أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» علمنة التعليم

تحتاج سياساتنا التعليمية إلي الكثير من المراجعات التي تضع الأمور في نصابها وتعمل وفق منطق المعقول أكثر من الشائع أو المعتاد، والسياسة التعليمية هنا المقصود بها التعليم العام الرسمي الذي من المفترض أن يراعي القيم المصرية والتعددية الأيدلوجية والعقائدية في كل النواحي المرتبطة بتربية النشء، تلك التعددية التي انصهرت في كيان واحد يمثل طبيعة الروح المصرية ويعبر عن ثرائها وقدرتها على احتواء الجميع منذ آلاف السنين حتى اليوم .

بداية يجب التفريق بين العلمانية كفلسفة وأيدلوجيا تفصل بين الدين والدولة، وبين الاتهامات والتفسيرات الخاطئة لهذا المصطلح الذي يعتبره البعض نوعا من الكفر، فالعلمانية عكس ذلك تماما، إذ من الممكن اعتبارها تحافظ على قدسية وبهاء الدين باعتباره شأنا شخصيا داخل النفس يتعلق بالجانب الروحي للإنسان، والمطلوب أن تظهر تجليات هذا الدين في التصرفات السوية والخيرة من الشخص المتدين تجاه المجتمع، ولا يتم تلويث أو تشويه الدين عبر استخدامه لأسباب سياسية أو غيرها.

المقصود بعلمنة التعليم هنا هو عدم فرض نمط تعليمي يتعلق بفئة أو طائفة على الجميع، بل العمل على تقديم العناصر المشتركة والقيم المتفق عليها بين الجميع. التعامل مع كل المواطنين بطريقة عادلة وحيادية، وهو الحياد الإيجابي الذي ينطلق من فاعلية المجتمع وتفاعله مع الأفكار والرؤى والأنماط الفكرية السائدة فيه.

تعالت من قبل أصوات مخلصة للوطن تطالب بدمج التعليم الأزهري في العام ، لعدم تديين التعليم، وأصوات أخرى تطالب بمادة للأخلاق بدلا من مادة الدين سواء الإسلامي أو المسيحي، وهي وجهة نظر لا تخلو من وجاهة خاصة أن مادة الأخلاق كانت موجودة من قبل في المدارس، وقبل عامين قررت وزارة التربية والتعليم العودة لتدريس هذه المادة التي تضم القيم والأخلاق المستمدة من الدينين الإسلامي والمسيحي مع التشديد على أن هذه المادة لن تكون بديلا عن مادة الدين وعن كتاب الدين الإسلامي وكتاب الدين المسيحي .

التعليم الأزهري ليس إجباريا بل هو اختياري، وهناك أسر وشرائح اجتماعية عريضة تفضله عن التعليم العام. وفي مقابله ـ وإن كان بشكل ونمط مختلف ـ توجد مدارس الأحد للتربية الدينية المسيحية، وإن كانت مدارس أسبوعية إلا أنها متخصصة في التعليم الديني والعقائدي.

هذه الأنماط التعليمية التي تستند إلى الدين وتعتمد عليه مستمرة بلا شك ولها مؤيدوها ومن يفضلونها ويتمسكون بها وهو أمر طبيعي في مجتمعنا الذي عادة ما يوصف بأنه ” متدين بطبعه” ، لكن حين يتم فرض هذا النمط على الجميع فهذا ما لا يفهمه صاحب الفطرة السليمة .

وجود النصوص الدينية من القرآن أو السنة داخل كتب الدين الإسلامي أمر طبيعي ومفهوم، كما أن وجود نصوص من الكتاب المقدس في كتب الدين المسيحي المقررة على طلبة المدارس أمر طبيعي ومستساغ، لكن وجود نصوص دينية وتحديدا آيات قرآنية في كتب اللغة العربية المقررة على جميع الطلبة مسلمين ومسيحيين ومطالبتهم بحفظها هذا ما يدعو للعجب.
بشكل مبدئي يجب أن تكون مناهج اللغة العربية للجميع، وإن اضطر واضع المنهج لاستخدام آيات قرآنية أو أحاديث نبوية على سبيل الاستشهاد البلاغي أو المواطن الجمالية أو القيمة الأخلاقية، فعلى الأقل لا يجب أن تكون هذه النصوص للحفظ، ولا تأتي كسؤال إجباري في امتحان نهاية العام ـ كما حدث في امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بمحافظة القاهرة قبل أيام.ـ

في الحقيقة أنا لست مع الدعوات التي تطالب بدمج التعليم الأزهري في العام ـ رغم وجاهتها ـ لأنه ليس تعليما إجباريا، هو اختيار يمكن الأخذ به أو رفضه، كما لا يمكننا أن ننكر على أحد حقه في الذهاب إلى مدارس الأحد، هذه اختيارات الناس، لكن يجب أن نضمن أن هذا النوع من التعليم أو ذاك لن يخلق تشددا أو يولد أفكارا متطرفة، تؤذي المجتمع وتهدد سلامته، هل ثمة ضمانات على ذلك ؟

ضبط مناهج التعليم العام ستكون نقطة مهمة في إطار علمنة التعليم، وهو خطوة أساسية ليخرج المجتمع من بوتقة التشدد والتطرف اللذين يقودان في النهاية إلى الإرهاب.

اقرأ ايضا للكاتب

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» شيرين أبو عاقلة .. النموذج والمثال

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» أدبيات الغدر

محمد الكفراوي يكتب لـ«الموقع» زمن الفرحة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى