أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» فلسفة الصوم

الحكمه الأولى من الصوم ليست أن يصوم الإنسان لكي يعود فيفطر، بل يفطر لكي يعود فيصوم، وذلك لأن الصوم كما شرعته الأديان جميعا رحمة مستجدة متجددة، وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أراد بالصوم أن نمتنع عن المأكل والمشرب لأنه سبحانه وتعالى أراد أن نشعر في أجسادنا وفي أرواحنا الرحمة نحو الجائع الذي منعته الظروف أن يأكل، أو قل إن الله أراد أن تصبح الرحمة فينا سجية لا هوية ولا مزية، وفضيلة لا فضلا ولا تفضلاً..
لهذا وجب أن يتكرر الصوم طالما أن هناك فقيرا حرم قوت اليوم لتتكرر النعمة للفقير والغني على السواء. وما من شك أن أجر الصوم أوفى وأعظم لمن تذوق لذة الإفطار ثم صام، وتنعّم بالعزة ثم ارتضى لنفسه أن يضام.. ذلك لأن كثيرا من الناس إذا ما نعموا بلذائذ الحياة الدنيا شق عليهم أن يصوموا عنها أو يحرموا منها، بل إن بعضهم قد يصوم قليلا أو طويلا، فإذا ما أفطر وذاق مذاق الثروة أو الجاه أو السلطان، فبعدا للصوم وبعدا للفاقة والحرمان!!
ذلكم خطر الإفطار على الفاطرين، ولو أنه في ذاته يزيد من أجر الصيام للصائمين.. لا أسوأ من أن يغدو رمضان شهرا باهتًا مثل كل الأشهر، لا أسوأ من أن تفقد قدرتك على الاحتفاء به كزمنٍ مختلف، هذه الرتابة في الزمن قاتلة للروح ولا شيء يُعيد ترتيب روحك مثل الإيمان.
أنت بحاجة لشهر مميّز في حياتك شهرا تجدد فيه إيمانك الخاص بكل شيء، تتخلى فيه عن طيشك وتمردك، شهرا تزيح فيه عقلك للخلف قليلًا وتدع الروح تنجز تعابيرها الخاصة في حياتك، تعيد تشكيلك بعيدا عن جفاف العقل ومنطق المادة، تصقل يقينك بالحياة وتمنحك شحنة روحية لمعاودة الحضور بشغف وكثافة أكبر..!
‏الإيمان بشكلٍ عام كقيمة وجودية لا غنى للإنسان عنه، إيمانك بالله، بالكلمة، بالحب، يمدك بالمعنى، والمعنى هو ما يعصمك من السقوط في فخ الإحباط تذكر جيدا حين تفقد المعنى تصيبك لعنة الخواء وتصبح نفسيتك أكثر عرضة للاختراق وتغدو أقل حصانة على مستوى الروح والعقل.
‏الحياة مليئة بالعلل، إلا أن أكثر عللها فداحة هو هذا العطش الدائم للتملك، الجوع المتواصل للأشياء، وإذا ما كان الإنسان منذ القدم يحتاج لطقس الصوم، فترياق الحياة الحديثة الأول، وهنا تكمن فلسفة الصوم التي وجب أن ترافق حياتنا المختلة ونفوسنا المنهوبة.

اقرأ ايضا

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» بعض من نسيج العلاقات

‎نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» ماذا بعد غزة؟

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» محبة الأوطان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى