أراء ومقالاتفن وثقافة

محمد شكر يكتب لـ«الموقع» : محمد سامي في قفص الاتهام

إصابة محمد سامي لأسبوع واحد بالشيزوفرينيا كان كفيلاً بتغيير مصير «نسل الأغراب»

في قفص الاتهام

المدعى عليه: 

المخرج محمد سامي

محل وأسباب الدعوى:

جرد المجتمع الصعيدي من تقاليده الراسخة وأضفى صبغة مافياوية على تكوينه وثوابته الأخلاقية

ألقى المنطق بين أنياب سبع «غفران» في ترسيخ لقانون الغاب

لجأ للأكشن لجذب الصغار للمتابعة في قتال على امرأة يستتفهه الجمهور وفي مقدمتهم أهل الصعيد

متهم بشبهة تضارب المصالح بعد اختيار زوجته لدور لا يناسب سنها أو موهبتها.. وفرض شقيقته على العمل

عريضة الدعوى:

رغم الاحتفاء الجماهيري والإعلامي الكبير الذي حظي به مسلسل “نسل الأغراب” للمخرج محمد سامي بمجرد الإعلان عن الشروع في العمل به، إلا أن رهان الكثير من جماهير الدراما المصرية، تحول إلى رهان خاسر، على عمل توافرت له كل مقومات النجاح، بداية من جمعه لنجمين كبيرين بحجم أحمد السقا، وأمير كرارة، وانتهاءً بالبزخ الواضح في الإنتاج، الذي أهدره مخرج لا يمكن التقليل من إمكانياته، مع ما أثبتته تجاربه السابقة، بأنه قادر على انتزاع النجاح من براثن الفشل، والقتال لتقديم أعمال تجارية يلتف حولها الجمهور، معوضاً أي قصور في عناصرها الفنية، بآداء حيوي، وفكر تجاري، لمخرج يعرف من أين تؤكل الكتف.

وفي “نسل الأغراب”، جمع محمد سامي ما بين مهمة الكتابة والإخراج في عمل واحد، وهو أمر ليس بجديد بالنسبة له، ولكن المختلف هذه المرة، هو تصديه لعمل كبير اختار أن تدور أحداثه في البيئة الصعيدية، التى تتميز بخصوصية كبيرة، لا تقتصر على اللهجة رغم تباينها من محافظة إلى آخرى، بل أن هذا التباين يمكن رصده في محافظة واحدة ما بين مراكزها المختلفة، ولكن أزمة العمل الكبرى لا تقتصر على أخطاء اللهجة التى قد لا يدركها أبناء المحافظات الشمالية، بل امتدت إلى تجريد المجتمع الصعيدي من تقاليده الراسخة، وإضفاء صبغة مافياوية على تكوينه، والنخر في ثوابته الأخلاقية، مع التأكيد على غياب القانون الذي يقف عاجزاً، أمام الأبطال الذين أراد سامي في نصه أن يضفى عليهم كل ما أوتي من شرور، ملقياً بكل ما هو منطقي بين أنياب السبع الذي يقتنيه “غفران” أمير كرارة، ككلبه الأليف، إلى جانب ما تيسر من شخصيات ثانوية، في ترسيخ لسيادة قانون الغاب.

والغريب ان ذلك يأتي في عصر جنحت فيه الدولة المصرية نحو استقرار لا يراه “سامي” جديراً بالتأكيد عليه في عمله، ضارباً بسيادة القانون عرض الحائط، بل ويرسخ لصورة ضعف السلطات الأمنية، مع تركيعها في ختام الأحداث، لكسر هيبة الدولة، فقط ليراهن على الأكشن لجذب الصغار للمتابعة، في قتال يستتفهه أهل الصعيد، مع ما تسبب فيه من إسالة الدماء، في سبيل “جليلة”، زوجة المخرج، الممثلة مي عمر، التى كشفت الأحداث أنها محورها الأساسي، لتبرز شبهة تضارب المصالح مع عدم مراعاة المخرج لأبسط قواعد “الكاستنينج”، التى تتمثل في السن الذي لا يسمح لمي عمر بأن تكون أماً لاحمد داش وأحمد مالك، واللذان لم يسلما من السخرية فأصبحا “ذئاب الجونة” بدلاً من “ذئاب الجبل” في أعين رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

كما أن مي عمر لم تظهر للحظة بدون كامل زينتها، ولم يتدخل ماكير عابر بفرشاه لرسم خط واحد على بشرتها النضرة، ليقربها من عمر شخصية استحقتها نجلاء بدر بفرق عوامل السن والموهبة، وإذا ما كان المخرج يجيد إقحام زوجته التى تطورت بالفعل كممثلة في العمل، ولم تعد تحتاج وصايته عليها بالإشراف على الإخراج أو الترشيح لدور يضر بنجاحها في مسلسلها الأخير “لؤلؤ”، كان الأولى به أن يمنحها الدور الذي لعبته نجلاء بدر، والتى اجتهدت في شخصية لم يكن لها أن تقبلها.

أهدر الملايين في عمل “مسلوق” بلغة السوق لتقديم مسلسل عائلي كان الأولى به أن يعرضه في بهو منزله

أزمات محمد سامي في الكتابة تمثلت في استهانته بما يمثله البحث والتوثيق وتكوين الرؤية حول ما يقدمه أي كاتب سيناريو في معالجته قبل أن يكتب أياً من مشاهد العمل، بدليل أنه كتب العمل وانتهى من تفاصيله وترشيحات أبطاله ومعايناته لاماكن التصوير في وقت قياسي لا يكفي لكتابة عمل جيد، وهذا ما جره لعدم التعامل مع النص كمخرج، يجب أن يناقش كاتب السيناريو، ويجري عليه تعديلات تخدم رؤيته البصرية للعمل، فهو اقتنع بما كتب وفرضه على المخرج بداخله، ليتحول العمل الأهم قبل رمضان، للمهزلة الأكبر خلال الشهر الكريم، والشيء الوحيد الذي كان من الممكن أن ينجيه من هذا المصير، لو أصيب محمد سامي لأسبوع واحد بمرض الشيزوفرينيا، ليفصل بين ذاته ككاتب وحضوره كمخرج، وما كان ليوظف الجميع، بداية من نجمي العمل السقا وكرارة، لتمجيد شخصية “جليلة”، مي عمر، أو الدفع بشقيقته لتجاور السقا وترتبط بأحد أبناء زوجته، ليحول العمل إلى مسلسل عائلي، كان الأولى به أن يعرضه في بهو منزله، بدلاً من فرضهن على الملايين كلما سنحت له الفرصة، وإهدار الملايين في عمل يوصف بلغة السوق أنه “مسلوق”.

أضاع تفاصيل شخصية “السقا”.. وعذوبة “كرارة”.. وأخرج مي عمر من التقييم بلا نتيجة

أحمد السقا
أحمد السق

ورغم ما يحمله “نسل الأغراب”، من غياب لدور المخرج، من العمل على النص، أو تسكين الأدوار، وإدارة الممثلين، الذي جنح آداء الكثير منهم إلى المبالغة بداية من بطلي العمل أحمد السقا وأمير كرارة، ولكن التفاصيل التى اختارها السقا مع عمله على كاراكتر الشخصية كانت الأفضل، وهو ما أضاعه ضعف السيناريو وغياب عين المخرج، والأفضل في أمير كرارة كان عذوبته أمام جليلة، لا صراخه أمام الجميع، وبالنسبة لآداء مي عمر، فهي خارج التقييم، لا لقوة أو ضعف قدراتها، ولكن لأنها لا تناسب الدور، وبالتالي لم أعد أراها.ا

نطالب بتنحية فردوس عبد الحميد ودياب عن الدعوى المقامة ضد عمل تسابق فيه الجميع نحو “الأفورة”

ومع كامل الاحترام لكل الفنانين الذين بذلوا جهداً في العمل حتى وإن افتقدت كثير من عناصره الفنية للجودة، وبلساني وبلسان الكثير من المتابعين، ننحي الفنانة الكبيرة فردوس عبد الحميد عن الدعوى، لأنها أكدت على قدراتها التمثيلية كفنانة مخضرمة، ورغم إطلالاتها القليلة في كل حلقة، إلا أن ظهورها كان بمثابة درس تمثيل لكثير من التلاميذ الذين يريدون التعلم في “نسل الأغراب”، مع تحكمها في انفعالاتها وصدقها الذي تعبر عنه بصوتها ونبراتها المتباينة، وبتجاعيد حفرتها موهبتها قبل أن تمتد إليها يد ماكير، كما ننحي “دياب” عن الدعوى، لا باعتباره رجل الأمن في العمل، ولكن لأنه أحد أبرز النجوم الذين لم يجنحوا للافتعال في عمل تسابق فيه الجميع نحو “الأفورة”، وقدم دياب العديد من المشاهد التى تؤكد على قدراته التمثيلية، وتفهمه للصراع الذي تعيشه الشخصية بشقيها العائلي والشرطي، وإذا كان لمحمد سامي دخل في الصورة التى ظهر بها دياب في العمل، فهو أمر يستحق عليه الشكر، لأنه منحه فرصة استطاع من خلالها التأكيد على موهبة تستحق العناية والدعم في المرحلة المقبلة.

محمد شكر

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى