أراء ومقالاتالموقع

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» ثروات غزة من الغاز ليست السبب الوحيد لحرب الإبادة

هل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على المدنيين في غزة تعود لأسباب ، تاريخية ، و دينية ، و سياسية، أم أن الأمر يتعلق أساسا بأسباب إقتصادية ، تستهدف من ورائها حكومة الحرب الإسرائيلية المتطرفة، بزعامة بنيامين نتنياهو ، الإستيلاء على ثروات غزة من الغازالطبيعي ، بإتفاق مسبق مع الصهيونية العالمية، و لوبي البترول في الولايات المتحدة و بريطانيا ؟

تساؤل أصبح مطروحا بقوة على الساحة العالمية ، بسبب تحدي حكومة الحرب الإسرائيلية للمجتمع الدولي بمواصلة إرتكاب جرائم الحرب ، و أعمال الإبادة الجماعية ، و المجاز اليومية، ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة للشهر الخامس على التوالي ، مما أسفر حتى الآن عن إستشهاد أكثر من 30 ألف فلسطينيا ، معظمهم من النساء و الأطفال، فضلا عن إصابة ما يقرب من 70 ألف آخرين، معظمهم يعاني من إصابات خطيرة .

و رغم أن البعض إقتنع ، بأن إستمرار الحرب على غزة بهذه الوحشية ، سببها الرئيسي السطو على ثروات غزة من الغاز الطبيعي، بمجرد سماعه عن عزم الأسطول الأمريكي إنشاء ميناء على سواحل غزة لتوصيل المساعدات الإنسانية عبر البحر، إلا أنه من الخطأ أن نغفل ثلاثة أسباب أخرى أولها العقدة التاريخية التي يخشاها الإسرائيليون و التي يطلقون عليها ” عقدة العقد الثامن ، أو عقدة الثمانين عاما “. و هذه العقدة تكمن في عدم قدرة أي دولة يهودية على البقاء على قيد الحياة على أرض فلسطين لأكثر من 80 عاما . فالدولتان الحقيقيتان اللتان أقامهما اليهود على أرض فلسطين ، و هما مملكة النبي سليمان و إبنه داوود ، إنهارت في عمر ال 80 عاما ، تماما مثلما زالت دولة الحشمونيين أيضا من الوجود في عمر ال 80 عاما ، و بالتحديد سنة 587 قبل الميلاد .

و كانت عملية طوفان الأقصى قد أعادت الحياة من جديد ل ” عقدة الثمانين عاما ” ، بعد أن نجحت المقاومة الفلسطينية ، في التوغل داخل الأراضي الإسرائيلية حبث تمكنت بسهولة من قتل المئات من اليهود، وعادت بنحو 230 أسيرا لغزة، في وقت أتمت فيه دولة الإحتلال عامها ال 74 في 14 مايو 2023 ،و لم يعد أمامها سوى أقل من 5 سنوات للوصول لحاجز عقدة الثمانين عاما التاريخية .

و قد تزايد هاجس عقدة الثمانين عاما خلال الحرب الحالية ، بنجاح المقاومة الفلسطينية، في تطوير صواريخها محلية الصنع بشكل كبير . فلم يكن مدى أول صاروخ ، من طراز” القسام 1″ ، الذي أطلق على مستوطنة سديروت القريبة من غزة في العام 2001 سوى 3 كيلومترات فقط ، في حين إزدات قدرات صواريخ المقاومة في دك المدن الإسرائيلية إلى أن بلغ مدى صاروخ عياش لنحو 250 كيلو مترا . فقد تمكن عياش 250 خلال الحرب الحالية ، من إستهداف مطار رامون بإيلات ، الواقع على بعد 220 كيلو مترا من غزة .

و كان من نتائج إطالة مدى و تعزيز القدرات التدميرية للصواريخ الفلسطينية ، أن فر من إسرائيل ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي ، ممن يحملون الجنسيات المزدوجة للدول الأوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية ، و الذين يطلق عليهم كريمة المجتمع الإسرائيلي .

أما السبب الذي لا يقل أهمية لأستمرار الحرب الوحشية يتعلق بأسباب دينية، حيث كشفت هذه الحرب ، عن خلاف عميق بين الإسرائيليين بخصوص مخاوف حقيقية تتعلق بزوال دولة إسرائيل من الوجود ، نتيجة إقامة دولتهم على أرض فلسطين بالقوة و ليس بأمر إلهي وفقا للعقيدة اليهودية .

فحكومة بنيامين نيتنياهو ، و هي الأكثرالحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل ، لا سيما بسبب تواجد الوزيران المتصهينان، ايتامار بن غفير ، و بيتسلئيل سيموترتش ، تزعم بأن القوة العسكرية قادرة على حماية وجود دولة إسرائيل من الزوال رغم المحيط العربي المعادي . و في المقابل يرى بعض اليهود الأورثوذكس، أن إسرائيل هي أكثر بقاع الأرض خطورة على حياة اليهود لتجميع أعداد كبيرة من اليهود فيها ، لأن أن الله شتت اليهود في الأرض بسبب خطاياهم ، و أن عودتهم لأرض الميعاد و نجاحهم في بناء الهيكل الثالث في القدس ، مرتبطان بإرادة إلهية بنزول ما يسمونه “المسيح المخلص ” و ليس بالقوة العسكرية . كما يرون أن توغل الفلسطينيين داخل إسرائيل و يوم إنطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي ، ما هو إلا تمهيد ، لمجزرة و إبادة جماعية ، سيتعرض لها اليهود لمخالفتهم لأمر الله ، خاصة و أن عقدة الثمانين عاما على بعد أقل من خمس سنوات من الآن .

لكن في المقابل ، يرفض أنصار التيار الديني المتشدد المؤيد لبن غفير و سيموتريتش مزاعم اليهود الأورثوذكس ، و يستندون هم أيضا على نصوص التوراة ، التي تعطي الحق لليهودي ، في حالة خوضه حربا دينية ، ألا يترك شخصا على قيد الحياة، لأنه لم لم يقتلهم سيقتلونه . كما يؤكدون أن المجازر ضد الأطفال و النساء في غزة تخضع أيضا للتعاليم التوراتية ، لأن أطفال غزة الذين ولدوا الأمس أصبحوا إرهابيو اليوم ،و أن نساء غزة هن اللاتي يلدن أطفال غزة إرهابيو الغد . و لذلك يدفع التيار الديني المتشدد ، حكومة نتنياهو دفعا ، لعدم وقف الحرب ، حتى تبيد أكبر عدد ممكن من النساء و الأطفال رغم إعترافهم بسقوط أعداد كبيرة من القتلة في صفوف الجيش الإسرائيلي . وفي خضم هذا الخلاف، يرى كثير من قيادات الجيش الإسرائيلي، بتأييد من العلمانيين وجنود و ضباط الأحتياط ، أن المتشددين يدفعون حكومة نتنياهو المتطرفة لإستمرار الحرب ، لأنهم لا يدفعون ضريبة الدم .فاليهود المتدينون الذين يطلق عليهم “الحريديم” لا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية ، بواقع 3 سنوات و 8 أشهر للرجال ، و سنتين للنساء ، و يكتفون بتحريض حكومة نتنياهو على إستمرار الحرب ،و هم ينامون آمنين في مدارسهم الدينية ، بل و يتلقون إعانات مادية كبيرة لهم و لأسرهم ، بزعم أنهم من حفظة التوراة و الشريعة اليهودية .و لذلك صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بأنه يؤيد مشروع قانون تقدمت به أحزاب علمانية ، يفرض الخدمة العسكرية الإجبارية على جميع الإسرائيليين بلا إستثناء، بما فيهم الحريديم . لكن حاخام إسرائيل الأكبر، إسحاق يوسف ، هدد بأنه في حال تم أجبار الحريديم على أداء الخدمة العسكرية ، فإنهم سيغادرون إسرائيل .

و لو تطرقنا للسبب السياسي و هو أيضا لا يقل أهمية ، سنجد أن بنيامين نيتياهو هو المستفيد الأكبر من إطالة أمد الحرب ، بعد أن فشل حتى الآن في تحقيق أيا من أهداف الحرب المعلنة، و هي تدمير البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية ، و إستعادة الأسرى في وقت فشلت فيه حكومته في منع هجمات طوفان الأقصى في سقوط إستخباراتي و عسكري مهين . فلا تزال المقاومة تكبد الجيش الإسرائيلي ضحايا في المعارك التي تدور في مختلف مدن غزة، بل و لا تزال المقاومة تطلق صواريخها على المدن الإسرائيلية حتى و إن قلت النسبة بمرور الوقت . و كان نتنياهو قد أعلن ، أنه لو أوقف الحرب اليوم، فهذا يعني هزيمة إسرائيل ، و الحل في رأيه ، إرضاء التيار المتطرف في إسرائيل ، بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين في المجازر و الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومته . فنتنياهو يدرك جيدا ، أن إيقاف الحرب في الوضع الحالي ، يعني الإطاحة به من منصبه بشكل مهين ، و هو الذي طالما تفاخر بأنه أكثر رئيس وزراء إسرائيلي بقاء في السلطة ، حتي أكثر من ديفيد بن جوريون، أحد كبار الصهاينة المؤسسين لإسرائيل ، مرجعا ذلك بأنه الأكثر نجاحا في توفير الأمن للإسرائيليين . فخسائر نتنياهو في حالة وقف الحرب في الظروف الحالية ، لن تقتصر فقط على محاكمته في قضايا فساد قديمة ، بل ستمتد لتشمل محاكمته في محاكمة إستثنائية ، ربما تكون محاكمة عسكرية بسبب مسئولية حكومته عن الفشل الإستخباراتي و العسكري ، في فضيحة طوفان الإقصى يوم 7 أكتوبر 2023 . كما أن فشله في الحرب الحالية جاء في وقت ظل يتفاخر فيه بأنه الزعيم الوحيد القادر على حل عقدة الثمانين عاما ، بل و زعم أنه قادر على ضمان بقاء إسرائيل لتتخطى حاجز المائة عام .

و نهاية يرى محللون محايدون ، أن كل هذه الأسباب ، التاريخية، و الدينية ، و السياسية ، ما هي إلا أسباب مساعدة ، لكنها ليست السبب الحقيقي لطالة أمد إهذه الحرب الوحشية ، معتبرين أن السبب الحقيقي هو تحقيق المخطط الإسرائيلي الرامي للاستيلاء على ثروات غزة الهائلة من الغاز . و ترى إسرائيل أنه لكي يتحقق ذلك فإنه ينبغي القضاء على وجود حماس و كل فصائل المقاومة الأخرى في غزة ، للحيلولة دون وصول عائدات الغاز التي تقدر بالمليارات لحكومة تقودها حماس و فصائل المقاومة الأخرى مثل فصائل القسام، و الجهاد و غيرهم و ذلك لمنع وصول هذه العائدات في تعزيز قدراتهم العسكرية و التسليحية .

و جاء قرار أمريكا ، بإقامة ميناء على ساحل غزة ،بهدف توصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين ، لتدعم وجهة نظر هؤلاء المحللين ، الذين يعتبرون أن هذا الميناء ، يمثل طليعة تواجد عسكري أمريكي دائم ، لتأمين إستخراج ثروات غزة من الغاز ، وفقا لإتفاق يعود لسنوات ، بين الصهيونية العالمية، و لوبي البترول في الولايات المتحدة، بالتنسيق مع إسرائيل .

و تقول مجلة ” اينيرجي ” الفرنسية تحت عنوان الغاز الطبيعي لغزة الوجه الأخر للحرب ” أن المياه الإقليمية و الدولية لغزة تزخران بثروات هائلة من الغاز الطبيعي ، منذ أن تم إكتشفت شركة” بريتش جاز ” البريطانية أول حقل للغاز الطبيعي في العام 1999 على بعد 36 كم أمام سواحل غزة . و يحتضن هذا الحقل الذي أطلق عليه ” مارين 1 ” 33 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي . و لم تكتف مياه غزة بالكشف عن ثوراتها بهذا الحقل فقط بل قدمت حقلا آخر أكثر ثراء أطلق عليه ” مارين 2″ يحتوي على 36 مليار متر مكعب من الغاز لكنه يقع على الحدود المشتركة لغزة مع إسرائيل .

و من جانبها نقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن مصدر إسرائيلي قوله ، أن الحكومة الإسرائيلية لن تسمح بإستغلال غاز غزة ، طالما ظلت حماس في السلطة ، حتى لا تستخدم عشرات المليارات من الدولارات عائدات بيع متوقعة من هذا الغاز في تدعيم نفسها عسكريا ، و تطوير قدراتها الصاروخية طاز أرض أرض .

من جانبها قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن بعض المسئولين الإسرائيليين يدركون أنه من المستحيل إجتثاث جذور حماس بشكل كامل من غزة بعد الحرب ، و لذلك هم لا يمانعون من مشاركة رمزية لحماس في حكومة فلسطينية معتدلة ، بشرط عدم تمكين وزراء حماس الرمزيين من إستغلال أي عائدات متوقعة من مليارات تصدير الغاز في إعادة تسليح المقاومة الفلسطينية .

و نهاية يبدو من هذا التحليل، أن كل هذه العوامل مجتمعة ، تقف وراء الحرب الوحشية على غزة و إطالة أمدها ، و ليس فقط السطو على ثروات غزة من الغاز .

اقرأ ايضا للكاتب

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع»أفارقة أمريكا و الصمت حيال مجازر غزة

علاء حيدر يكتب لـ«الموقع» العدوان الثلاثي وتعمير سيناء

علاء حيدر بكتب لـ«الموقع» المسلمون الروس و الحرب الأوكرانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى