أراء ومقالاتالموقع

إيريني سعيد تكتب لـ«الموقع»: أمريكا-إيران .. إرهاصات تقارب محتمل

لم يكن بمستبعد أن تنشأ بوادر إرهاصات تقاربية بين واشنطن وطهران، سيما فى ظل حالة الحراك الدولى المعاصر، والتفاهمات الجارية بين عدة من الدول، طالما دبت الخلافات فيما بينها، ولعل المفارقات الأخيرة والتى جرت بين الجانبين، عُدت كفيلة بإبراز حالة تذكر من التفاهمات، وفى مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار مجمدة لصالح طهران، من المقرر أن تفرج إيران عن سجناء أمريكيين تم وضعهم قيد الإقامة الجبرية لحين مغادرتهم البلاد، بيد أن الخلاف الجوهرى حول الإتفاق النووى لا يزال مستعرا، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكى بلينكن، فى تصريحات مفادها استبعاد تخفيف العقوبات الأمريكية على طهران.

عقوبات متواصلة

بطبيعة الأمور تستهدف إيران أول ما تستهدفه، جراء التقارب مع الولايات المتحدة، رفع العقوبات، وإن لا زالت طهران صامدة فى وجه سياسات واشنطن ، على خلفية الخضرمة الإيرانية و تمرسها إزاء التعامل مع الجزاءات الأمريكية المتلاحقة.

فمنذ الثورة الإيرانية 1979 و عقب عملية الانقلاب على شاه إيران _ و ربما من قبلها _ و تعاصر إيران حزم متتالية من العقوبات الاقتصادية الأمريكية ، امتدت تبعاتها لتؤثر بل و تحكم السلوك الإيرانى داخليا و خارجيا ، و هو أيضا ما جعلها فى حالة دائمة من الحراك السياسي و الاقتصادى ، كنتيجة بديهية لهذه العقوبات و التى امتدت لتشمل أهم المجالات و القطاعات الحيوية و الاقتصادية و الكفيلة بتحجيم أى دولة أيا إن كان حجم اقتصادها و علاقاتها الخارجية.

و بتعاقب الأنظمة السياسية و نظم الحكم المختلفة على كلا البلدين سواء الولايات المتحدة أو إيران ، لم تختلف أطر الأزمة بين البلدين بقدر ما ازدادت و تفاقمت تداعياتها ، و بالرغم من تعدد أسباب هذه العقوبات إلا أن انتهاج إيران سياسات مختلفة تجاه تعاملها مع الملف النووى يعد السبب الأبرز و الأكثر منطقية فى فرض و توقيع هذه العقوبات عليها ، بل بالأكثر هو السبب و الذى طالما تذرعت به الولايات المتحدة فى سلوكها المعادى تجاه إيران .

تعقدت الأزمة بين الطرفين فى ظل تعنت كلاهما ، بشكل يوحى بصعوبة إيجاد الحلول ، و هو ما بدا واضحا إثر انسحاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الإتفاق النووى 2015 و الذى أبرم بين إيران و الدول الست أصحاب العضوية الدائمة بمجلس الأمن (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) ، و بموجبه يتم التسوية الشاملة و الطابع السلمى للبرنامج النووى الإيرانى ، و ذلك خلال فترة باراك أوباما ، ليأتى ترامب ضاربا بالإتفاق عرض الحائط ، و مضاعفا للعقوبات الأمريكية ، و منه تمتد تبعات الأزمة متصدرة المشهد على الساحة الإقليمية و العالمية ، لا سيما عقب ضلوع بقية الأطراف الدولية و سعيها من أجل التوصل لحل يرضى جميع الأطراف ، و التى تربطها علاقات و ثيقة مع الجانبين.
خلفيات التقارب

منذ نهايات العام الماضى، وتسعى سلطنة عمان ومعها قطر من أجل وساطة حقيقية ما بين واشنطن وطهران، وربما صُيغت عمليات المفاوضات والمبادلات بين الجانبين على خلفية هذه الوساطة، وهو ما استدعى التحركات الجادة من قبل الدبلوماسيين فى البلدين، ولعل حساسية الملف النووى وجوهريته بالنسبة للعلاقات بين الطرفين، لم تمكن الرئيس الأمريكى بايدن من المقامرة بولايته أو حتى فتح النيران من كافة الجوانب خصوصا الكونجرس والذى يرفض الإتفاق النووى، لكن ما المانع من المجازفة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، فربما تأتى بنتائج من شأنها دعم الرئيس الديمقراطى والذى يرغب فى الترشح مرة أخرى.

غير أن تحجيم إيران والسيطرة على أنشطتها الإقليمية تأتى فى مقدمة دوافع هذا التفاهم، سيما عقب محاولات إعادة تمركزها وتموضعها بالمنطقة، كبديل عن الأذرع الإيرانية، وانتهاج إدارة الصراعات الطائفية بالمنطقة، ولا أدل من العودة الصريحة مابين طهران والرياض، والزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيرانى للسعودية، وفيها تم التطرق إلى إمكانية تشكيل ما يعرف بالمجمع الإقليمى لدول الخليج، وهو ما لاقى القبول من قبل الرياض، أيضا انتواء إعادة تفعيل كافة الإتفاقيات المبرمة، والتعاون على كافة المستويات.

الداخل الإيراني

وعلى خلفية تدهور الوضع الداخلي الإيرانى، كنتيجة حتمية للعقوبات المتواترة، ومن ثم تراجع المؤشرات الاقتصادية لطهران، وبحسب دراسة سابقة نشرها المعهد الدولي للدراسات الإيرانيَّة 2019، مؤشّرات الوضع الاقتصادي لإيران تفصيلًا منذ تطبيق الاتِّفاق النووي في 2016، حتى تطبيق المرحلة الأولى من العقوبات في 2018، فجاءت معظم التوقعات آنذاك فى اتجاه التراجع الحاد لمعظم المضامين الاقتصادية الإيرانية، وهو ما لا يزال يعانيه الداخل الإيراني، وعلى سبيل المثال:

1. فجاءت التوقعات أن يسجِّل النموّ بنهاية الربع الرابع من العام الحالي ما نسبته -4.6%، أي الدخول في ركود اقتصادي مستمرّ ، تأثُّرًا بتراجع القيم المضافة للقطاعات الاقتصادية المكونة للناتج المحلي الإجمالي خلال 2018، مثل قطاعات الخدمات (-14% تقريبًا) والصناعة (-0.7%)، إضافةً إلى تراجع محركات النمو الاقتصادي مثل الاستثمارات الكلية الثابتة (-1%) وتراجع الإنفاق الاستهلاكي الخاص(-1%) وصادرات السلع والخدمات (-13.5%)، في حين تراجعت واردات السلع والخدمات (-22%) بما فيها الواردات الإنتاجية.

2. انخفاض صافي الميزان الجاري إلى نحو 14 مليار دولار في 2019 .

3. ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة 24.5% خلال الربع الثالث من 2018 على أساس سنوي، وتوقع صندوق النقد وصول التضخُّم إلى 40% بنهاية العام.

4. سجلت نسبة البطالة 12.7% خلال 2018، وفق الإيكونوميست، ونسبة أقلَّ وفق البيانات الإيرانيَّة.
5. بلغ عجز الموازنة 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2017/2018، ويُتوقَّع ارتفاعه إلى 2.8% في 2018/2019، مع تناقص الإيرادات الحكومية وتراجع الحكومة عن تنفيذ خططٍ لرفع الدعم تجنُّبًا لإثارة الاحتجاجات الشعبية مجدَّدًا.

6. انخفضت قيمة العملة المحلية (التومان) في السوق الحرة من 5500 تومان للدولار الواحد في أبريل الماضي إلى نحو 14000 تومان للدولار في نوفمبر. وتُضطرّ الحكومة إلى بيع الدولار بسعر مدعم لمشتري بعض من المنتجات الحيوية كالغذاء والدواء، وهو ما يضغط على احتياطيها من العملة الأجنبية البالغ حاليًّا 108 مليارات دولار -يغطي 13 شهرًا من الواردات- مقارنة باحتياطيات مقدرة بأكثر من 133 مليار دولار عام 2016.

عُد الداخل الإيرانى الملتهب ضمن دوافع التقارب هذه بين الجانبين، وإن بلغت صادرات طهران من النفط مايتجاوز 1.70 مليون برميل يوميا، ومتوقع أيضا أن تتجاوز الإيرادات الإيرانية 27 مليار دولار خلال العام الجارى، بحسب تقديرات مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، أيضا جاء فى تقرير لوكالة أنباء “فارس” الإيرانية، أنه، قدرة طهران اعتماد سعر نفط أقلّ من 80 دولارًا للبرميل في عام 2023، على خلفية تقلبات أسعار النفط عالميا.

تصورات منتظرة

وبالرغم من بروز هذه الإرهاصات الأولية لتقارب محتمل، إلا أن ثمة سيناريوهين يسيطران على المشهد :

_ إما أن تتحول هذه المفاوضات، إلى نوع من التقارب المرحلى أو بمعنى أدق تقارب يبرز من فترة لأخرى، كلما اقتضت الضرورة أو دعت الحاجة، وفى ضوء الدوافع المذكورة أعلاه، خصوصا التطورات المتعلقة بضلوع إيران فى الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولات واشنطن تحجيمها.

_ أو أن يُجهض هذا التفاهم تماما، فى ضوء مناورات طهران ومحاولاتها إخفاء أنشطتها النووىة، ومع تضاعف مخزونها من اليورانيوم المخصب عشرات المرات، وتجاوز نسب تخصيبها لليورانيوم إلى أكثر من 60%_ نسبة اقتربت من ال80%_، وهو ما يخالف أبرز وأهم شروط الإتفاق النووى الإيرانى، أضف أيضا معارضة الكونجرس لأية إتفاقيات رسمية مع إيران، والأصعب الضغط الإسرائيلى.

اقرأ ايضا للكاتب:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى