أراء ومقالاتالموقع

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» روسيا تتهم أوكرانيا رسميا …و تتهم إسرائيل و أمريكا سرا

رغم أن الإرهابيين الخمسة ، المتهمين بتنفيذ العملية الإرهابية، التي إستهدفت قاعة الموسيقات ، بالمركز التجاري الترفيهي الروسي “كروكس سيتي هول ” ، بموسكو، يوم الجمعة الماضية ، يحملون أسماء إسلامية ، إلا أن الحكومة الروسية ، رفضت الحملة الإعلامية، التي تروج لها أمريكا و الدول الأوروبية ، و التي تحمل تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” مسئولية الهجوم الإرهابي . و إتهمت الحكومة الروسية ، أوكرانيا بشكل رسمي، بأنها تقف وراء هذه العملية الإرهابية، التي أسفرت حتى الآن عن مصرع 133 روسيا ، و إصابة 152 آخرين ، بعضهم أصابتهم خطرة .

لكن رغم إتهام روسيا الرسمي لأوكرانيا، و إتهام الغرب لتنظيم داعش بمسئوليته عن هجوم موسكو ، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الروسية من البحث عن أي دليل يثبت تورط جهاز الإستخبارات الإسرائيلي “الموساد ” و نظيره الأمريكي “سي أي إيه” في التخطيط لهذه العملية الإرهابية ، بإستغلال مواطنين غير روس ، مسلمو الديانة ، تم تجنيدهم عبر برنامج المراسلة ” تليجرام ” على شبكة الأنترنت، و معظمهم ينتمون لدولة طاجيكستان الاسلامية ، إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق .

و يرجع رفض روسيا، لإتهامات الدول الغربية ، لتنظيم داعش بالمسئولية المنفردة عن الهجوم ، إلى أن أربعة من المتهمين الخمسة الذين قاموا بالعملية ، إعترفوا خلال إستجوابهم ، بعد إلقاء القبض عليهم، خلال محاولة هروبهم بإتجاه الأراضي الأوكرانية، بأنهم نفذوا العملية مقابل مبالغ مالية ، الأمر الذي فسرته السلطات الروسية بأنهم ليسوا أعضاء في داعش ، و لكن قتلة مأجورين فقراء بحاجة للمال بإستغلال ديانتهم الإسلامية .

يقول أحد الإرهابيين الأربعة و يدعى فريدون شمس الدين (42 عاما ) بلغة طاجيكستان ، أمام كاميرات وسائل الإعلام الروسية ، أنه تلقى إتصالا من شخص “واعظ” عرض عليه 10 آلاف دولار أمريكي ، مقابل عملية قتل عشوائي لحفل موسيقي ، مؤكدا أنه تم تحويل نصف هذه الدولارات له ، عبر أحد البنوك . أما محمد صبير فايزوف (18 عاما) فقد إعترف أنه إستلم أوراق إقامته في روسيا ، من أشخاص لا يعرفهم ، كانوا إتصلوا به عبر تلجرام ، و منحوه مبلغ مالي عند وصوله لموسكو ، مقابل الإشتراك في عملية القتل مع 4 آخرين .و من جانبه ، نفى الإرهابي المأجور ، رجب علي زادة ، معرفته بمصدر الأسلحة المستخدمة في العملية ، مؤكدا أن هذه الأسلحة كانت بحوزة زملاؤه ، و أنهم تخلصوا منها ، بعد أن نفذوا العملية في منطقة لا يعرفها ، لأنه ليس له سابق معرفة بالأراضي الروسية . أما المتهم الأخير ، الذي لم يكشف عن أسمه فقال أنه كان يعمل سائقا على سيارة رينو في موسكو، يمتلكها شخص أسمه عبد الله من طاجيكستان، و أنه إتفق معه على القيام بهذه العملية مقابل 5 آلاف دولار .و فور الحصول على هذه المعلومات قامت السلطات الروسية بإلقاء القبض على 11 ممن يشتبه في تورطهم في عملية كروكس سيتي هول .

و رغم أن أسماء المنفذين كلها أسماء إسلامية ، إلا أن السلطات الروسية إعتبرتهم مرتزقة مأجورين ، و إتهمت رسميا أوكرانيا بالوقوف وراء هذه العملية الإرهابية ، في وقت تتجه فيه الشكوك الروسية لكن بشكل غير رسمي ، للولايات المتحدة ، و إسرائيل ، ألد أعداء الرئيس بوتين .

و يرجع رفض السلطات الروسية للإتهامات الأمريكية و الأوروبية لداعش، إلى العلاقات الجيدة بين نظام الرئيس بوتين ، و مسلمي روسيا ، و التي بلغت ذروتها خلال خلال الحرب الأوكرانية الحالية ، لدرجة أن رمضان قديروف ، رئيس جمهورية الشيشان، أهم جمهورية إسلامية في جمهوريات الأتحاد الروسي ، طالب بقصف أوكرانيا بالأسلحة النووية الروسية التكتيكية لإجبارها على الإستسلام .

كما أن الجنود المسلمون ، يمثلون قوة مهمة داخل الجيوش الروسية التي تقاتل داخل الأراضي الاوكرانية، منذ أن شنت روسيا الحرب على أوكرانيا، في فبراير 2022 . فمسلمي روسيا البالغ عددهم نحو 8 ملايين مسلم ، كانوا في طليعة الصفوف الذين نفذوا قرار الرئيس بوتين بالإعلان عن التعبئة العسكرية الجزئية، التي قامت على إستدعاء 300 ألف من جنود الإحتياط ، نظرا لكراهية المسلمين الروس للولايات المتحدة بوصفها الداعم الأكبر لإسرائيل، و لرئيس أوكرانيا اليهودي فلاديمير زيلينسكي .

و في المقابل ترجع شكوك روسيا ، بشأن وقوف الموساد ، و السي اي ايه ، وراء الهجوم الإرهابي إلى عاملين أساسيين أولهما : إستباق أمريكا للعملية بالتحذير منها و بتفاصيلها . و ثانيا : التوتر الشديد الذي يعتري حاليا العلاقات بين نظام الرئيس بوتين، و الجالية اليهودية الروسية ، التي كانت تقترب من ربع مليون يهودي ، قبل موجات الهجرة الأخيرة بعد أندلاع الحرب الأوكرانية .

و كانت السفارة الأمريكية ، في العاصمة الروسية ، حذرت قبل شن العملية الإرهابية، ب 48 ساعة ، بأنها تراقب التقارير التي تشير إلى أن متطرفين إسلاميين، لديهم خطط وشيكة، لإستهداف تجمعات كبيرة ، في موسكو ، مثل الحفلات الموسيقية . و أضافت السفارة على موقعها الإلكتروني على الأنترنت ، أنها توجه النصح للمواطنين الأمريكيين في روسيا، بتجنب التجمعات الكبيرة ، خلال الثماني و الأربعين ساعة القادمة . و الغريب أن توقعات السفارة الأمريكية تحققت تماما ، فالهجوم الإرهابي ، إستهدف بالفعل قاعة الحفلات الموسيقية ب ” كروكس سيتي هول ” .

أما التوتر الشديد في العلاقات بين الحكومة الروسية من جانب ، و يهود روسيا و إسرائيل من جانب آخر، فقد وصل لذروته بمطالبة وزارة العدل الروسية بإغلاق مكاتب “الوكالة اليهودية” على الأراضي الروسية المعروفة بالعبرية بأسم “سخنوت” ، بزعم معلن ، بأنها تشجع هجرة العقول اليهودية المتميزة لإسرائيل، خلافا للواقع الذي يقول، بأن هذا السبب ليس السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين الجانبين . و قد وصل التوتر مداه بوصف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، الكسي بافلوف، نشاط الوكالة اليهودية في روسيا بأنه نشاطا “شيطانيا” ، في إشارة إلى مواقف الوكالة اليهودية المعارض للحرب الروسية على أوكرانيا . و كانت سخنوت قد فتحت أبوابها في المدن الروسية في العام، 1989، أي قبل عامين فقط من تفتيت الإتحاد السوفيتي إلى 15 دولة ، و هو ما جعل الرئيس بوتين ، يخشى من تأثير سخنوت السلبي على مسار الحرب على أوكرانيا التي يمثل إخضاعها أولوية أولويات الأمن القومي الروسي ، لأن منطقة القرم ، التي إستعادتها روسيا من أوكرانيا ، هي منفذ روسيا الوحيد على البحار الدافئة ، في حين أن شواطيء روسيا الأخرى غير صالحة للإستخدام لتجمد مياهها ، بسبب إنخفاض درجات الحرارة معظم فترات السنة . كما يرجع مخاوف روسيا من التأثير السلبي للوكالة اليهودية عللى مصالح روسيا ، الى أن نسبة كبيرة من اليهود الروس، حتى بعد أن تراجع عددهم الى 165 ألف يهودي ، يعدون من أغنى أغنياء روسيا ، وكثيرا منهم لديهم تأثير قوي على الإقتصاد الروسي .

و من جانبها أنتقدت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إتجاه حكومة الرئيس بوتين، لتقييد التعليم اليهودي في روسيا الإتحادية ، و طالبت من إسرائيل برد قوي ، من خلال التأثير على هامش مناورة روسيا في لبنان و سوريا ، فضلا عن ضرب مصالح روسيا في إسرائيل ، لأن لروسيا لديها مصالح في إسرائيل ، مثلما لإسرائيل مصالح في روسيا . و كشفت الصحيفة عن أن 75 ألف يهودي تركوا روسيا منذ أن أعلن بوتين عن التعبئة العسكرية العامة ، و إستدعاء الإحتياطي ، مشيرة إلى أن 25 ألف منهم ذهبوا لإسرائيل ، رفضا لأداء الخدمة العسكرية و القتال ضد القوات الأوكرانية . كما كشفت الصحيفة عن أن مؤتمر حاخامات أوروبا ، طالب بتسهيل هجرة يهود روسيا لإسرائيل ، بفتح حسابات بنكية لهم ، و تسهيل تحويل أموالهم الى البنوك الإسرائيلية، بشرط التحقق من هويتهم اليهودية ، حتى لا يرسل بوتين جواسيس روس لإسرائيل، بزعم إنتمائهم للديانة اليهودية .

و نهاية ، سواء كان المسئول عن عملية موسكو الإرهابية، هي أوكرانيا ، أم إسرائيل، أم أمريكا ، أم حتى داعش و هي صناعة أمريكية في الأساس ، فإن توقيت العملية التي جاءت بعد ساعات قليلة من إعادة إنتخاب الرئيس بوتين لفترة رئاسية جديدة ، بنسبة كبيرة بلغت 87 في المائة، تعد بمثابة رسالة إلى الرئيس بوتين مفادها أن الأمن الذي وفرته للشعب الروسي منذ وصولك للسلطة منذ 25 عاما سواء في مواجهة المتطرفين الإسلاميين ، أو في مواجهة عصابات المافيا الروسية ، لن يدوم طويلا ، و أننا لن يغمض لنا جفن حتى نتخلص منك ، ونأتي برئيس على شاكلة ، ميخائيل جورباتشيف ، آحر رئيس للإتحاد السوفيتي ، لتفكيك أقاليم روسيا الأتحادية ال 46 الى 46 دويلة كما فعلنا من قبل مع الإتحاد السوفيتي .

اقرأ ايضا للكاتب : 

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» أمريكا تضحي بـ«نتنياهو» من أجل «الغاز الغزاوي»

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» ثروات غزة من الغاز ليست السبب الوحيد لحرب الإبادة

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع»أفارقة أمريكا و الصمت حيال مجازر غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى