هل يمكن لصناعة السينما أن تغير في المجتمع ؟ سؤال قد يبدو تقليديا، خاصة أن لدينا نماذج لأفلام كثيرة أدت إلى تغيير قوانين مهمة وإصدار قوانين أهم، لكن هل يمكن أن تغير الأفلام في ثقافة المجتمع ، هذا ما رأيته جليا في جلسات الورش والجلسات الحوارية التي شارك فيها شباب من الصعيد، خلال مهرجان أسوان السينمائي الدولي لأفلام المرأة .
في هذا المهرجان تم عرض 8 أفلام قصيرة مدعومة من عدة جهات من بينها وزارة التضامن الاجتماعي والاتحاد الأوربي الذي يدعم ورش الإخراج والإنتاج في المهرجان، تتضمن هذه الأفلام قضايا في غاية الأهمية والخطورة وجميعها مرتبطة بقضايا المرأة وقضايا المهمشين، ومن أهم القضايا التي ناقشتها الأفلام قضية ختان الإناث وما يترتب عليه من آثار نفسية وجسدية سيئة للفتيات على المديين القريب والبعيد ، ووجهة نظر الآباء والأمهات حول هذه الظاهرة المنتشرة في الصعيد وفي المناطق الفقيرة عموما، بسبب العادات والتقاليد .
أحد الأفلام ضمن ورش المهرجان وهو من إخراج سيد عبد الخالق ، تحت عنوان حكاياتها، يتضح في مناقشة بين أبطال الفيلم حول الختان اللبس الموجود بين الدين وبين العادات والتقاليد، فالشخصية التي تعترف بختان الإناث تبرر ذلك في البداية بأنه من الشرع، ثم تتراجع وتؤكد أنه من العادات والتقاليد الموروثة، ليبدو الخلل واضحا في التعامل مع هذه العادة والترسيخ لها اجتماعيا بسلطة الدين حينا وسلطة العادات أحيانا أخرى.
تناول هذا الفيلم العديد من القضايا الأخرى مثل الزواج المبكر والعنوسة والحرمان من الإنجاب والتحرش، وإن كانت إمكانيات هذه الأفلام قليلة جدا ، لكن يظل أثرها ودورها في رصد قضايا اجتماعية خطيرة أمرا مهما، كما يظل دورها في معالجة هذه القضايا وطرح حلول لها خاصة مع وجود الأهالي وصناع الفيلم من هذه البيئة التي تعاني كل هذا يؤدي إلى التغيير في المجتمع، فرفض ختان الإناث يمكن أن يبدأ من منزل ثم ينتشر تدريجيا في محيط محدود مبدئيا، ثم محيط أوسع تدريجيا.
منتدى نوت الذي يتضمن الفعاليات النقاشية والحوارية ضمن فعاليات المهرجان، وهو المنتدى الذي تديره الدكتورة عزة كامل عضو المجلس القومي للمرأة ، تناول العديد من القضايا المهمة المرتبطة بتأثير السينما أو غيرها من وسائل الميديا في ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده .
هل يمكن أن تغير السينما ثقافة المجتمع ؟ هل يمكن أن يكون لها تأثير واسع كقوى ناعمة ؟ هل تستطيع السينما أن تقوم بتغيير جذري لمفاهيم عفى عليها الزمن وما زالت راسخة متجذرة في المجتمعات البسيطة والمهمشة ؟ أسئلة كثيرة رصدتها الأفلام التي تعالج قضايا المرأة ، ولكن أهم ما حققه هذا المهرجان هو الحضور الجماهيري والتفاعل الكبير الذي أظهره أهالي أسوان من كل الفئات والأعمار مع فعاليات وأنشطة المهرجان، ودخول العديد من الفتيات من الصعيد في ورش صناعة الأفلام وتقديم إنتاج يعبر عن بيتاتهم وقضاياهم ، بهذه الطريقة يمكن أن يحدث التغيير ، وينتشر ببطء ليشكل ثقافة مجتمعية جديدة، تدعو للأمل والتفاؤل والتقدم .
