أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» فقه «القفة»

استخدام الدين لخدمة الدينا سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى المصالح الشخصية الضيقة أمر معروف منذ نشأت فكرة الدين ذاتها، ومن هنا يأتي الفقه ليعبر عن تأصيل أمر ما بالإباحة أو الحظر، وفقا لفهم شيخ أو أكثر لنص أو أكثر من النصوص الدينية، ويبقى الحكم المطلق والمعنى الخفي غائب ومشوش وسط التفسيرات اللانهائية بحسب المصالح والغرض من التفسير والهدف من الفقه ذاته ففي أي فرع كان .

في مصر تحديدا يتطبع كل أمر جديد على طباع المصريين، تبهت روح البلد وأبناء البلد عليه، لهذا يمكننا أن نجد فقها مصريا يناسب البيئة والأفكار والروح المصرية الخالصة ، وفقها نخبويا هو فقه الخاصة الذي لا يستحب عرضه على العامة، وهو غالبا يرتبط بالمسائل الخلافية والمتشابه وعصور الفتن والنزاعات وعصور الانحطاط، كما يرتبط بمسائل دقيقة تم ترسيخها بحكم العادة أو لي عنق النصوص والتأويل المغلوط.

وهناك فقه رسمي أكاديمي يمثل الاتجاه العام للدولة ومؤسساتها وسلطتها الدينية أيا كانت نوعها.

وهناك أيضا فقه للعامة وهو الفقه الأكثر رواجا والذي أصبح في فترة من الفترات ـ ربما حتى اليوم ـ يمثل تجارة رائجة ورابحة ، وهو الفقه أو الطريقة في التفسير والتعامل مع النصوص الدينية بطريقة تبدو عفوية ، بدون تقعير او تنظير مبالغ فيه، وتقريب المفاهيم الدينية للعامة بأبسط السبل، وعرض الأفكار والرؤى المختلفة بطريقة شعبوية لا تخلو من التعبيرات والألفاظ المتداولة في الشوارع والحواري خلال الحياة اليومية، مع وضع لمسة مرحة لهذه الطريقة، أحيانا لا تخلو من سماجة، ليتم توضيح الفكرة وتوصيلها بطريقة تعظم من شعبية هذا الفقيه أو ذاك الشيخ أو ذلك الداعية.

فقه القفة المقصود به هذا النوع الأخير من الفقه الذي يلعب على وتر الثقافة الشعبية للبسطاء ومحاولة جذبهم إليه بشتى الطرق لتشكيل وعيهم بما يتلائم ومستواهم التعليمي، والذي يمثله نموذج الشيخ الذي طلب من السيدات الخروج من البيوت مثل “القفة” حتى لا يتعرضن للقتل!!

كل أنواع الفقه لعبت دورا في تحقيق مصلحة أصحابها، ففقه النخبة يسوغ العديد من الأمور للنخبة ويجد مبررا مثلا لتحليل توظيف الأموال لخدمة زمرة من أتباعه وأصدقائه وأعوانه في حين يحرم التعامل مع البنوك بدعوى الربا .

الفقه الأكاديمي أو الرسمي يفضل مسك العصا من المنتصف فهو ينفّر ولا يحرّم، يغضب ولا يكفّر ، يعاتب ويلوم ولا يجرّح . هي طريقة أيضا يمكن أن تكون مفيدة لتحقيق السلام المجتمعي، وإن لم تكن كافية شافية لتعدد مرجعياتها وغموض تلك المرجعيات في بعض الأحيان.

أما فقه القفة، وهو الفقه الذي يلعب على وتر البسطاء ويصدر أفكارا خطيرة في ثوب جذاب فهذا هو الخطر الحقيقي الذي يمكن أن يؤدي إلى مآسي لا حصر لها وفقا لتفسير واستقبال كل شخص على تفاوت ثقافته ومستواه التعليمي، فهل ثمة ضوابط ممكنة لتحجيم هذا النوع من الفقه أو على الأقل لضبط أداء وعقول ومنطق من يقدمونه بحيث لا يتم توجيهه ضد السلام المجتمعي ، بل بالعكس العمل على توظيفه لخدمة قضايا الناس اليومية والحياتية والابتعاد عن الأحكام المطلقة التي يمكن أن تعبر عن وجهة نظر رجعية او سلبية أو متطرفة ومتشددة ولا تراعي طبيعة المجتمع وما يتضمنه من تنوع وثراء تاريخي و فكري ووجداني .

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» جوائز الدولة .. طوبى للمخلصين

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» علمنة التعليم

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» شيرين أبو عاقلة .. النموذج والمثال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى