أراء ومقالاتالموقع

إيرينى سعيد تكتب لـ«الموقع»: الحسابات الجيوستراتيجية الغائبة عن الموقف الروسي الأوكراني

تناول الأزمات الكبرى يلزمه أولا، الرصد والمتابعة الدقيقة مع التحليل مدفوعا بالأدلة، وعلى ضوء المعطيات السليمة، ومن ثم الوصول إلى أجوبة عدة لما نعاصره من استفسارات وتساؤلات بشأن هذه الأزمات، وربما استباق الأحداث وإبداء وجهات النظر المُعلبة دون رؤية واضحة أو معلومة محددة لن يجديان فى ظل مجريات الأحداث المتشابكة والمعقدة.

للوهلة الأولى ظل منطق الحرب مستبعدا، بل عوًلنا على حنكة القيصر الدبلوماسية، وأن الأمر أوله وآخره يكمن فى مجرد حماية الحدود وتحجيم الناتو بعيدا عنها، بل أن الحراك الأمريكى تجاه الأزمة وحرب التصريحات التى أشعلها بايدن، جاءت فى إطار الدبلوماسية الأمريكية التقليدية وحروب الوكالة، أضف أيضا المؤشرات الداخلية لدى جميع الأطراف والتحديات العالمية، كفيلة بتسكين الأمور وسحبها بعيد عن أطر الحرب، ليفاجئنا بوتين أول أمس بحصار أوكرانيا برا وجوا، من خلال عملية عسكرية سيطرت على أبرز القواعد عبر الطائرات الهجومية والدبابات، حيث ذكرت وزارة الدفاع الروسية أنه تم تدمير ما يقرب من 211 موقعًا عسكريًا بينها 17 نقطة قيادة ومركز اتصالات، و19 منظومة مضادة للطائرات إس300- و39 محطة رادار للقوات الأوكرانية.

وبالرغم من أن روسيا وما تحمله من عقائد دفاعية سجل أبرزها فى وثيقتها الإستراتيجية للأمن القومى، واقتضى ضرورة نشر المعدات التكنولوجية على حدودها مع جورجيا واوكرانيا، بالإضافة إلى تحقيق التعاون مع حلف الناتو فى إطار تحقيق مصالح الطرفين، معتبرة أن تمدده يعد خطرا على أمنها القومى، إلا أنه بإمكاننا القول ، أن روسيا نفسها كانت قد تمكنت من دبلوماسية ” جس النبض” قبل نحو أكثر من أربعة عشر عاما، حينما بدأت باقتحام جوروجيا، ولم يتحرك الغرب، مكتفيا بالإدانة ومشاعر الاستياء، وبعدها ب6 سنوات ضم شبه جزيرة القرم، وخلال هذه العمليات تم فرض العقوبات والتى سرعان ما تأقلمت معها روسيا بل تخطتها.

محاولات أوكرانيا وسعيها منذ قرون للإتجاه غربا، أفقدتها حساباتها الإستراتيجية، ولم تعد مفاهيم الجيوستراتيجية ضمن قناعتها، تجاهلت تماما روسيا والدول المستقلة، وغاب عنها أن الوريثة الشرعية للإتحاد السوفيتى من الوارد أن تستعيد تاريخها ونفوذها، متخطية مظاهر الضعف عقب تفكك الإتحاد بداية التسعينيات، وما صاحبه من انهيار اقتصادى ونزعة قومية.

لم تسع أوكرانيا لتوثيق العلاقات مستفيدة من التعاون ودمج القوى، وتوظيف الطبيعة الديموجرافية، مع تحقيق الاستفادة القصوى من الحجم الهائل للموارد الطبيعية، فوحدها أوكرانيا صنفت السابعة عالميا بامتلاكها احتياطى فحم تجاوز 35 مليار طن، إلى جانب تريليون وأكثر من احتياطى الغاز، بالإضافة إلى تصنيفها من حيث امتلاك الحديد والمنجنيز، أضف الثروة الزراعية التصديرية، أما الدب الروسى والذى تعافى اقتصاده مؤخرا، ليتخطى الناتج المحلى التريليون ونصف التريليون، ويمثل بالنسبة للقوى الكبرى وفى المقدمة ألمانيا ، أنبوب الغاز، هذا فقط على الصعيد الاقتصادى، أما التاريخ والأصول والأعراق فواحدة لدى الشعبين، ومع ذلك انتظرت أوكرانيا عضوية الناتو، ووعود أعوام لم تتحق، حتى بعد الانتهاكات والحروب.

على كلٍ .. ومع هذه التطورات القاسية والخسائر، تعود الدبلوماسية وأساليب التفاوض الناعم من جديد لتفرض نفسها.. ضمن أهم الحلول ومن أجل تهدئة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصا عقب جلسة مجلس الأمن، والتى استخدت خلالها روسيا حق الفيتو

اقرأ ايضا للكاتب:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى