أراء ومقالاتالموقع

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» لوعة الفقد

‏ما إن نسمع خبر وفاة أحد ما حتى وإن كنا غير مقرّبين منه ينتهي شيءٌ ما من هذا العالم تحت إمضائه ويذهب معه إلى الأبد فالإنسان لا ينفق كالسوائم بل يموت؛ أي يؤثث مساحة المعنى التي تركها خلفه. فما إنْ يموت نشعر بتعطُّل ما أَفقد عالمنا طابعه الإحالي وكفّت بوصلة معانيه عن الاشتغال.‏‎كل شيء صنعه الإنسان من فن وفكر يترك في القلب غصه عند نهايته.. نشعر بالحنين لأبطال الرواية التي نغلق صفحتها الأخيرة…ذلك أن الكاتب وضع فيها شيء من روحه.. فما بالك برحيل انسان دفعة واحدة وبلا رجعه!

إن الشوق للأموات هو الجزع من الحياة لشدة الظلم والعوز والحب للذي لا يقوى على تحقيقه لأن الزمان قتله وهو حي فيكون أكثر الناس شوقا للموت، ‏‎‎لقد غلبنا الشوق إليهم، فلا طاقة لنا من بعدهم ورحيلهم.. فراقٌ لا يندمل …!.

‏‎يضنينا الشوق لمن رحلوا وتعذبنا الآهات والدموع فلا هي أعادتهم ولا هي خففت وجع الفراق ولكن كلما تذكرنا ما يغضب الأحبة اجتنبناه وما يرضيهم منا فعلناه، كأننا نقول لهم انتم معنا ونحن لن ننساكم أبدا نبركم ونرجو رضاكم كما لو كنتم معنا فلتهنأ أرواحكم حتى نلتقي.

فكرة الموت نفسها هي عزاءٌ وأي عزاء !

عندما تُخرِج الدنيا من جُعبتها كما هي عادتها مفاجأة مرعبة أو نكبة أليمة فإن ما يُهدئ لواعج الإنسان ويُلطّف شجونه هو طيف (الموت) وحيث يلوح تذكاره العاطر تتوارى مزعجات الحياة وتضمحّل أحزانها …‏واقعة الموت التي تشمل الكائنات تختلف عند الإنسان الذي يَعي تماماً أنه محكوم عليه بالموت ، بخلاف الحيوان الذي لا يعي مأساة موته، ولهذا كان التفريق اللغوي فريداً ، فالإنسان (يموت) والحيوان ( ينْفُق)

عندما تفقد عزيزًا ويستوطن السواد روحك، تعجب كيف أن حزنك لا يصبغ الكون كلّه!! كيف أن الشمس تشرق في موعدها؟ والحركة دائبةٌ في الشوارع، والتليفزيون يبث كالعادة أغاني الفرح الخفيفة و نشرة الأخبار تنقل لك كل كوارث العالم سوى كارثتك العظمى!!!

‏مرارة الفقد، وحجم الفجيعة ..تلك الحالة يكون فيها المرء بين اليقظة والأحلام، تصبح الذكريات فيها جروحًا في القلب، كلما لمعت ذكرى انفتق جرحٌ عميقٌ وسحيقٌ من الأعماق.وكلما رحل عزيزٌ منا، فُقد جزءٌ منّا ورحل معه شيءٌ فينا، يرحلُ معه ولا يعود أبدًا.

ليس بالموت وحده يُفقد الأحبة، ‏نفقدهم أحيانًا بالتغيّر وأحيانًا بالنسيان وفي أحيانٍ كثيرةٍ وموجعة نفقدهم بالجحود والنكران.. يمضون ويتركون كل شيءٍ فينا يتجرّع لوعةَ الفجيعة ومرارة النكران.

ما يؤلمنا حقًا ليس رحليهم، بل أرواحنا التي بذلناها في سبيل أفراحهم.يرحلون بينما تظل قلوبنا شواهدٌ على جُثَثِنا….. تسألهم:لماذا؟!

ولكن علي أيه حال… لولا المواجع لما أصبحت رجلًا، ولولا الترحال لما اكتشفت نفسك والعالم، ولولا الجرح لما عرفت كيف يحتاج الالتئام إلى صبر ورحمة، ولولا المحن لما ذقت معنى الصداقة الحقة. إنما هي أقدار يريد الله بها اختبار النفوس، وتقسيم حظوظ الدنيا والآخرة فلا تحزن

اقرأ ايضا للكاتب

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الحنين إلى الأوطان

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن اغتنام الفرص

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن مرتزق عاش بالنصب الاسلامجي «أبوحمزه المصري»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى