الموقعخارجي

مركز بحثي أمريكي يخصص 3 أيام مع كبار القادة والمفكرين لبحث الدروس المستفادة من معركة العبور

حرب أكتوبر والمفاجأة الاستراتيجية: هل الولايات المتحدة أكثر استعدادًا اليوم؟

>>| رئيس حزب الإصلاح والتنمية: السادات لم يكن امامه سوى خيار الحرب بعد تجاهل كيسنجر لإشارات التفاوض لاستعادة سيناء

>>| ديفيد ماكوفسكي: حرب أكتوبر حطمت النظام الإقليمي

>>| أحد الأخطاء الكبرى لـ الولايات المتحدة وإسرائيل كانت “الفهم الخاطئ” لنوايا السادات

>>| العقيدة الإسرائيلية “الكونسيبتزيا” هي المسؤولة عن عدم إعلان التعبئة ضد مصر قبل الحرب

>>| إفرايم هاليفي: الأخطاء الاستخباراتية التي ارتكبتها إسرائيل ساهمت في الخسائر الكبيرة خلال الحرب

دكتور عبد المنعم سعيد: مصر كانت بحاجة لخداع إسرائيل في لحظة محورية لشن هجون ناجح وهنا جاء دور اشرف مروان

>>| مروان أخبر الإسرائيليين أن مصر ستشن هجومها السادسة مساء السادس من أكتوبر بينما حقق المصريين اكبر نجاحاتهم في أول 4 ساعات من الحرب

>>| الرئيس السابق للموساد: الإسرائيليون وجدوا أنفسهم في موقع استراتيجي فريد بعد 67 لكنهم تجاهلوا قدرات الجيش المصري المتنامية

>>| الرئيس السابق للموساد: جولدا مائير وافقت على طلبات المصريين حتى قبل موافقة القاهرة على المفاوضات المباشرة

>>| مسؤولين إسرائيليين التقوا مسؤولين مصريين في المغرب 1976 و1977

خاص- الموقع – واشنطن

على مدار 3 أيام متتالية، قام معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، بالعاصمة الامريكية واشنطن، بتنظيم حلقات نقاش مع كبار القادة والمفكرين من مصر والولايات المتحدة والمنطقة، بمناسبة مرور نصف قرن على حرب أكتوبر 1973، تابعها “الموقع” عن كثب، وبينما تناول الخبراء كيف اثرت الحرب على مسارات السياسة الإقليمية والدولية، تناولت الفعاليات محاولة الإجابة على السؤال الأكبر هل الولايات المتحدة والحكومات في المنطقة وخارجها افضل استعدادا لمواجهة مفاجأة كبرى أخرى في الشرق الأوسط مثل حرب أكتوبر 73.

وأوضح روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، في افتتاح فعاليات المؤتمر، أن حرب أكتوبر 1973 كانت حدثاً مزلزلاً في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، إذ كانت بمثابة آخر صراع عربي إسرائيلي كبير متعدد الدول، مضيفا أن الحرب شهدت الاستخدام الأكثر أهمية لمقاطعة النفط لأغراض سياسية، وبزوغ فجر صنع السلام الحديث، وظهور أمريكا كطرف ثالث لا غنى عنه في الشرق الأوسط.

وتابع ساتلوف، قائلا: “انه بعد نصف قرن من الحرب مازالت الدروس لم تنتهي بعد ولذلك جاء تنظيم هذا المؤتمر لمناقشة تأثير الحرب على المدى الطويل والدروس المستفادة للأمن القومي بعد مرور خمسين عامًا، ولمحاولة الإجابة على السؤال الأهم “هل الولايات المتحدة والحكومات اليوم أفضل استعدادا مما كانت عليه في عام 1973 لمواجهة أي مفاجئات استراتيجية أخرى”.

وأشار ساتلوف، إلى أن الولايات المتحدة شهدت العديد من المفاجآت الاستراتيجية بعد حرب أكتوبر 73، بعضها كان سارا للغاية مثل؛ سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين، وبعضها كان مروع مثل هجمات 11 سبتمبر، مشددا على أن التحدي الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة بعد نصف قرن من حرب أكتوبر هو هل نحن مستعدون بشكل أفضل للمفاجأت الاستراتيجية؟ هل يمكن أن نشهد مفاجأة استراتيجية أخرى في الشرق الأوسط عام 2023؟ بناءً على الدروس المستفادة من حرب أكتوبر؟!

خيار الحرب الحتمي

وفي البداية قال محمد أنور السادات، العضو السابق في البرلمان المصري ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، في كلمة عبر تطبيق زووم، إن الرئيس أنور السادات كان رجل عائلة مخلصًا ومزارعًا في جذوره، وعندما تولى الرئاسة عام 1970، كانت مصر تترنح من هزيمة 1967، وتحطمت شخصيتها الوطنية، مضيفا الريس الراحل السادات واجه ضغوطًا داخلية شديدة من ثورة الشباب لاستعادة الأراضي المصرية والقتال ضد إسرائيل، وبناء على ذلك، أعاد تنظيم الجيش وانتقل إلى فيلا صغيرة بالقرب من مقر المخابرات العسكرية ليكون في قلب صناعة القرار.

وتابع السادات، كان الرئيس الراحل يعلم أن الصراع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. ومن أجل السلام، أرسل رسائل دبلوماسية إلى الولايات المتحدة وأوروبا في أوائل عام 1973 لفحص الأجواء لإجراء المفاوضات، لكن بعد أن تجاهل هنري كيسنجر هذه الإشارات، شعر السادات أنه ليس لديه خيار سوى الأمر بعمل عسكري ضد إسرائيل، قائلا: “لقد كان يعرف قدراته، لكنه كان يعرف أيضًا حدوده – كان مدركًا لقوة إسرائيل وبدأ الحرب على افتراض أن القوات المصرية لا يمكنها التقدم سوى خمسة عشر كيلومترًا خارج قناة السويس”.

وأشار رئيس حزب الإصلاح والتنمية، إلى أن السادات كان رجلاً ناضل من أجل السلام، وأن المصريين يتذكرونه اليوم بعد نصف قرن من الحرب لقيادته الحكيمة في حرب 1973، ويعتبره الناس في مختلف أنحاء العالم رسولا للسلام، حيث كان – رحمة الله – صاحب رؤية وأفعاله في عام 1973 أعادت تشكيل الشرق الأوسط.

اما ديفيد ماكوفسكي، مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن، وعضو مجلس العلاقات الخارجية والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، فاشار إلى أن في الفترة التي سبقت عام 1973، أثرت الحسابات الخاطئة الحاسمة من جميع الأطراف على المسار نحو الحرب وتداعياتها.

وأوضح ماكوفسكي، قبل الصراع، قللت القيادة الأمريكية بشدة من أهمية السادات، قائلا: “لقد أخطأ كيسنجر إشارات مهمة من القاهرة، بما في ذلك طرد المستشارين السوفييت وتحذيرات مستشار الأمن القومي للسادات، محمد حافظ إسماعيل، من حرب وشيكة، خلال المحادثات السرية في فبراير 1973”.

عقيدة الجيش الإسرائيلي “”الكونسيبتزيا” منعت التعبئة:

وتابع ماكوفسكي، على الجانب الإسرائيلي، قللت جولدا مائير وقادة الدفاع من فرص الحرب بسبب konzeptzia أو “الكونسيبتزيا”، وهي العقيدة الاستخباراتية التي تنص على أن مصر لن تشارك في حرب من المرجح أن تخسرها، وتم تجاهل التحذيرات بشأن هجوم وشيك، مما أدى إلى تراجع الجيش الإسرائيلي عن التعبئة، مما ساهم في خسائر فادحة للجانب الإسرائيلي في بداية الحرب، مشيرا إلى أن الغضب الشعبي في الشارع الإسرائيلي بسبب الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية أدى في النهاية إلى الإطاحة بـ “مائير” من السلطة والتعجيل بانهيار الحكم الفعلي لحزب العمل، الذي لم ينكسر منذ عام 1948.

وشدد ماكوفسكي، على أن حرب أكتوبر التي استمرت 19 يوما، حطمت أيضًا النظام الإقليمي. وبعد ست سنوات فقط من وقف إطلاق النار، وقعت مصر وإسرائيل على معاهدة سلام تحت رعاية الولايات المتحدة، الأمر الذي بشر بنهاية الحروب بين الدول العربية وإسرائيل إلى الابد.

اما افرايم هليفي، الرئيس السابق “للموساد” والسفير الإسرائيلي السابق لدى الاتحاد الأوروبي، فقال، “بعد عام 1967، شعر الإسرائيليون بالنشوة ووجدوا أنفسهم في موقع استراتيجي فريد. ومع ذلك فقد تجاهلوا عنصرين رئيسيين في الفترة التي سبقت عام 1973: قدرات الجيش المصري المتنامية، والاضطرابات على الحدود المصرية الإسرائيلية ” وأشار الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، انه في الأسبوع الأول من الحرب، خسرت إسرائيل ما يقرب من 800 دبابة بسبب كمية كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات التي زودتها بها القوات السوفيتية المصرية. كما أنها أهملت الإشارات المتزايدة للحرب وسمحت للافتراضات العسكرية الخاطئة بأن تترسخ شيئا فشئيا.

وكشف هليفي، عن موافقة جولدا مائير على طلبات المصريين، حتى قبل موافقة القاهرة على اجراء مفاوضات مباشرة، وهو الامر الذي كانت تطلبه إسرائيل من كيسنجر، حيث كان كيسنجر يتوقع الا توافق مصر على المفاوضات المباشرة، قائلا: “في ضوء ذلك، كتبت مائير رسالة إلى مجموعة صغيرة من المسؤولين، بما فيهم أنا، توضح فيها عزمها على الاستقالة بعد استجابتها لمطالب كيسنجر دون مفاوضات مباشرة مع المصريين”.

وكشف الرئيس السابق للموساد، إلى أن جهود السلام استمرت إلى ما بعد عام 1973، قائلا ” في عام 1976، سافر رئيس الوزراء إسحق رابين سراً إلى المغرب للقاء نظيره المصري؛ وفعل رئيس الوزراء موشيه ديان نفس الشيء في عام 1977 وبعد ذلك جاءت زيارة السادات إلى القدس في ذلك العام” واختتم قائلا: “رغم أن السلام ساد منذ ذلك الحين، إلا أن الإخفاقات الاستخباراتية الإسرائيلية الملحوظة في عام 1973 يجب أن نضعها في الاعتبار”.

دور أشرف مروان:

من جانبه قال الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة المصري اليوم ومدير “المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة وزميل أقدم في “مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط” بـ “جامعة برانديز”، إن التاريخ يعلمنا أن الجغرافيا والديموغرافيا هي التي تقرر الصراعات، حيث أن الفترة التي سبقت 1973، تأثرت المخابرات الأمريكية بشكل كبير بالمخابرات الإسرائيلية، لذلك أساء الطرفان فهم نوايا السادات. لقد تم التغاضي تمامًا عن تجديد السادات للجيش المصري، وكذلك طرد المستشارين الروس.

وأشار سعيد، إلى أن أسلوب المساومة الذي اتبعه السادات كان ناعمًا، لكنه كان من حيث الجوهر متشددًا.

كما كشف مدير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، عن استخدام السادات لـ “أشرف مروان”، العميل المصري المزدوج في إسرائيل، للحصول على معلومات سرية من المخابرات الإسرائيلية مع إبقاء الجيش الإسرائيلي في حالة من عدم اليقين، حيث كانت مصر بحاجة إلى خداع إسرائيل في لحظة محورية لشن هجوم مفاجئ ناجح، وكان دور مروان أساسيًا في هذا الخداع.

وتابع سعيد، في الساعات التي سبقت الهجوم، أخبر مروان الإسرائيليين أن الحرب ستبدأ في الساعة السادسة مساءً، على الرغم من أن المصريين خططوا للضرب في الساعة الثانية ظهرا وكانت تلك الساعات الأربع حاسمة لتحقيق مكاسب مصر المبكرة في سيناء.

وشدد سعيد، على أن حرب أكتوبر حولت الصراع العربي الإسرائيلي من الصراع الوجودي إلى صراع غير وجودي، حيث أدى التوقيع على معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب إلى خلق الشرعية لسلام أوسع نطاقا، وخاصة بين السكان العرب، قائلا: “كانت حرب 1973 أكثر من مجرد صراع مسلح، بل كانت بمثابة إسقاط للحظة الحالية، وسواء أتى اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي المنتظر اليوم بثماره أم لا، فإن حرب 1973 أضفت الشرعية على هذه الجهود كمسار، ويتذكر الشعب المصري السادات لدوره الشجاع والبصير في ذلك الصراع”

تجاهل الإشارات:

من جانبه أوضح مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، ومؤلف كتاب “سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”، أن نقطة كيسنجر العمياء بالنسبة للسادات كانت هي فشل الخيال، قائلا: “قبل 1973، كان اتصال كيسنجر بالقادة العرب محدودًا للغاية، ونادرًا ما كان يسافر إلى الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك، تأثرت وجهة نظر الولايات المتحدة بشأن السادات بشدة بالتقييمات الإسرائيلية، التي قللت من تقديره بشدة. ومع انشغال كيسنجر بالشؤون الخارجية الأخرى، وضع السادات وعلامات الحرب في اخر اهتماماته”

وتابع إنديك، بمجرد اندلاع الصراع، تعرض كيسنجر لضغوط شديدة من الرئيس نيكسون لوضع الولايات المتحدة كوسيط سلام لا غنى عنه بموجب شروط تفاوضية مواتية لواشنطن، وبعد النجاح في التعامل مع الضغوط المتناقضة، قام كيسنجر ببناء نظام سياسي جديد في الشرق الأوسط وتجنب مواجهة القوى العظمى مع السوفييت.

وأشار الخبير الأمريكي المخضرم، إلى أن الحرب أدت إلى ميلاد نهج كيسنجر التدريجي، حيث فهم أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكن حله في خطوة واحدة، وقد تبنى زعماء المستقبل (مثل رابين) هذه الاستراتيجية في المفاوضات مع الفلسطينيين، ومع ذلك، فإن التدرج الذي اتبعه كيسنجر كان له عيب حاسم، فقد شجع العديد من القادة على الخطأ في جانب الحذر بدلا من الطموح.

وقال إنديك في النهاية: “إن التركيز أكثر من اللازم على التدرج يمكن أن يؤدي إلى تفويت فرص السلام، خاصة عندما يكون كلا الجانبين مستعدين للتغيير”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى