أراء ومقالاتالموقع

«الموقع» ينشر لـ«أكمل قرطام» المقال الممنوع من النشر في «المصري اليوم» ..أزمة الإصلاح والحوار

الاعترافُ بِالحق فضيلة، والحق أنَّنا فشلْنا على مَدى عقودٍ طويلة في تحقيق الإصلاح حتى تحولَ الإصلاح إلى عُقدة لا نَستطيع لها حلاً ولا نجدُ منها فكاكًا، قيّدتنا عنْ الِلحاقِ بالمدنية وحجبتنا عنْ المُعاصرة..

وكَما أنَّ الطبيبَ لا يَستطيع علاج المريض إلاَّ بعدَ تشخيص المرض والكشف عنْ أعراضه، فإننا لنْ نستطيع النجاح في عملية الإصلاح إلاَّ بعدَ الاعترافِ بِالفشل ومُكاشفة أنفسنا بِأسبابه ثمَّ وَصف العلاج وتناول الدواء.

ولعلَّ أبرز أسباب الفشل أنَّنا غيّبنا المَفاهيم الأساسية التي لا غنى عنْ الأخذ بِها لِنجاح العملية الإصلاحية وأهمها من وجهة نظري:

أولاً: الإصلاحُ ليسَ مَطلوبًا لِذاته وإنّما منْ أجل التنمية بِأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فـ التنمية هيَّ الطريق لِبلوغ الحداثة وتحقيق الاستقرار والسعادة لِلمواطنين.

ثانيًا: لا يُمكن بِناء عملية الإصلاح دونَ وضع استراتيجية لَها، وهذه الاستراتيجية تَختلفُ من مُجتمعٍ لآخر، وهيَّ تُمثلُ «الترمومتر» الذي يَعكسُ ما يَحتاجهُ المُجتمع من خُطط وعمليات تصحيح وتطوير سواء بصفة عاجلة أو آجلة، و هيَّ التي تُحددُ مِقدار التغيير المُصاحب لَها الذي يُمكن للمُجتمع أنْ يَتحملهُ دونَ أنْ يُصابَ بِالإرهاق والقلق.

ثالثاً: إنَّ بناء تلك الاستراتيجية يَستلزمُ الاتفاق حولَ مَفهوم الإصلاح الذي يَحتاجهُ المُجتمع، ثمَّ توظيف هذا المفهوم في وضع البرامج والخُطط التي تُحققه مع الأخذ في الاعتبار أنَّ عملية الإصلاح مُتكاملة لا تنجح إذا اقتصرت على جانبٍ واحد من الجوانب، فلا يُمكن مثلاً تحقيق الإصلاح الاقتصادي دونَ أنْ يَسبقهُ أو يُصاحبه إصلاح سياسي، فعلي سبيل المثال زيادة القدرات التنافسية للدولة على جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز المَحلية لا بدَّ أنْ يَسبقها تعديل القوانين المُقيدة لِلحريات العامة وتفعيل استقلال السلطة القضائية واحترام استقلال القضاة أنفسهم ، وإلغاء المَحاكم الاستثنائية ومنها نيابات أمن الدولة والمحاكمات العسكرية للمدنيين.

فالاستثمار لا يُمكن أنْ يَزدهر إلاَّ في ظلْ قوانين طبيعية وأجواء تتسمُ بالشفافية، كما أنَّ ازدهار الاستثمار من الناحية الأخرى سوف يُؤثرَ على الجانب الاجتماعي في حياة الأمة، إذ أنهُ سيفرض تطوير المنظومة التعليمية بحيثُ تُصبح قادرةً على إفراز المُؤهلين لِلتعامل مع الأنشطة والصناعات والمشروعات الحديثة التي تخلقها الاستثمارات الجديدة، التي ما كانت لِتبدأ إلاَّ بعدَ إصلاح المَنظومة التشريعية، فالأمور كلها مُتشابكة ومُترابطة، ولا يُمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي بِمعزل عن إصلاح سياسي وتشريعي وتعليمي ومكافحة للفساد وضمان حرية تداول المعلومات والشفافية الإدارية وحُرية الإعلام واستقلال الدور الوظيفي للبرلمان والنواب فضلا عن استقلال القضاء.

رابعًا: عملية الإصلاح هيَّ عملية تَشاركية وتَفاعلية بينَ الحكومة والشعب، فإذا غابت التشاركية عنها غالبًا مَا تفشل، وقبول الشعب ورضاه هُو الضمانة الوحيدة لمشاركتهِ فيها ، ذلك أنَّ عملية الإصلاح تهدفُ إلى تغيير واقع قديم قائم إلى واقعٍ جديد صَالح، فلابدَّ إذن منْ توافر الظروف التشاركية المُجتمعية التي تُطلق العنان لهذه العملية دون عوائق، وهذا يَتطلب حصول بَرنامج الإصلاح على رضا الغالبية العظمى، فقيام السلطة بِفرض تصورها الإصلاحي على الناس واتباعها نَمط السُلطة الأبوية بعيداً عن الأساليب الديمقراطية يُؤدي حتمًا إلى عزوف الجماهير عنْ المُشاركة ويَدفعهم لِلانسحاب منها ما يَترتب عليهِ حتمًا فشلها برمتها، فعلى سبيل المثال: لا يُمكن أنْ تنفردَ الحكومة بتعديل قانون السلطة القضائية بزعم إدخال إصلاحات عليهِ دون مُشاركة واسعة من القضاة أنفسهم ولا تَعديل قانون الصحافة دونَ مُشاركة الصحفيين ونقابتهم وهلّمَ جرا.

خامسًا: العملية الإصلاحية لا يُمكن أنْ تنجح في أي دولة دونَ أنْ تكونَ السُلطة التشريعية- بِاعتبارها المُمثل الشرعي والفعلي لِإرادة الشعب والمَسئولة دستوريًا عنْ الرقابة والمُحاسبة والمُوافقة على السياسات العامة لِلدولة في مَوضع القلب منها، لذلك عندما يَتعلق الأمر بِعملية إصلاحية شاملة فإنهُ يَتعين على النواب أنْ يَخلعوا عباءتهم الحزبية أو الفئوية أو الطائفية وأنْ يَرتدوا عباءة الشعبْ وأنْ يَسعوا جميعًا إلى التوافق حولَ استراتيجية الإصلاح وأهدافها، وعليهم أنْ يَعلموا أنَّ شرعيتهم وحصانتهم مُستمدة من الشعب مَصدر السُسلطات، وانهم مكلفون بمراقبة ومحاسبه السلطة التنفيذة عن أدائها ، فضلا عن اقرارهم السياسات العامة فأنهم مسئولون أمامَ أحزابهم والناخبين اللذين قاموا بانتخابهم بإرادتهم الحُرة، لذلك لا يجوزُ للنواب أنْ يَتنازلْوا عنْ مسؤولياتهم للحكومة وتركها تنفرد بِاتخاذ قرارات “الإصلاح” طبقاً لِمفهومها دونَ مُناقشة وموافقة ومُراقبة ومُحاسبة، لذلك فإنَّ إصلاح قوانين مُباشرة الحقوق السياسية وطرق إدارة العملية الانتخابية وضمانات نزاهتها أمر حتمي لضمان صدق تَمثيلها لِلتوجهات السياسية والمُجتمعية المُتباينة ، وحتى تكون لة شرعية ترتب علية وتحمله المسئولية عن التشريعات الإصلاحية والتنموية التي يصدرها نيابة عن الشعب

سادسًا: الإصلاح لا يُمكن أنْ يَنجح في مُجتمع غالبية أفراده مغيبون عن الوعي ، فالوعي هُو الضمانة الأكيدة لِاستمرارية العملية الإصلاحية وعدم إضمحلالها، ثمَّ أنَّ غيابه يتيح لِلحكومة أنْ تَتصرف وتَتخذ قراراتها بِمحض إرادتها، مُزينة قرارتها بِعناوين إصلاحية تارة أو تَنموية تارة أخرى، وعلي الوعي المغيب أنْ يَقبل تلكَ القرارات دون نقد أو مُناقشة أو مُشاركة أو حساب ، لِذلك فإنَّ عملية الإصلاح تَتطلب أنْ تَعملَ الأحزاب ومُؤسسات الدولة والبرلمان ومُنظمات المُجتمع المدني على نَشر الوعي السياسي وثقافة الإصلاح مُستخدمةً في ذلك كل الوسائل الإعلامية والثقافية والإعلانية، من أجل إحياء وعي المُواطن بذاته وقدراته وحقوقه وواجباته وامتلاكه لِحرية فكره وتَعبيره عنْ رأيه وتوجهاته، و سيكون من العبث البدأ في عملية الإصلاح من قبل إرساء قواعد نِظام الحكم الدستوري الديمقراطي، الذي يضمن للشعب حريته وحقوقه ويكفل سيادة القانون ، و حرية الإعلام ويحمى الحريات السياسية والتعددية الحزبية ويكرس استقلال السلطات.. ويمنع اى سلطة أو هيئة في التدخل في اعمال ليست من اختصاصها دستوريا ومغايرة لأهداف انشائها الأساسية

سابعًا: من المهم ألا تَتصادم استراتيجية الإصلاح مع قِيم المجتمع وتقاليده إلا بالقدر الذي تكون فيه التقاليد عاجزة عنْ مُسايرة فكر الإصلاح والتطوير ، لذلك لا بدَّ من الاتفاق على مفاهيم القيم العليا التي تستندُ إليها العملية الإصلاحية ، لإيضاح المعنى الذي أقصدهُ فإنَّ «قيمة المُساواة» إذا أردنا تَطبيقها مثلاً طبقاً لِمدلولها التعبيري فإنها سوفَ تعني تثبيت قاعدة الأقديمة المُطلقة في الترقيات والمكافآت، في حين أنَّ تحقيق «العدالة» بين المواطنين وهيَّ قيمة أصلية من قِيم الإصلاح، سوفَ يَستوجب الاعتراف بِالفوارق في القدرات والأداء، مَا يَتعين معهُ رَبط الترقيات والحوافز والمكافآت بِكفاءة الأفراد وقُدرتهم على الإنجاز بِغض النظر عنْ أعمارهم أو أقدمياتهم، ومن ثمَّ لابدَّ من تحديد المحيط الدلالي لِمعنى قيمة المساواة مثلا ، التي سنأخذ بها في عملية الإصلاح، فالتوافق على «القيم العليا للإصلاح» والمحيط الدلالي لها هُو جزءٌ أساسي منْ عملية الإصلاح ذاتها.
ثامنًا: الإصلاح عملية دائمة ومُتجددة ومُستمرة لا تَتوقف عند حد فهيَّ بِطبيعتها عملية قابلة لِلتغيير من زمن لآخر بلْ في داخل الزمن الواحد إذا ما طَرأت على المُجتمع أوضاع أو ظروف جديدة، والعامل الحاكم لِتجنب فشل عملية الإصلاح هُو أنْ تُراعى هذه العملية وما يَطرأ على واقع البيئة الداخلية والخارجية من مُستجدات وتطورات، فعملية الإصلاح التي تَعجز عنْ مُلاحظة ومُلاحقة التغيير في بيئتها الداخلية وفي الأحوال الخارجية يَصعب غالبًا أنْ تُوفق لِلنجاح.

هذه بَعض المَفاهيم الأساسية التي أظنْ أنهُ يَجب أخذها في الاعتبار عند ” الحوار ” حول الإصلاح

رئيس حزب الجيل لـ«الموقع»: الحوار الوطني فرصة لإحياء الأحزاب وأكمل قرطام حديث العهد بالسياسة

بعد سطوهم على حوار أكمل قرطام… موقع الموقع لـ «شبكة رصد» : «عيب»

أكمل قرطام لـ «الموقع»: أخطر شيء أن ينتهي الحوار الوطني دون نتائج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى