اقتصادالموقع

10 مليارات دولار.. حجم استثمارات الإخوان في بريطانيا.. مباشرة وغيرها

كتبت أميرة السمان

أصدرت بريطانيا الخميس الماضي تعريفًا جديدًا للتطرف نص على أن التطرف “هو ترويج أو تعزيز أيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو التعصب، تهدف إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية، أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية في بريطانيا، أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج.

وبهذا التعريف تكون بريطانيا قد انضمت إلى دول أوروبية أخرى مثل فرنسا والنمسا عملت على التضييق على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين منذ سنوات. وما يمثل مفارقة في هذا السياق، أن بريطانيا لطالما مثلث قاعدة لجماعة الإخوان ومركزا لعملياتها على مدى عقود ويرجع ذلك إلى التعريف الفضفاض الذي كانت قد صاغته لندن للتطرف والذي اقتصر على المعارضة الصريحة والفعلية لقيم المملكة البريطانية الأساسية وهو ما ترك المجال واسعاً أمام الجماعة لتجذير أصولها في بريطانيا من خلال أشكال مختلفة أولها النشاط السياسي الذي لا يتعارض مع قيم المملكة لتجنب الحظر وكذلك التغلغل داخل الجامعات من خلال الأنشطة والجماعات الشبابية.

ويندرج وجود الإخوان في بريطانيا تحت منظومة مهمة ومؤسسية للغاية قائمة على إدارة شبكة من المصالح المرتبطة بالجوانب الاجتماعية والسياسية والأمنية مما خلق للإخوان والجماعات التابعة لها في بريطانيا أهمية خاصة لدى الحكومات المتعاقبة، ويشمل الواقع المؤسسي لوجود التنظيم في بريطانيا شبكة جمعيات تضم حوالي 60 منظمة.

وعلى المستوى الاقتصادي كذلك يصل حجم الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة للجماعة في بريطانيا إلى حوالي عشرة مليارات دولار، وحصلت شركات الإخوان ومؤسساتهم على الوضع القانوني تخوفا من قبل الجانب البريطاني من أن يتحول الإخوان للعمل السري مما يضر بمصالح الحكومة البريطانية.

ومن هنا فإن بريطانيا التي شكلت بلدًا استقرت فيه الجماعة ومارست أعمالها بعدما وفرت له الحكومات البريطانية المساحات المطلوبة تحولت اليوم وبعد التعريف الجديد للتطرف إلى بلد يضيق على أنشطة الجماعة على الأقل من الناحية النظرية بما فيها من تأثير على المستوى الجماهيري عن طريق نشر وترويج الأفكار المتطرفة، وهي صفعة جديدة للجماعة تضاف إلى الصفعات المتتالية التي كان آخرها حالة التقارب بين القاهرة وأنقرة.

أولا.. أهمية القرار البريطاني:

يشكل عنصر التوقيت عامل أهمية بالنسبة للتعريف البريطاني الجديد للتطرف، ذلك أنه لا يمكن فصله بحال من الأحوال عن تداعيات الحرب في غزة خاصة على الدول الأوروبية التي شهدت وعلى رأسها بريطانيا مسيرات حاشدة في كبريات مدنها وميادينها تدعو إلى نصرة غزة وهي المسيرات التي وصفت بالكراهية في العديد من وسائل الإعلام البريطانية، وصاحب هذا ما وصف من قبل الحكومة البريطانية بأنه “موجة” عنف ضد اليهود الموجودين في بريطانيا خاصة وأن لندن لم تبد موقفًا داعما لغزة وكان موقفها منحازا الجانب إسرائيل والولايات المتحدة.

ويعزز الاتجاه السابق أن الحكومة البريطانية كانت قد قدمت مشروع قانون في خطاب الملكة عام 2016 لمواجهة خطر التطرف” مع طرح جديد للنظام المدني لتقييد النشاط. وقد واجه مشروع القانون معارضة واسعة النطاق وتم وضعه على الرف بعد أن فشلت الحكومة في تقديم تعريف مقبول قانونا للتطرف، وهو التعريف الذي يطابق حسب الوثائق ما تمت الموافقة عليه حاليا، فقد نص مشروع القانون في 2016 على أن التطرف هو الترويج لأي أيديولوجية تهدف إلى “قلب أو تقويض ديمقراطية المملكة المتحدة ومؤسساتها وقيمها أو تهدد حقوق الأفراد أو تخلق بيئة مواتية للتطرف وجرائم الكراهية والإرهاب”.

هناك حالة من الربط بين توقيت القرار والأوضاع الداخلية على الصعيد السياسي وتراجع شعبية رئيس الوزراء البريطاني ولذلك فإن تغيير التعريف الذي نص عليه في عام 2011 قد يكون محركا لإعادة ثقة الجمهور في الحكومة البريطانية خاصة أن سوناك تعهد سابقا بالوقوف بحزم في وجه المتطرفين وإحباط مساعيهم في زعزعة استقرار البلاد وقال في خطاب ارتجالي ألقاه يوم الأول من مارس ” هناك قوى تحاول تمزيقنا من الداخل”.

ويضاف إلى ذلك أن التعريف البريطاني الجديد جاء بناءً على طلبات إحاطة للحكومة وبعد نسخة مخففة من المقترحات التي تم طرحها. تنعكس أهمية التعريف الجديد كذلك في اتساع نطاق الجماعات التي سوف يشملها ويؤثر على أدائها بالتضييق، ليأتي على رأسها تنظيم الإخوان والجماعات التابعة له وكذلك التنظيمات البريطانية المتهمة بالتمييز ضد الأقليات ومن ضمنها الحركة الاشتراكية القومية البريطانية والبديل الوطني، وبعد تنظيم الإخوان في لندن الأكثر تأثرًا بهذا التعريف الجديد نظرا للأوضاع الضاغطة التي يعيشها في معاقل تواجده بشكل عام ونظرا أيضًا لأن التعريف الجديد يركز على الجانب الفكري والأيدولوجي وليس على الفعل مع عدم وجود أحقية للاستئناف – حيث بات من المعلوم أنه لن يكون هناك استئناف إذا تم تصنيف مجموعة على أنها متطرفة، وبدلاً من ذلك يحق لتلك الجماعات الطعن في القرار الوزاري أمام المحاكم، وهو ما يضع فكرة وجود التنظيم في بريطانيا في خانة حرجة نظرًا لأنه يستند في مكونه المركزي على أيدولوجية الإسلام السياسي وهي أيدولوجيا متطرفة بطبيعتها، وهو ما يمثل صفعة لتيار الإسلام السياسي ككل وعلى رأسه تنظيم الإخوان وتقييد الحركة التنظيم داخل أوروبا مما سيترك آثار تراكمية سيئة تضاف إلى الآثار الناجمة عن تقييد التجمعات بعد تفشي كوفيد في 2020 والتي أضفت نوعا من عدم الترابط والتباعد بين عناصر التنظيم انعكس في ضعف حركة التبرعات لصالحه. كما عانى التنظيم من قيود على تحركاته بعد ضربات أمنية ناجحة تم توجيهها له مثل العملية رمسيس في النمسا خلال عام 2020 حيث نجحت فيينا في حصار الجماعة، وتوجيه ضربة قوية لقواعدها. والمواجهات المستمرة في فرنسا فضلا عن التضييق المستمر على التنظيم في روسيا ودول البلقان وتركيا.

ثانيا.. التأثيرات الناجمة:

يخلق التعريف الجديد حالة من التوتر في علاقات مستقرة على مدى عقود بين بريطانيا والجماعة، وربما تنجم عنه آثار أخرى تؤثر على قرارات سابقة لاحتواء أعضاء الجماعة انعكست في أن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ” تيريزا ماي” أصدرت قرارا أتاح لعناصر جماعة الإخوان المسلمين حق اللجوء السياسي.

مع هذا التعريف الجديد تتخلى بريطانيا بشكل من الأشكال عن توظيف عناصر الإخوان المقيمين على أراضيها كعامل ضغط أو ابتزاز للدول الوطنية التي عانت من ويلات إرهاب جماعة الإخوان التي اتخذت بريطانيا مركزا لعملياتها.

من التأثيرات المهمة أن الأنشطة الاقتصادية للإخوان في لندن سوف تتأثر خصوصا أن التعريف الجديد للتطرف يحظر على الوزراء والمسؤولين البريطانيين التواصل مع أو تمويل المنظمات التي تقوض نظام المملكة وطبقا لذلك أشارت مصادر حكومية إن الجماعات التي سيتم إلغاؤها فعلياً من قبل مجلس الوزراء بسبب مخالفتها التعريف الجديد سيتم إعلانها في الأسابيع المقبلة.

كما سبقت الإشارة فإن نطاق التأثير للتعريف الجديد يشمل جميع المنظمات التي تتبنى أفكارًا متشددة ومن أبرزها الرابطة الإسلامية في بريطانيا وهي الفرع البريطاني الجماعة الإخوان المسلمين والتي سوف تتأثر بشكل كبير بفعل التعريف الجديد للتطرف والمنظمة الإسلامية للتربية والتنمية ومنظمة العمل والإصلاح الفلسطيني المشاركة والتنمية الإسلامية، وجمعية أصدقاء الأقصى وعلى ذلك تستعد المنظمات الإسلامية.

بما في ذلك المجلس الإسلامي في بريطانيا، لمقاضاة الحكومة في مراجعة قضائية بشأن تعريفها الجديد، وحسب الأمين العام للمجلس الإسلامي في بريطانيا” زارا محمد” فإن “منظمتها” ستلجأ للمسار القانوني حتى لو لم يتم انتقادها بشكل مباشر في البرلمان.

كذلك عمد مجلس مسلمي أوروبا وهو الذراع الإخواني الذي أسسه يوسف القرضاوي إلى بدء مواجهة مضادة من خلال توظيف برامج لمواجهة الإسلاموفوبيا وتوظيف الحرب في غزة من أجل توفير مصادر تمويل بديلة للتنظيم من خلال التركيز على فكرة المظلومية المعتادة لدى التنظيم. يضفي التعريف البريطاني الجديد للتطرف حالة من الشلل على تحركات التنظيم خاصة أنه يعاني من التضييق في مناطق متعددة على مستوى العالم داخل وخارج أوروبا وهو ما يشير إلى أن مستقبل التنظيم يبدو ضبابيا وإن كانت هناك مبالغة في اعتبار أن هذه الخطوة البريطانية تمثل تمهيدًا لتصنيف جماعة الإخوان ككل كجماعة إرهابية لأن هذا يتطلب أن تمثل الجماعة كتلة متجانسة وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.

كذلك فإنه في ظل وقف الدعم الحكومي في بريطانيا للجماعات التي تروج لأفكار متطرفة وفي مقدمتها تنظيم الإخوان ستغيب الحاضنة الشعبية للتنظيم في بريطانيا اقتناعا أو خوفًا من الملاحقة الحكومية مسفرة في النهاية عن خروج بريطانيا من قائمة الدول الداعمة للتنظيم الذي سيتحول للبحث عن ملاذ في دول أخرى من ضمنها ماليزيا أندونيسيا، باكستان وربما إيران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى