكيل الطرق الصوفية، وهو أمر شبيه بالتراتبية الطبيعة في نظم الحكم السلطوية عموما، ما يجعل هذه الطرق سلاحا يمكن استخدامه بين الحين والآخر في مواجهة الجماعات الدينية الأخرى المتشددة أو المتطرفة أو التي تتاجر بالدين، لفرض نمط من التدين الشعبي الأقرب لأرواح الجموع ، وفي الوقت نفسه هو الأكثر أمانا وثقة واستقرارا وخلوا من الأطماع السياسية.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن القناص

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» دين المصريين

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن صناعة السينما وتغيير المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى