أراء ومقالاتالموقع

فيصل شمس في أول مقالاته لـ«الموقع» يكتب صلوا على النبي

في التراث المصري القريب احتلت الصلاة على النبي مكانة مميزة في القلوب والعقول والأفعال، فحين تحدث أي مشاجرة مهما بلغت شدتها تجد شخصا من هنا أو هناك وربما لا يعرفه أحد يصيح بقوة هادئة (صلوا على النبي يا جماعة) وفجأة يرد المتخاصمون (عليه الصلاة والسلام) أو (اللهم صلي عليك يا نبي) ومن ثم يهدئون وتبدأ مرحلة الصلح.

جملة سحرية رائعة تمثل حلا لصراع قد يتطور لمخاصمة أو مقاطعة أو أي احتمال سيء، قد تجدها ساعدت في إتمام زواج أو مصالحة أقارب أو لم شمل أصدقاء فحين يتم ذكرها تنتابك فجأة حالة من السكون ويمكنك أن تسمع وتتفهم وتسامح وتتغاضى، فذكر النبي له قداسة روحانية تتعلق بالجانب الجيد من شخصياتنا جميعا.

لكن هذه العادة الراقية الفخمة تختفي حاليا، ففي وسط المشاجرة أو الخلاف تسمع من يطلب الصلاة على النبي فلا يلتفت له أحد وقد يركبهم العند أكثر وإذا كررها قد تجد أصوات المختلفين تعلو عليه رفضا لأي نوع من التهدئة.

لقد تغيرنا وتطغى علينا الأنا والإحساس الخرافي بالتفوق وأننا الصح دائما، فلا يوجد احتمال ولو ضعيف أننا مخطئون وبالتالي تظهر القسوة تجاه الآخرين وعدم احترامهم أو احترام وجهة نظرهم، وطبعا لا تردعنا صلاة النبي أو أي محاولة للتسامح.
حسب آخر تطورات علم النفس فإن التعصب يعني الانفعالية سواء بالتفضيل أو عدم التفضيل، التي تصطحب الحكم الأولى (المسبق) الذي لا يدعمه سند، أما التسامح فهو مرادف لصيق للصحة النفسية فهو يعني التغاضي عن الشعور بالاستياء والتخلي عن الأفكار الانتقامية مما يؤدي إلى تفهم موقف من تسبب في جرح مشاعرك وربما التعاطف معه، وفوائده لا تحصى بدءا من تحسين تقدير الذات وتقليل التوتر إلى خفض ضغط الدم وتحسين صحة القلب وحتى تقوية جهاز المناعة (حسب مايو كلينك)

والأسباب التي تدفعنا للتعصب ليس من بينها المشاكل القوية فقط، بل تحدث الخلافات لأتفه الأسباب وأصغرها بين أناس لديهم مكانة ومكان.

في كتابه (ماذا حدث للمصريين) يشير “جلال أمين” إلى العديد من التغييرات التي حصلت للشخصية المصرية ومن بينها التعصب الديني، وغطى تغطية شاملة للكثير من الأمور المتعلقة بظاهرة الانفتاح الاقتصادي، لكنه لم يتطرق إلى التغييرات التي حدثت في صميم السلوك والتصرفات اليومية، أو أن تلك التغييرات لم تكن وصلت بعد لهذا المستوى، ونحن الآن نشاهد هذا الانفلات الذي نلمحه يوميا في الشارع وفي العمل وربما في البيت وفي مواقع التواصل الاجتماعي.

أتصور أن تلك الموضوعات والخاصة بالتغييرات الشخصية التي حدثت للمصريين لا يُلتفت لها نظرا لوجود افتراض مجازي غير حقيقي أننا شعب ممتاز ومميز وربما يعتقد البعض فعليا بأننا أفضل شعوب العالم بلا منازع.

طبعا القاعدة تقول إنه لا يوجد (الأفضل) وإنما هناك تفاوت جمعي وفردي بين كل الشعوب، لكن بالنسبة لنا فإن الشعور الغامر بالتفوق ربما يمنعنا من مراقبة سلبياتنا والبحث فيها وعنها، لذلك حين زادت العصبية وقل التسامح وحين اختفت (صلوا على النبي) وتم تجاهلها لم يلحظ أحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى