أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن عز الدين نجيب وثلاثية الحرية والمقاومة والبعث

تمور حركة الفن التشكيلي في مصر بالصخب والزخم والظواهر الفنية المثيرة للتأمل، بعض الفاعلين في الحركة التشكيلية مازالت لديهم القيم المصرية الأصيلة والروح الشعبية الثرية في التعامل مع الفن وتوظيفه لخدمة المجتمع، بل وتحويل العمل الفني إلى طاقة إيجابية، يناقش قضايا حساسة وشائكة، ويتبرع في أحيان كثيرة لتقديم حلول ـ فنية في الغالب ـ لقضايا الواقع الضاغطة.

من هؤلاء الفنانين الذين قطعوا شوطا كبيرا في خدمة الفن التشكيلي المصري إبداعا ونقدا وتأريخا وتأصيلا وتحليلا الفنان الكبير عز الدين نجيب، وهو واحد من رموز الحركة التشكيلية المصرية ، ينتمي لجيل الستينيات، عرف بأعماله المستوحاة من قلب البيئات المصرية على تنوعها، سواء البيئة الفلاحية في دلتا مصر أو البيئة الصعيدية في الجنوب أو الصحراوية في سيوة والواحات، لكن الملمح الرئيسي الواضح والبارز في مشواره الفني هو التزامه الأخلاقي بالقيم العليا التي يعيش من أجلها الإنسان، قيم الحرية والخير والجمال، قيم العدل و التحدي والعزيمة، القيمة هي التي تجعل من الفنان صاحب رسالة حقيقية، صاحب دور اجتماعي، صاحب رؤية لتغيير الأفكار البالية والمهترئة في مجتمع، هذا هو طموح الفنان بالدرجة الأولى تغيير مجتمع، ومن ثم تغيير العالم من حوله.

في معرضه الاستيعادي المقام حاليا وطوال شهر رمضان في أتيليه العرب للثقافة والفنون ـ جاليري ضي، وتحت عنوان ( 60 عاما بين المقاومة والبعث) تتبدى ملامح المشوار الفني الطويل الذي قطعه عز الدين نجيب في الحياة التشكيلية المصرية منذ عا 1962 وحتى الآن . 250 لوحة تمثل كافة المدارس والاتجاهات الفنية التي استنبط منها أسلوبه الخاص وروحه الثرية وعكست أفكاره ومشاعره وهواجسه وآماله على مدى 60 عاما، ينطلق عز الدين نجيب في أعماله الفنية من الروح المصرية الأصيلة، العمق والجذور المصرية وما تمثله من بعد حضاري عظيم راسح في رؤيته الفنية، فهو يستدعي أحيانا التيمات والعناصر الجمالية التي استخدمها المصري القديم في الرسم على الكهوف والمعابد والقصور والآثار المختلفة، كما يستدعي أصالة الروح من خلال الوجوه المصرية التي تحمل سمتها الخاص وملامحها المميزة الممتدة عبر تاريخ من السلالات البشرية، المعجونة بطين أرضنا الطيبة .

مدارس فنية متنوعة موجودة في أعمال عز الدين نجيب، من التعبيرية إلى التأثيرية إلى التكعيبية والسريالية والتجريدية، كلها انصهرت لتخلق من عالمه الفني أسلوبا وبصمة مميزة، لكن العنصر الأكثر وضوحا وقوة في أعماله يكمن في التحدي الكبير الذي خاضه خلال مشواره الفني، أزمات كثيرة خاضها ومعارك متنوعة حارب فيها ببسالة وتعرض للسجن والإقصاء منذ بداياته الأولى في الستينيات، لتكون مفردة الحرية من أهم العناصر البارزة في لوحاته، ويكون التمرد قيمة أساسية راسخة في وجدانه، ويكون فعل المقاومة بمعناه الحقيقي والرمزي متحققا في لوحاته بشكل كبير، وكأنه طائر الفينيق الذي بعد كل أزمة أو معاناة يبعث مرة أخرى من الرماد، هكذا يصف حالته ومعاناته باعتبارها مفتاحا لعالمه الفني ورؤيته التشكيلية التي تحاول طوال الوقت أن تشتبك مع قضايا وهموم المجتمع بطريقة مباشرة أحيانا وأسلوب رمزي في أحيان أخر.

ليصبح هذا المعرض الاستيعادي الذي يضم مشوار عز الدين نجيب في مراحله المختلفة شاهدا على تحولات الفن المصري وقيمه الفنية والجمالية والأسلوبية على مدى 60 عاما، فالفنان عز الدين نجيب ليس فقط فنانا تشكيليا وإنما ناقدا ومؤرخا ومثقفا ينطبق عليه وصف المفكر الإيطالي ” جرامشي” للمثقف العضوي المتفاعل مع قضايا مجتمعه، وقدم العديد من الكتب المهمة في النقد التشكيلي وفي التأريخ للفن، وتعتبر موسوعة الحرف التقليدية التي أصدرها على أجزاء من الأعمال الرائدة في هذا المجال للحفاظ على تراثنا الحضاري ، وهي جهد بحثي وتأريخي يضاف إلى القيمة الكبيرة التي يمثلها مشواره الفني والإبداعي.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» التصوف .. الأبعاد التاريخية والممارسة الواقعية

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» عن القناص

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» دين المصريين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى