أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ «الموقع» كيف تصبح تاجراً للمخدرات بـ “جرة قلم” ؟!!

هل خطر على بالك أنك قد تستيقظ ذات صباح على تليفون من صديق يخبرك بأن إسمك وبجرة قلم أصبح “منور” فى محضر قضية “إتجار مخدرات” فتعيش لحظات صعبة وقاسية و”أسود من قرن الخروب” ؟ .

بعد ان تنتهى من قراءة الحكاية التى أكتب عنها الآن سوف تشعر وبكل تأكيد أنك وغيرك من المئات وربما الآلاف أوالملايين من المواطنين البسطاء من الممكن وببساطة شديدة أن يصبحوا مثل هذا الشخص “بطل الحكاية” لأنها ليست مجرد أحداث استوحيتها من فيلم سينمائى للمخرج الراحل حسن الإمام ولا من مسلسل مكتوب بحبكة درامية فائقة الروعة من أعمال صديقى السيناريست الراحل مصطفى محرم ، ولكن ما أكتب عنه الان هو حكاية حقيقية حدثت بالفعل لشخص أعرفه “عز المعرفة” .. شخص عاش طول عمره “ماشى جنب الحيط” وليس له أى علاقة من قريب أى بعيد بأساليب “اللف والدوران” أو استغلال النفوذ.. فهو يعمل فى جهة مهمة واعتاد أن يحسب لخطوته ألف حساب قبل أن يخطوها لأنه – وحسب طبيعة عمله – يتعامل فى كثير من الأحيان مع جهات مهمة فى الدولة وبالتالى فإن “التحريات” تتم حوله بشكل مستمر لأنه ليس من المعقول أن تكون دائرة تحركاته وبحكم طبيعة عمله على هذا النحو من الحساسية دون أن “تهريه” الجهات المعنية بالبحث والتحرى لمعرفة علاقاته وتوجهاته وتعاملاته اليومة العامة والخاصة على حد سواء .

قد يرى البعض أنه لا داعى لكل هذا الكلام أو الحديث باستفاضة عن مسألة “التحريات” وعن طبيعة عمله وأن اختصر وأدخل فى الموضوع مباشرة ، وهنا أود الإشارة الى أن هذا الكلام فى منتهى الأهمية حيث أن طبيعة عمل هذا الشخص وتلك التحريات المستمرة عنه سيكون لها أهمية قصوى فيما بعد بل أنها سوف تقلب الأحداث رأساً على عقب..

المهم صديقى هذا تم إبلاغه بأن سائق سيارته “محجوز” فى أحد أقسام الشرطة التابعة لمحافظة الجيزة ، وأن السيارة تم التحفظ عليها أيضاً وذلك بعد مشاجرة حدثت بين السائق ومعاون مباحث القسم وهى مشاجرة – حسب رواية السائق – حدثت نتيجة قيام الضابط بالاعتداء عليه بالضرب وسبه بوالدته فتطور الأمر بأن قام الضابط بتحرير محضر اتهمه فيه بالإتجار فى المخدرات وبالتالى تم التحفظ عليه وعلى السيارة التى كان يقودها بموجب توكيل رسمى من صاحبها حتى يتحرك بها بشكل قانونى ويتعامل به أيضاً مع المرور وكافة الجهات الرسمية ..

الى هنا والأمر يبدو عادياً فمن الممكن أن يتم إنهاء المشكلة بعد عرض السائق على النيابة ، وبالفعل بعد مرور ٤ أيام قرر وكيل النائب العام اخلاء سبيل السائق “بكفالة” لأن المحضر وكما “فصصه” محامى السائق جاء مليئاً بالثغرات والأخطاء الإجرائية التى يتطلبها هذا النوع من محاضر الشرطة وخاصة قضايا “الاتجار فى المخدرات” فهذه قضية ليست سهلة وتحتاج للعديد من الخطوات قبل تحرير المحضر ، وعلى الرغم من كل ما حدث إلا أن القادم هو الأسوأ والأفظع على الإطلاق .. فقد فوجئ صديقى “صاحب السيارة” بأن الضابط وإمعاناً فى “تأديب” السائق قام بكتابة فقرة فى المحضر حتى يتحفظ على السيارة فقد كتب بالحرف الواحد ( السيارة تحمل لوحات معدنية ….. ومملوكة للمدعو “…..” وهو على علم بأن سيارته يتم إستخدامها فى الترويج للمواد المخدرة ، وهو شحص سئ النية) ..

وقع هذا الكلام على صديقى كالصاعقة فهو الشخص المسالم الذى لم يدخل فى يوم من الأيام قسم شرطة .. وحتى بطاقة الرقم القومى الخاصة به تم استخراجها له فى ماكينة ذهبت للجهة التى يعمل بها ليتم استخراجها له فى مقر عمله هو من يعملون معه فى هذه الجهة، أما جواز السفر فقد ذهب به مندوب “مخصوص” الى مصلحة الجوازات والهجرة لإستخراجه .. أكتب ذلك حتى أضع من يقرأ هذه الحكاية فى الصورة من كافة جوانبها وزواياها المختلفة وحتى اجعل القارئ يشعر ويعيش أجواء تلك اللحظات الصعبة والقاسية التى عاشها ومازال يعيشها صاحب القصة حتى الآن .

وكأن الله قد شاء بأن يقع الضابط فى شر أعماله بكتابة هذه الفقرة التى تخص صاحب السيارة لأن كلمة “المدعو” تؤكد أنه لا يعلم شيئاً عن طبيعة عمل صاحب السيارة فقد كتب اسمه من واقع بيانات رخصة القيادة، والأهم أيضاً أنه من أين أتى بالمعلومة التى تفيد بأنه على علم بأن سيارته يتم استخدامها فى الترويج للمخدرات ، وبعيداً عن ذلك فهل هذا الضابط منحه الله سبحانه وتعالى القدرة على “شق القلوب” لمعرفة نوايا أصحابها ، أم أنه “يضرب الودع” و يقرأ الفنجان الذى جعله يدخل فى ضمير الرجل ويعرف أنه شخص “سئ النية” .

هنا جن جنون صديقى وتوجه الى القسم ، والحق يقال فإنه وكما أكد لى أن رئيس مباحث هذا القسم استقبله بترحاب شديد وهذا يثبت للجميع وبما لايدع مجالاً للشك أن الضابط معاون القسم لا يمثل إلا نفسه ، المهم أن رئيس المباحث وجه على الفور بعمل اجراءات الافراج عن السيارة وتم تسليمه ٣ خطابات موجهة الى إدارة المرور فذهب بها الى المرور وبعد أن داخ ” السبع دوخات” بين الإدارات المختلفة بالمرور تسلم جميع الأوراق المطلوبة متضمنة شهادة “رفع بصمة موتور وشاسيه السيارة” و”محضر تحريات وشهادة بيانات ” ومحضر “فك الضبط”.. وذهب بهذه الأوراق الى القسم وهناك طلبوا منه التوجه الى النيابة المختصة لإحضار قرار بالسماح له باستلام سيارته وهناك التقى وكيل النائب العام “المحقق” الذى اخبره بأنه حتى يتم اصدار قرار الافراج عن السيارة يجب أولا استدعاء الضابط لإجراء تحقيق “عاجل” معه لسئواله عن مصدر معلوماته التى كتبها فى المحضر وخاصة التى تتعلق بصاحب السيارة .. وأخبره وكيل النائب العام أنه حتى يقوم باستدعاء الضابط يجب عليه ان ينتظر وصول تقرير المعمل الجنائى الخاص بالمادة المخدرة التى تم “تحريزها” فى المحضر .

خرج صديقى من مقر النيابة لا يعرف الى أين يذهب ولا الى من يتوجه .. وكيف أن هذا الضابط قد سمح له ضميره – إن كان له ضمير أصلاً – بأن يلقى هذه التهمة عليه إعتباطاً ودون أية أسانيد قانوية فهو لم يلتق به من قبل ولا توجد بينهما معرفة سابقة وحتى لو كان السائق قد أخطأ بشكل أو بآخر فلماذا يقوم بالزج بإسم “صاحب السيارة” على هذا النحو المسئ له ولسمعته.

وتمر الأيام .. يوماً تلو الآخر دون أن يتصل أحداً بصديقى ليخبره بأن يذهب لإستلام سيارته .. ولكن وكما يقول أمير الشعراء أحمد شوقى فى إحدى قصائده ( قد يهون العمر إلا لحظة) .. ففى هذه اللحظة الفارقة فى عمره قرر أن يغير من طريقة تعامله مع الأزمة ١٨٠ درجة ، فكيف يقف صامتاً أمام هذا التصرف “الأهوج” من “ضابط شرطة” بكل تأكيد لا يعرف قيمة وأهمية وقدسية جهاز الشرطة الذى ينتمى إليه فهذا الجهاز الوطنى العريق قدم ومازال يقدم ارواح خيرة أبنائه فداء للوطن فى تلك الحرب الشرسة التى تخوضها الدولة منذ سنوات ضد الإرهاب ومن أجل مكافحة العنف والقضاء على التطرف.

و قرر فى هذه اللحظة وعلى الفور أن يتخلى عن “طيبته” التى لم يجن من ورائها سوى ” البهدلة” وأن يبادر بالمواجهة من أجل الحصول على حقه و”بالقانون” طبعاً .. نصحه البعض بأن يقدم شكوى الى إدارة التفتيش بوزارة الداخلية والى إدارة حقوق الإنسان بالوزارة ضد هذا الضابط وبالفعل كتب الشكاوى ، وقال لنفسه لقد سمعت كثيراً عن منظومة الشكاوى الموحدة بمجلس الوزراء فلماذا لا اجرب حظى وأتعامل مع هذه المنظومة على الأقل للتأكد من أن ما يسمعه ويقرأه عنها وعن انجازاتها حقيقى وقائم بالفعل، وعلى الرغم من أنه قادر على تقديم الشكوى للمسئول عن منظومة الشكاوى شخصياً مستثمراً وظيفته إلا أنه اختار أن يفعل مثل أى مواطن بسيط فملأ البيانات وقدم الشكوى الكترونياً، غير مكترث بما كان يسمعه فى هذه الأثناء من عبارات التأنيب له وخاصة من الذين يعلمون جيداً أنه حسب طبيعة عمله قادر على أن يطلب مقابلة وزير الداخلية شخصياً ويشكو له ما حدث أو أن يتوجه مباشرة الى مكتب النائب العام مختصماً هذا الضابط.

ولم يمر سوى ٢٠ ساعة فقط على تقديم الشكوى حتى فوجئ باتصال تليفونى يخبره بأن الشكوى المرسلة ضد ضابط الشرطة قد وصلت وأنه جارٍ الآن فحصها بمعرفة جهات الإختصاص، لحظتها شعر بأنه قد راهن على الطريق الصحيح ، لأن هذه المكالمة “أخرست “جميع من عارضوه وشككوا فى مصداقية منظومة الشكاوى بمجلس الوزراء .. وبعيداً عن كل هذا وذاك ، فإن سر السعادة التى هبطت على صديقى يكمن فى أن هذا الرد السريع حول الشكوى قد أثبت له وللجميع أننا اصبحنا بالفعل نعيش فى دولة مختلفة تماماً عما كان يحدث من قبل ، وهذا الاختلاف يمثل أحد أهم وأبرز الدعائم الأساسية التى ترتكز عليها “الجمهورية الجديدة” التى بات الدخول فيها على الأبواب ، هذه الجمهورية التى بكل تأكيد لم ولن يكون فيها مكان لفاسد او لمستغل سلطة أو خارج عن القانون .

القصة لم تنته بعد .. فالشكوى الآن وكما علمت من صديقى تم تحويلها الى إدارة التفتيش والمراقبة بوزارة الداخلية والى إدارة حقوق الإنسان بالوزارة أيضاً لعمل اللازم.

وبقية “الحكاية” سوف اتناولها فيما بعد ، وبالتحديد بعد أن يتم اتخاذ الإجراء المناسب من جانب الجهات المعنية، خاصة أنه طلب فى الشكوى أن يتم عمل تحريات عنه بمعرفة “الأمن العام” أو “مباحث الوزارة” لمطابقتها بما جاء فى هذا المحضر الذى أقل ما يمكن أن يوصف به أن “محضر العار” فلم يقرأه أحد من اصدقاء صاحب السيارة ومعظمهم يعملون فى سلك القضاء والنيابة والشرطة أيضاً، إلا وقال أنه محضر “مهلهل” ولا يمكن أن يكتبه بأى حال من الأحوال “طالب” مازال يدرس القانون فى كلية الشرطة .

ملحوظة :

جميع الاوراق والبيانات بالتفاصيل موجودة معى ومستعد لتقديمها لأية جهة رقابية يهمها رفع الظلم عن الأبرياء الذين حتى وإن لم يكن لهم “ظهر” بين البشر فإنهم وبكل تأكيد لهم “الله” الذى حرم الظلم على نفسه بل وأعد للظالمين “نار جهنم” وبئس المصير .

اقرأ ايضا للكاتب

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» مشاعر تحت التشطيب

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» .. يقتل القتيل ويمشى فى جنازته!!

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» .. كل إناء ينضح بما فيه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى