أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» كن أنيسًا ذوّاقًا

أصعب طريقة تنتهي بها العلاقات البشرية عندما يجف نهر الكلمات بين الطرفين، والجفاف هنا ليس تعبيراً أدبياً بقدر ما هو تصوير حقيقي لما يحدث، فتبدأ الجمل أقصر وأثقل، لتتحول إلى عبارات بسيطة، ثم كلمات متقطعة تخرج بصعوبة، ثم صمت يخيم على كل شيء.

عندما يعتذر لك إنسان ليس بالضرورة أنه مخطئ، وأنك على حق، ربما أراد أن يقول لك أن علاقتكما أهم من كبريائه، أنا آسف تعني أنني أريد الاحتفاظ بك بغض النظر عن أي شيء فلا تأخذك عزة النفس أبعد مما ينبغي،
رمِّمْ كبرياءه فورا؛ لأن هؤلاء البشر لديهم طهارة القلب، ولا يعرفون معنى الحقد.

‏من المروءة وحسن العهد أن لا تنسف فضائل شخص لأجل موقفٍ، وحدث عارض أن لا ترجّح كفة قياس خاطئ على كفّة مليئة بالتفاني والإكرام لا ترتدي ثوب الغُلظة والجحد أمام من أحسن إليك يومًا، وحفظ لك قدرك، ولم يُقصّر في حقّك، وهذه المعاني لا يدركها إلا النُبلاء.

‏أنت مؤذٍ جدًا، ‏حين تفتقر إلى الذوق… ‏فالذوق ليس ترفًا، بل إنّه قيمة يملكها الإنسان، ويتشبّث بها ليرتفع ويترفّع عن جانبه الحيوانيّ…‏الذوق هو شعرة معاوية في التعاملات كلّها. ‏بها يتمايز الناس،‏فيهبط من يهبط ويرتقي من يرتقي!
‏كلٌّ بحسب غناه وافتقاره له لهذه القيمة ‏في المعاملة.‏في العمل.‏في الجدّ ‏والهزل.‏وحتى في الحب‏والكره أيضًا.‏شتان ما بين من يفتقر إلى الذوق ومن يرقى به!
‏حتى في المكالمة تجد بونًا شاسعًا بين مكالمتين، إحداهما تبدو كنسمةٍ خفيفةٍ، وإن كانت من شخص لا تربطك به علاقة وجدانية أو روابط قربى، ولكن تجد اتصاله خفيفًا كالنسمة الباردة بعد مغيب شمس حادّة في يومٍ طويل،
‏وآخر قد تجد اتصاله أو تواصله أثقل من الجبال، لما يفتقر إليه من الذوق واللباقة وحسن المنطق والكلام، ‏الذوق يعلّمك متى تقترب؟ ومتى تبتعد.‏متى تتكلّم؟ ومتى تصمت؟
‏متى تبادر؟ ومتى تنتظر، ‏متى تشارك؟ ومتى تتمنّع، ‏متى تعطي؟ ومتى تمسك، ‏متى تقبل؟ ومتى ترفض؟
‏الذوق يعطي قيمة لصاحبه، فلا فنّ من دون ذوق. ولا حِرفة من دون ذوق. وكذلك لا مُعاشرة من دون ذوق!
‏بعض الأشخاص يخنقنا وجودهم وحضورهم لافتقارهم إلى هذه القيمة في الحياة:‏فيدخلون ويُثقلون ‏ويتحدّثون فيزعجون، ‏ويقتربون فيدمّرون كلّ شيء.

‏ولا يبقى بعد ذلك سوى النفور والهرب والتجنّب!
‏إنه الذوق من امتلكه، فقد رُزق حسن العشرة، وخفّة الظّل، ودماثة الأخلاق وطيب الروح. فكونوا ذوّاقين يرحمكم الله.

اقرأ ايضا للكاتب

‏نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» بين السّكينة والقلق

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع»هل تعرفونهم؟!

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» ‏رائحة ولون وطعم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى