الموقعمنوعات

بالريشة والطين.. «محمد جمعة» يجسد قطع فنية مبهرة ليكون أول فنان تشكيلي في مصر من ذوي الهمم

كتبت – منار إبراهيم

قاسية هي الأقدار حين تقلب حياتنا، فهكذا كان قدر «محمد» حين فقد بصره نتيجة لخطأ طبي يحول حياة هذا الصغير إلى عتمة فاقدًا لذة الحياة حوله من رؤية الألوان والأحباب، فيتحول فجأة من مقعد الصف الأول بالمدارس العادية إلى مدرسة المكفوفين خطوة صعبة يليها العديد من العقبات التي قرر أن يحولها جميعًا إلى محطات نجاح فالتحق بكلية الألسن قسم اللغة الإيطالية لتكون هذه تذكرة سفره إلى بلد الفن ليمارس هوايته كفنان تشكيلي يجسد الواقع بالرسم والنحت…

إنه محمد جمعه عباس، يبلغ من العمر 23 عام، إبن محافظة الدقهلية، يروي قصته لـ «الموقع» قائلا: كنت أعيش حياة عادية ببصر ضعيف نتيجة لعيب خلقي ولدت به وهو ضمور بالعصب البصري وعدم وجود قزحة العين، وانتظرت ليكون عمري 13 عام حتى استطيع أن أجري عملية جراحية لتحسين النظر، ولكن كانت المفاجأة التي غيرت حياتي كلها حين فقدت بصري نتيجة خطأ طبي.

وبصوت يملئه الحزن يضيف “محمد”: كنت أنتظر فرحًا لحظات رفع الشاش على عيني لأرى كل شيء بصورة أوضح ولكن فوجئت بفقدان بصري وظلام يحيطني من كل اتجاه، لم يكن هذا التحول الوحيد ولكن كانت الصدمة التي تغيرت على إثرها حياتي كلها، يليها الصدمة الأخرى حين تحولت من مدرسة عادية إلى مدارس المكفوفين، ولكنى قررت أن أجعل هذه الصدمات هي الضربة التي تقوي ولا تكسر.

وتابع: وجدت صعاب ومشقات كثيرة ولكن صممت أن لا استسلم لها، أولها نظرة المجتمع للشخص الكفيف وأنه يأكل ويشرب ويلتزم بيته، ثانيًا دراستي أحب المذاكرة ومن المتفوقين، ففي الإبتدائية كنت الأول على المدرسة، ولكن الإعدادية كانت المرحلة الأصعب في حياتي حيث تحولت لمدرسة “المكفوفين” وكان عليّ أن أعيد هذا العام حسب طلبات المدرسة لدراسة طريقة “برايل” أولا، ولكني قررت أن لا أستسلم واجتهدت في هذا العام وحصلت على المركز الثالث على مستوى المدرسة رغم تغير طريقة الدراسة في كل شيء.

ويكمل ثم التحقت بالثانوية العامة وحصلت على المركز الثالث على مستوى محافظة الدقهلية، وكان حلمي أن ألتحق بكلية الفنون الجميلة لأمارس هوايتي “الرسم والنحت”، ولكني عيشت خيبة أمل أخرى حين رفض موظف الجامعة أن أدخل امتحان القدرات، وحينما سألته لماذا؟ قال لأنك “كفيف”، ألقى هذه الكلمات في وجهي كمن ضربني بحجر على رأسي، فرديت عليه: لماذا تقيمني على أساس إعاقتي؟، اسمح لي أن أدخل الامتحان وإذا رسبت سيكون حقك ولكنه صمم على رفض.

نرشح لك : السيناريست نادر صلاح الدين لـ الموقع : كتابة المسلسلات باللغة العربية تدمير لهويتنا المصرية

ويضيف: فقابلت صدفة فنان تشكيلي آمن بموهبتي وطلب مني أن أقدم في منحة التفرغ للفن التشكيلي بوزارة الثقافة، من خلال هذه المنحة كنت أول فنان تشكيلي من ذوي الإحتياجات الخاصة في مصر، مضيفا من هنا قررت أن التحق بكلية الألسن وتخصصت في قسم اللغة الإيطالية والألمانية، لأمارس هواية أخرى أحبها وهي تعلم اللغات الأجنبية واخترت هذه اللغات لتحقيق حلم السفر للعمل بإيطاليا بلد الفن، حصلت في أول عامين بالكلية على تقديرات جيد ثم جيد جدًا، وفي السنة الثالثة واجهتني عقبة كادت تعرض مستقبلي الدراسي للخطر بدأت من منعنا من السكن الجامعي نتيجة إصلاحات قائمة به ومن المفترض أن نحصل على درجات أعمال السنة خاصة لأنني مغترب كفيف ولا استطيع الحضور للجامعة عبر المواصلات يوميًا.

واستطرد هذا إلى جانب أن المنصة التعليمية غير مطابقة للمكفوفين، وحين توجهت بشكوى لرئيسة القسم تجاهلت مشكلتي فرفعتها لعميدة الجامعة التي طالبت بكتابة المادة العلمية للمكفوفين بطريقة مطابقة للمنصة، ولكن من هنا اضطهدتني رئيسة القسم لأنها تظن بذلك أنني تحدتها فحرمتني من درجات أعمال السنة وجعلتني أحمل 3 مواد في الترم الأول ومادة في الثاني، وحين رفعت طلب التماس وتم تصحيح أوراقي مرة أخرى وعلمت من مصدر مسئول أنني نجحت ولكن فوجئت برسوبي عند ظهور النتيجة رسميا.

أما عن هوايته فيروي “الفنان التشكيلي”، استخدم الريشة والرسم بالأبيض والأسود للتعبير عن الواقع، وأجسد منحوتات باستخدام الطين الأسواني فصممت: العجلة الحربية كرمز من الحضارة الفرعونية، قطة تلعب بالكرة، منحوت لأسرة متجمعة يعبر عن الدفء الأسري، راجل عجوز يستند على عصاه وكأنها سنده الوحيد في الحياة، بائع عرقسوس وهو منحوت يسلط الضوء على المهمشين.

ويكمل حازت أعمالي على العديد من الجوائز في مجال الفن التشكيلي منها: حصلت على المركز الثاني لمهرجان أمنية للإبداع، شهادة تقدير من المركز العربي لذوي الاجتياجات الخاصة بمشاركة فنانين من تونس ومصر، شهادة تقدير من وزارة الثقافة لمشاركتي في معرض فني لذوي الاحتياجات الخاصة.

وأنهى حديثه قائلا: أطالب الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي ووزيرة التضامن الاجتماعي بالتدخل لحل مشكلتي مع الجامعة ورفع الظلم والاضطهاد عن المكفوفين خاصة ونحن نعيش في عصر الرئيس “السيسي” الداعم الأكبر لذوي الهمم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى