أراء ومقالاتالموقع

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» عار «المسنين» !

في ثاني يوم عيد الأضحى .. منذ 3 أعوام .. فقدت أغلى روح في الوجود .. المرأة التي حملتني نطفة في أحشائها وغرست بها مواصفاتى الحالية .. الأم العظيمة التي جمعت ببراعة بين ربة المنزل المتمكنة والباحثة العلمية المتفوقة .. وظلت أرملة وفية لذكرى زوجها ١٤ عاما مكتفية بابنها وابنتها، ولم يرافقها طوال هذه المدة سوى الوحدة!.

وذات مرة، دار بيني وبينها حديث صريح مفتوح يخلو من الغموض والمجاملة .. وكان اقتراحي أن تقضي “بعض الوقت” في مكان آخر بصحبة من يتشابهون معها في الظروف الاجتماعية والمرحلة العمرية .. “دار الرعاية” لكبار السن، ولأنها امرأة مثقفة راجحة العقل والأفق، لم تجرحها كلماتي ولم تُسئ فهم مقصدي ومُراد رسالتي، ولم تعتبره تخليا عن واجبي تجاهها أو تفريطا في حقوقها على أبنائها بحكم الدين والإنسانية .. وإنما هي دعوة بريئة لتغيير مناخ الحياة وتحسين البيئة الجافة من الأصدقاء والونس الدافئ.

وفكرت “الدكتورة بثينة” جديا في هذه الخطوة، ولكنها كانت تتراجع عن التنفيذ لارتباطها بـ “عُشها الهادئ” الذي استقرت به أكثر من ٤٠ عاما، واستبعادها فكرة الارتياح إلى مكان آخر بخلافه .. ولكنها في قرارة نفسها كانت تحترم الاقتراح، ولم تجد فيه غضاضة أو انتقاصا من قدرها ومكانتها المقدسة!.

وكان يحضرني أثناء النقاش حلقات العمل التليفزيوني البديع “وداعا يا ربيع العمر” الذي طرح هذه القضية بنعومة ورشاقة درامية باحتضان “دار المسنين” لشخصيات لها وزنها المادي وثقلها الاجتماعي والأدبي ما بين ضابط متقاعد، ومحامي قدير، وناظرة مدرسة، وطبيبة مخضرمة، ورجال مال وتربية .. وتحظى النماذج بأسر وعائلات على قيد الحياة ويمتلكون المقدرة على رعايتهم والتكفل بهم، ولكن الرسالة الفنية ركزت على حاجة هؤلاء إلى نوعية معينة من الرفقاء وشركاء المرحلة .. ومن هنا، عرفوا جميعا طريق السعادة ورسموا لأنفسهم ولما تبقى من مشوار العمر سيناريو التكيف نفسيا وإنسانيا مع متغيرات العصر!.

لقد استسلمت أمي لـ “أنياب العزلة” عندما توقف سقف طموحاتها عند حدود عطائها لأسرتها وضمان مستقبل أبنائها، وادخرت جهدها وذكاءها خلف جدران “البيت القديم” .. وهي التي كان بمقدورها أن تتسلح ضد “شيخوخة الروح” بمواصلة الإنتاج العلمي كباحثة ومتخصصة في الرياضيات، وتشرف على عشرات الرسائل لتفريغ شحنة الطاقة والمعلومات، وحماية ذاكرتها ومشاعرها من الصدأ أو التلف، ولكنه يظل اختيارها بملء إرادتها الحرة وسددت ضريبته كما رغبت وارتضت .. ومسألة التقدم في السن والتقاعد عن العمل يحسمها بُعد نظر الشخص “الهَرِم” إذا ما وضع برنامجا مختلفا لحياته بعد الـ ٦٠، واستثمر خبراته ورصيده من المعرفة والثقافة لخدمة الآخرين وبأقل مجهود، ودون تعارض مع الاستمتاع بملذات الدنيا بعد سنوات الشقاء والبناء.

وما المانع أن يذهب الأب أو الأم إلى نظام دقيق في الغذاء وتعاطى الدواء وممارسة الرياضة والقراءة والآراء مع أصدقاء جدد في رحابة عالم يسوده المحبة والتآلف وهدوء الأعصاب .. ويمكن لهذا العالم النقي أن يفتح أبوابه ونوافذه للأبناء والأحفاد ليصير جسرا إنسانيا للتواصل مع الأجداد وكسر الانطباع السلبي والسمعة المشوهة عن “دار المسنين” .. فهذا المشروع النبيل أطهر وأعمق من ظن الكثيرين في مجتمعنا بأنه “عار” وفضيحة وعقوق لمن سهروا على راحتنا .. صدقوني .. في حالات كثيرة الحل السحري يكمن في هذا “البيت الكبير”!.

اقرأ ايضا للكاتب : 

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» مشروع «مو» القومي!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» اذكروا محاسن موتاكم .. أو اصمتوا!

شريف سمير يكتب لـ«الموقع» صحة بوتين .. رهان الحرب الإعلامية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى