الموقعتحقيقات وتقارير

السياحة العلاجية.. مليارات الدولارات تحتاج لإعادة تدوير

– نقيب السياحيين: مصر تمتلك الآليات والأدوات التي تمكنها من النجاح

– مطالبات بتطوير البنية التحتية وتخفيض أسعار الخدمات

تقرير: محمود السوهاجي

تعاني مصر حالياً من ضغوط اقتصادية متزايدة وتراجع في إيرادات قناة السويس، مما يجعل السياحة العلاجية خياراً واعداً لتنويع مصادر الدخل وزيادة تدفق العملات الأجنبية إلى البلاد.

تعد السياحة العلاجية سوقاً كبيراً على مستوى العالم، حيث يبلغ حجمها نحو 100 مليار دولار سنوياً، ومع ذلك، فإن مساهمة مصر في هذا القطاع لا تزال محدودة للغاية.

توفير فرص العمل

تنمية السياحة العلاجية لن تكون مجرد وسيلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر، بل ستكون أيضاً فرصة لتعزيز صورة مصر على الصعيدين المحلي والدولي كوجهة حضارية رائدة في مجال الرعاية الصحية، ويساهم تطوير السياحة العلاجية في توفير فرص عمل جديدة للشباب المصري، وزيادة الاستثمارات في قطاع الصحة، وتحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة، كما من المهم أن تكون هناك استراتيجية واضحة لترويج وتسويق السياحة العلاجية في مصر على المستوى الدولي، بالإضافة إلى تطوير التشريعات والسياسات التي تدعم هذا القطاع وتحافظ على جودة الخدمات المقدمة، ويمكن أن تكون السياحة العلاجية خطوة إيجابية نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر وتعزيز دورها كوجهة سياحية وطبية متميزة على المستوى العالمي.

وتتمتع مصر بمقومات هائلة لتصبح وجهة رائدة في السياحة العلاجية، حيث حباها الله ينابيع مياه معدنية غنية بالكبريت والكالسيوم، ورمال سوداء ذات خواص علاجية، ومناخ معتدل على مدار السنة، كما تشتهر مصر كوجهة للعلاج الطبيعي منذ العصور القديمة، وتوجد العديد من المستشفيات والعيادات الطبية الحديثة والمجهزة بأحدث التقنيات، وأطباء ذوو خبرة وكفاءة في مختلف التخصصات الطبية.

ما الذي يعيق نمو السياحة العلاجية في مصر؟

لتطوير هذا القطاع وزيادة جاذبيته للسياح، يجب اتخاذ خطوات جادة تشمل وضع استراتيجية وطنية شاملة تشمل خططاً للترويج والتسويق، وتطوير البنية التحتية، وتذليل العقبات البيروقراطية. كما ينبغي تخصيص ميزانية كافية لدعم هذا القطاع وتشجيع الاستثمارات فيه، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات بشكل متكامل.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تدريب الكوادر الطبية على أحدث العلاجات والتقنيات الطبية المتعلقة بالسياحة العلاجية، وتنظيم المؤتمرات والمعارض للترويج لمصر كوجهة للسياحة العلاجية وجذب الاستثمارات.

بالفعل، إذا تم اتخاذ هذه الخطوات وتنفيذها بشكل فعال، فإن مصر ستكون قادرة على استغلال إمكاناتها في مجال السياحة العلاجية وزيادة جذبها للسياح من مختلف أنحاء العالم.

تُعدّ السياحة العلاجية من أهم روافد السياحة في العالم، وتُقدم مصر وجهة مثاليةً لمحبي هذا النوع من السياحة، وذلك لما تتمتع به من مقومات طبيعية فريدة، وتجهيزات طبية متطورة، وكوادر بشرية مؤهلة.

أنواع السياحة العلاجية في مصر:

تنقسم السياحة العلاجية في مصر إلى نوعين رئيسيين، أولها السياحة العلاجية الطبية، والتي تعتمد على تلقي العلاج الطبي في المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، والتي تتميز بتجهيزاتها الحديثة وكفاءة أطقمها الطبية، وتشمل هذه السياحة مختلف أنواع العلاجات، مثل جراحات القلب، والعلاجات السرطانية، وزراعة الأعضاء، وجراحة العظام، وتجميل الأسنان، وغيرها الكثير.

ثاني أنواع السياحة هي السياحة الاستشفائية، وهى تعتمد على الاستفادة من العناصر الطبيعية الموجودة في مصر، مثل ينابيع المياه المعدنية والكبريتية، والرمال الساخنة، ونقاء الهواء، وأشعة الشمس، لعلاج بعض الأمراض مثل الصدفية، والروماتيزم، وأمراض الجهاز التنفسي، وغيرها.

مصر وجهة عالمية للسياحة العلاجية

مصر وجهة مثالية للسياحة العلاجية، حيث تتميز بالعديد من المميزات التي تجعلها محطة مفضلة للمرضى الذين يبحثون عن العلاج والاستجمام. تكلفة العلاج في مصر تعتبر منخفضة نسبيًا مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمرضى من مختلف أنحاء العالم.

تتمتع المستشفيات والمراكز الطبية في مصر بسمعة طيبة من حيث جودة الخدمات الطبية المقدمة، وكفاءة الكوادر الطبية. وتوفر مصر تنوعًا كبيرًا في خيارات العلاج، بما يتناسب مع مختلف احتياجات المرضى.

وتتمتع مصر بثقافة غنية وتاريخ عريق، مما يوفر للمرضى تجربة سياحية مميزة. كما أن مصر تتميز بموقعها الجغرافي المميز، مما يسهل الوصول إليها من مختلف أنحاء العالم.

تُعدّ الرمال والطمي من العناصر الطبيعية الموجودة بكثرة في مصر، والتي تمتلك خصائص علاجية مميزة، خاصةً لأمراض الجلد مثل الصدفية، والروماتيزم، وآلام العظام. وتشير الدراسات إلى أن دفن الجسم في الرمال الساخنة يُساعد على تحسين الدورة الدموية، وتخفيف الالتهاب، وتعزيز مناعة الجسم.

وتُستخدم مياه الينابيع المعدنية والكُبريتية في العديد من العلاجات، مثل علاج أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الجلد، والأمراض المزمنة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر سبا التقشير بالطمي من أشهر أنواع العلاجات التي يقدمها مصر، حيث يُستخدم الطمي لتنظيف وتجديد البشرة.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد في مصر عدد كبير من المواقع السياحية التاريخية والثقافية التي يمكن للمرضى زيارتها أثناء فترة علاجهم، مثل هرمات الجيزة وأبو سمبل ووادي الملوك والأقصر. كل هذه المعالم تضيف قيمة ثقافية وسياحية إلى تجربة المرضى خلال إقامتهم في مصر.

بهذه المزايا، لا شك أن مصر تُعتبر وجهة مثالية للسياحة العلاجية، حيث يمكن للمرضى الاستفادة من خدمات طبية عالية الجودة بتكلفة مناسبة، إلى جانب فرصة استكشاف التاريخ والثقافة في هذا البلد العريق.

شفاء من الصدفية والروماتيزم

أثبتت الدراسات فعالية الرمال الساخنة في علاج العديد من الأمراض، خاصةً أمراض الجلد مثل الصدفية، والتهاب المفاصل (الروماتيزم). وتشير التقديرات إلى أن 90% من مرضى الصدفية الذين خضعوا للعلاج بالأشعة فوق البنفسجية في المناطق ذات الرمال قد شُفوا من المرض.

وتُعدّ واحة سيوة من أشهر الوجهات للسياحة العلاجية بالرمال، حيث يبدأ موسم العلاج من شهر يونيو ويستمر حتى نهاية سبتمبر. ويتضمن العلاج دفن المريض في الرمال لمدة 15 إلى 20 دقيقة، ثم لفّه ببطانية، وإدخاله خيمة، ودهان جسمه بزيت الزيتون، وتناول مشروب ساخن. وتختلف مدة العلاج من مريض لآخر.

ينابيع الشفاء منذ فجر التاريخ

تُعرف مدينة حلوان، التي كانت في الماضي منتجعًا هامًا للأثرياء، بوجود عيون المياه الكبريتية التي يعود تاريخ اكتشافها إلى عام 1899. وتحتوي هذه المياه على عناصر غنية أثبتت فعاليتها في علاج العديد من الأمراض الجلدية، مثل الأكزيما، والصدفية، والتهاب الجلد الدهني.

تتمتع محافظة الوادي الجديد بالعديد من الآبار التي تحتوي على عناصر معدنية متنوعة، تُستخدم في علاج العديد من الأمراض، مثل أمراض الجهاز التنفسي، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض الروماتيزم.

لا تقتصر السياحة العلاجية في مصر على العناصر الطبيعية فقط، بل تُقدم مصر أيضًا خدمات طبية متطورة في مختلف التخصصات، وذلك بفضل وجود العديد من المستشفيات والمراكز الطبية المجهزة بأحدث التقنيات، وطاقم طبي مؤهل على أعلى مستوى.

سوق ضخم يقدر بالمليارات

وتقدر جمعية السياحة العلاجية، وهي جمعية عالمية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، حجم سوق السياحة العلاجية عالميًا بأكثر من 100 مليار دولار، مع نمو سنوي يبلغ 15 إلى 25%.

وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط وجهة فريدة للسياحة العلاجية، حيث تنفق أكثر من 10 مليارات دولار على السفر إلى الخارج للعلاج. وتشير التوقعات إلى أن المنطقة يمكن أن تصبح سوقًا للسياحة الطبية الوافدة بقيمة 20 مليار دولار في المستقبل، وذلك بفضل الاستثمار في تعزيز جودة الرعاية الصحية.

اهتمام الدولة بالسياحة العلاجية

أكد السيد باسم حلقة، نقيب السياحيين، على أهمية تطوير السياحة العلاجية والصحية في مصر، وذلك من خلال استغلال الموارد الطبية والسياحية المتاحة بشكل أفضل. وقد أشار إلى أن مصر تمتلك الإمكانيات الكافية لجذب عدد كبير من السياح الباحثين عن العلاج والرعاية الصحية.

وفي هذا السياق، أكد حلقة على أن مصر تضم العديد من المستشفيات ذات المستوى العالي والتجهيزات الطبية المتطورة، بالإضافة إلى وجود كوادر طبية متخصصة ومؤهلة لتقديم الخدمات الطبية بأعلى معايير الجودة. كما أشار إلى وجود مناطق سياحية طبيعية في مصر توفر بيئة مثالية للعلاج والاستشفاء.

ومن جانبه، أكد حلقة على أن هذا القطاع يمكن أن يكون مصدرًا مهمًا للعائدات السياحية لمصر، حيث يمكن جذب مئات الآلاف من السياح سنويًا وتحقيق إيرادات تزيد عن 2 مليار دولار. وأشار إلى أن سمعة مصر في مجال الصحة والعلاج تجعلها وجهة مفضلة للسياح الذين يبحثون عن جودة عالية بتكلفة مناسبة.

واختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة دعم هذا القطاع وتوفير المزيد من التسهيلات والخدمات للسياح الراغبين في الحصول على العلاج في مصر، مؤكدًا أن هذا سيسهم في تعزيز دور مصر كوجهة سياحية طبية رائدة في المنطقة.

مصر تمتلك مقومات قوية للسياحة العلاجية

وفي سياق متصل، أكد مجدي سليم، الخبير السياحي ، على أن مصر تمتلك مقومات قوية للسياحة العلاجية، وذلك بوجود 1350 موقعًا يمكن استغلالها بشكل جيد في هذا المجال.

وأشار سليم إلى وجود بعض التحديات التي تواجه السياحة العلاجية في مصر، نذكر منها:«عدم توافر البنية الأساسية المطلوبة، مثل سهولة الوصول إلى المناطق العلاجية ووجود مطارات قريبة منها، خاصة أن معظم هذه المناطق تقع خارج القاهرة، نقص استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث أن السائح العلاجى يحتاج إلى الاتصال بأهله وذويه في البلدان الأخرى خلال مدة إقامته التي قد تصل إلى 15 يومًا، وعدم توافر المصحات العلاجية طبقا للقواعد والمعايير الدولية، وكذلك ارتفاع أسعار خدمات السياحة العلاجية مما يدفع بعض السياح إلى التوجه إلى دول عربية أخرى مثل الأردن وتونس.

مصر تمتلك إمكانيات هائلة

تحدثت الدكتورة حنان حسني يشار، عضو مجلس النواب، عن إمكانيات مصر في مجال السياحة العلاجية، حيث أكدت أن مصر تمتلك إمكانيات هائلة في هذا المجال. وأشارت إلى وجود 1356 عينا موزعة في معظم أنحاء البلاد، بالإضافة إلى العديد من المواقع الأخرى ذات الخصائص العلاجية الفريدة مثل حلوان، وادى مريوط، وادى النطرون، واحة منيا بالصحراء الغربية، واحة آمون، والعين السخنة.

وأشار تقرير صادر عن جمعية السياحة العلاجية إلى أن حجم إنفاق السياح العرب وخاصة دول الخليج على السياحة العلاجية بلغ نحو 27 مليار دولار عام 2015 من إجمالي 100 مليار دولار على مستوى العالم.

وبالرغم من ذلك، إلا أن إيرادات مصر من السياحة العلاجية لم تتجاوز 5.5 مليون دولار سنويا، مما يُشير إلى أن مصر لم تحصل على نصيبها العادل من هذا السوق الضخم والمتنامي.

وأكدت الدكتورة حسني يشار على أهمية وجود منظومة متكاملة للسياحة العلاجية تشمل العلاج أو العملية الجراحية والإقامة والتنقلات وغيرها، حيث يُعدّ ذلك من أهم الأسباب التي تحول دون استغلال مصر لإمكانياتها في هذا المجال.
وفي ضوء هذه المعلومات، يبدو أن مصر بحاجة إلى استراتيجية شاملة لتطوير قطاع السياحة العلاجية، تستهدف جذب المزيد من السياح وزيادة إيراداتها من هذا القطاع المهم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى