أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» دين المصريين

معروف أن الدين مكون أساسي في البنية الأيدلوجية لكل مجتمع، بصرف النظر عن المجتمعات التي تمردت على سلطة الدين أو همشته، أو المجتمعات الأخرى التي كرست له واعتبرته مرجعها ومآلها الأساسي، تظل هناك دائما رواسب كامنة في عمق الضمير الجمعي ترتكز إلى الدين.

هذا ما انتبه إليه المصريون بفطرتهم ربما قبل آلاف السنين وقبل ـ حتى ـ ظهور الأديان السماوية، فكان الدين بالنسبة لهم الملجأ والملاذ لتفسير الظواهر الغريبة والأحداث العجيبة وتصاريف الأقدار، وإذا كانت مصر القديمة قد رسخت للدين بطرق متعددة على مر الأزمان، بداية من فكرة الرمزية في استخدام كائنات ( بشر وحيوانات ) تشير إلى قوى عظمى خفية، وهو ما عرف في التاريخ القديم بآلهة الأقاليم ، مرورا بديانة التوحيد التي كرس لها أخناتون ( 1334 قبل الميلاد) فتلك الأفكار استمرت وتمددت عبر الزمن لتتجلى في طبيعة الشخصية المصرية بصرف النظر عن دين الدولة أو الدين الرسمي في أي عصر من العصور، فالمصريون احتفظوا بالفكرة الأولى لطبيعة الدين باعتبارها العلاقة الخاصة جدا بين الإنسان وخالقه، أو بين الإنسان وكل مكونات الوجود ، فقبل أخناتون بنحو 1700 سنة ، توصل المصريون إلى أفكار عظيمة لفهم الكون، وهو ما يتضح في متون هرمس أو تعاليم الحكيم تحوت من الأسر القديمة ( 3000 قبل الميلاد ) هذا الحكيم وصل إلى حالة نادرة من الصفاء الذهني والروحي من خلال التأمل، ليربط كل الموجودات في الكون ببعضها البعض، ليتشكل الإله في ذهنه بطريقة عفوية في كل مكونات الوجود ، وهي التعاليم التي تحولت إلى ديانة ، وانبثقت عنها العديد من الديانات والأفكار المشابهة مثل الغنوصية، ورغم ذلك ظل المصري يحتفظ بأفكاره البسيطة والحميمية تجاه فكرة الإله ، ويطوع كل دين جديد يدخل إلى مصر ليتناسب مع الشخصية المصرية ويلائمها، حتى ليمكننا القول أن دين المصريين واحد، مع تداخلات وتطورات دخلت عليه عبر الأزمان وفي أشكال وأنواع مختلفة من الديانات السماوية التي غزت أرض مصر سواء في فترة الوجود اليهودي بمصر أو خلال العصر المسيحي أو العصر الإسلامي، استمر المصريين يمنحون جزءا من روحهم لكل دين يدخل عليهم ، حتى يتوحدوا معه ويألفوه ويشعرون تجاهه بالحميمية التي توفر لهم اليقين والأمان الروحي الذي ينشدونه، فإذا كانت الأقاليم المصرية تحتفظ بآلهتها في الحضارة المصرية القديمة كرمز لفكرة الإله، فقد تم استبدال تلك الآلهة الإقليمية الرمزية بالقديسين في العصر المسيحي ، ليكونوا بمثابة الوسيط او الشفيع أو الكائنات المباركة ، وفي العصر الإسلامي امتدت الفكرة نفسها الراسخة في وجدان المصريين، فكان الأولياء الصالحين والمقامات التي تقام لهم بمثابة استمرار للفكرة القديمة التي تضمن حميمة المعتقد، فالشخصية المصرية بطبيعتها لا تميل إلى العنف أو التطرف أو التشدد، والنماذج التي تميل إلى ذلك نادرة وغالبا ما تكون عصابية، لكن من يتفرس في عمق التكوين النفسي للشخصية المصرية سيعرف أنها تعاملت مع كل الأديان بالطريقة نفسها، وطوعتها أو شكلت ملامحها وتفاصيلها الصغيرة والكبيرة وفقا لخارطة روحية راسخة في الضمير الجمعي المصري منذ آلاف السنين ، فلا يكاد يوجد حد فاصل بين التعاليم الدينية والعادات والتقاليد الموروثة والممارسات الحياتية التي تنحو لتغليب الضمير الفطري واعتباره المرتكز الأساسي للعقيدة الإيمانية أيا كانت طبيعتها أو تفاصيلها أو تعاليمها.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن صناعة السينما وتغيير المجتمع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن تجديد الخطاب .. والعقل اليباب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» سيد القمني .. مغانم التفكير ومخاطر التنوير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى