أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن القناص

مشروع فني متكامل .. هذا بالضبط ما يمثله الكاتب المثقف والموسيقي البارع الدكتور طارق عباس، الذي استطاع أن يصنع حالة فنية استثنائية ، تعبر عن الروح المصرية الأصيلة، وعن الوعي الكامل بطبيعة الشخصية المصرية بكل ما تحمله من تنوع وثراء، وما يدور فيها من صراع ومشاكل وأزمات وحب وسحر وفرح وسعادة.

كل هذه المشاعر يضعها الفنان دفقة واحدة في موسيقاه، ليقدم لنا البهجة مع الحزن، الفرح الممزوج بالسخرية، الكوميديا السوداء، تحويل المشاهد اليومية البسيطة والعابرة إلى موسيقى وأغاني يشده لها العقل وتطرب لها النفس وتتفتح لها مسام الروح، لتصبح هذه الحالة الفنية جزءا لا يتجزأ من وجدان المتلقي أيا كانت توجهاته أو رؤيته للفن أو العالم .

طارق عباس في رأيي هو قناص فني ، هو من تلك الفئة التي نقول عنها أحيانا إنها لا تنتج الفن بل تعيشه، تتنفسه، تجعل من كل مفردة مهما كانت بسيطة وعادية موضوعا فنيا، وكأنه يتمثل مقولة عمنا الراحل يحيى الطاهر عبد الله ” الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة” ، فيصنع من تلك الحقائق ألحانا رائعة وأغان تدخل القلب.

عرفت الدكتور طارق عباس ككاتب، كاتب مقال محنك ومتميز جدا ، يقدم أفكارا مثالية ومخلصة، مشتبكة مع قضايا واقعية أحيانا، وصانعة لقضايا جدلية في أحيان أخرى، ثم عرفت بعد ذلك أن لديه مشروعا فنيا يتمثل في فرقة ” ونس ” التي تضم مطربين من دول مختلفة، فقد ابتكر من خلال عمله كأستاذ في مركز جامعة القاهرة لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، طريقة لتعليم اللغة العربية من خلال الأغاني، ثم راح يدرب طلابه ويعلمهم ويصقل مهاراتهم، حتى يستطيعوا في النهاية أن يقدموا كل أنواع الأغاني، ومنها أغاني وطنية ليصبح هؤلاء الطلاب جزءا من القوى الناعمة التي تتحدث عن مصر وتتغنى باسم مصر في الخارج، كما يقدمون أغاني قديمة لمطربين كبار وأغاني حديثة لمؤلفين معاصرين يضع هو لها الألحان .

الحالة الفنية المميزة التي يعبر هنا هذا الفنان هو أنه استطاع أن يبني أسرة فنية كاملة، فابنته الكبرى منال صوتها شجي وعذب وتقدم أغاني مميزة من زمن الفن الجميل أو من الأغاني الجديدة، وكذلك ابنته الصغرى حنين تتميز بصوتها القوى المؤثر رغم حداثة سنها، وفي خلفية هذا المشهد الأسري تقف زوجته السيدة الفاضلة منال غالي كأنها الملاك الحارس لتلك المنظومة الفنية المتكاملة .

اختيارات طارق عباس لأغانيه، واختياراته للأغاني القديمة التي يقدمها ، واختياراته للأماكن التي يقدم فيها حفلاته؛ كلها تحمل دلالات على أصالة ووعي وثقافة هذا الفنان القناص، ففي حفلته الأخيرة التي أقيمت في قصر الأمير بشتاك بشارع المعز، اختار قطعة فنية معمارية من العصر المملوكي في قلب القاهرة الفاطمية ليقدم فيها حفلته، وقبل الحفلة كانت هناك ندوة عن واحد من رموز الموسيقى المصرية في القرن العشرين وهو الموسيقارالكبير محمد الموجي ، وخلال الحفلة قدم طارق عباس العديد من أغاني الموجة عزفا بالعود ومن غنائه وغناء منال طارق وحنين طارق، كما قدم عددا من الأغاني التي لحنها ، ومقطوعات موسيقية وغنائية من وحي الحياة اليومية ، كأنها يستدعي من خلالها روح صلاح جاهين في رباعياته التي يختم مقاطعها بـ” عجبي “، فيختتم طارق مقطوعاته من المشاهد الحياتية بـ ” … دنيا ” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى