الموقعخارجي

عضو هيئة التفاوض السورية فراس الخالدي في حواره لـ”الموقع”: رؤية مصر شكّلت نقطة ارتكاز القرار الأممي 2254

ما يزال الشعب السوري، يواجه الويلات، منذ عشر سنوات، هي عمر الأزمة السورية، حتى الآن، منذ اندلاع احتجاجات شعبية في بعض المدن السورية ضد نظام بشار الأسد، 15 مارس عام 2011، تحولت لاحقا بشكل مأساوي إلى حرب أهلية.

وفاقم النزاع السوري، تداخلات قوى إقليمية ودولية، فيه، ما خلف أكثر من 380 ألف قتيل وشرد ملايين ودمر مدنا بأكملها، بحسب “بي بي سي”.

وفي الذكرى العاشرة للأزمة السورية، قال منسق منصة القاهرة في هيئة التفاوض السورية، فراس الخالدي، في حوار خاص مع “الموقع”، إنه بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة، فقدت سوريا سيادتها واستقلالية قرارها بالكامل لصالح دول وميليشيات وتيارات أجنبية، كما تحولت سوريا من لاعب فاعل في المجتمع الدولي إلى ساحة لتصفية الصراعات.

وأضاف “الخالدي”، في حواره، أن النظام قتل ما يزيد على مليون شخص من الشعب السوري الذي ثار عليه، وتسبب بمقتل أكثر من 150 ألف شخص من الموالين له، بسبب زجّهم في معارك للدفاع عنه في مواجهة أبناء جلدتهم.

من جانب آخر، قال فراس الخالدي، إنه لا يعتقد بأنّ تجميد عضويّة سوريا في جامعة الدول العربية كان له أي أثر سلبي على سوريا، “فالعرب لم يتخذوا هذا القرار إلا بعد أن استنفذوا كل الفرص التي منحوها للنّظام لحل الأزمة”.

وثمن الدور المصري في دعم الشعب السوري، طول تلك العشرية، قائلا إن مصر منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، أكدت على ضرورة الحل السياسي ونبذ الحلول العسكرية-الأمنيّة، وتُوّجت رؤيتها بخارطة الطريق المنبثقة عن مؤتمر القاهرة لعام 2015، والتي شكّلت فيما بعد نقطة ارتكاز القرار الأممي 2254. وفيما يلي نص الحوار:

حوار – أحمد إسماعيل علي

أبرز خسائر سوريا في 10 سنوات

بعد 10 سنوات من اندلاع الأزمة السورية ما حجم الخسائر التي لحقت بالشعب السوري؟

أهم الخسائر  التي مُنيت بها سوريا خلال السنوات الماضية:

-فقدت سوريا سيادتها واستقلالية قرارها بالكامل لصالح دول وميليشيات وتيارات أجنبية.

-تحولت سوريا من لاعب فاعل في المجتمع الدولي إلى ساحة لتصفية الصراعات.

فراس الخالدي عضو هيئة التفاوض السورية
فراس الخالدي عضو هيئة التفاوض السورية

-قتل النظام ما يزيد على مليون شخص من الشعب السوري الذي ثار عليه وتسبب بمقتل أكثر من 150 ألف شخص من الموالين له بسبب زجّهم في معارك للدفاع عنه في مواجهة أبناء جلدتهم، ويوجد في سجون النظام ما يزيد على 600 ألف معتقل يُعتَقَد أنّ أكثر من نصفهم في عداد القتلى، وخلّفت الحرب العبثية التي شنّها النظام أكثر من مليون جريح ومصاب.

-حرب النظام أدت لتشريد ما يقارب 14 مليون شخص ( نازحين داخليين ولاجئين في الخارج ) والتهديد بتجريدهم من جنسيتهم السورية والإستحواذ على ممتلكاتهم.

-تم تدمير أكثر من 70% من البنية التحتية للدولة السورية.

-تحولت سوريا لدولة مدينة وارتهن جزء كبير من قطاعها العام للسيطرة الإيرانية-الروسية.

-انهارت العملة الوطنية المحلية بالتزامن مع انهيار القطاعات الإنتاجية وفقدان الدولة والشعب السوري لإيرادات ومداخيل موارد الدولة السورية.

-تم سحق الطبقة الوسطى في المجتمع السوري، وهي الطبقة التي تؤّمن استقرار أي مجتمع في العالم.

-تم تدمير النسيج المجتمعي السوري.

-فقد قسم كبير من السوريين في الداخل والخارج إحساسهم بالانتماء لسوريا وللأمة العربية بعد الغزو الثقافي والاقتصادي المرافق للغزو العسكري الذي تشنّه إيران وحلفاء النظام من جهة وبعض الدول التي تدّعي دعمها للمعارضة من جهة أخرى.

-أصبحت سوريا قاعدة وملاذا لعدد كبير من الإرهابيين حول العالم، وما زاد الطين بلّة أنها أصبحت بفعل المحتلّين الجدد مركزاً لتصدير الإرهابيين لدول أخرى، الأمر الذي أخاف كثيراً من الدول التي كان يُعوّل على دور مهم لها في حل الأزمة ومنعها من التدخل.

آثار الدمار في سوريا
آثار الدمار في سوريا

المسؤول عن خراب سوريا

من المسؤول عن الخراب والدمار والدماء التي سالت طوال تلك الفترة؟

المسؤول عن كل الدمار والخراب الحاصل بالدرجة الأولى هو النظام السوري الذي فتح سوريا على مصراعيها لكل طامع وغريب في سبيل الحفاظ على كرسيه الجاثم على صدور السوريين، والذي حوّل سوريا لساحة لتصفية الصراعات وتجميع الإرهابيين حول العالم في سوريا فقط من أجل شيطنة حراك السوريين الساعي للتغيير، فهو من أطلق من سجونه الإرهابيين الذين تحولوا لاحقاً لقادات التنظيمات الإرهابية التي يدّعي اليوم مواجهتها في مناطق الثورة والمعارضة، في الوقت الذي أعدم فيه شباب الثورة السلمية التي اعترف الأسد نفسه بأنها استمرت سلمية لمدة ستة أشهر.

ثم جاءت إيران لتفرض بحارا من الدماء بين مكونات الشعب السوري ولتنهي أي أمل لاجتماع السوريين على راية وهدف وطني لاحقاً، وخصوصا بعد عمليات التطهير العرقي والطائفي والتغييرات الديمغرافية التي أشرفت عليها بنفسها ، ليأتي في النهاية انقسام المعارضة وعدم جدية المجتمع الدولي في حسم الملف السوري كآخر عوامل وأسباب إستمرار الأزمة في سوريا.

دور المجتمع الدولي

هل المجتمع الدولي قام بما عليه لحل الأزمة السورية؟

بعيداً عن رمي تهم فشلنا في إنقاذ سوريا حتى الآن على المجتمع الدولي، لكن الحقيقة أنّ المجتمع الدولي تأخّر كثيراً ريثما تم الإتفاق على مدخل حقيقي لحل الأزمة والمتمثّل بالقرار 2254 ، لكن إصدار القرار كان كمن راهن على حل أزمة عالمية بنصف إنجاز، فأنصاف الإنجازات في معضلة كالمعضلة السورية هو أشبه بمن يذكي النار بدلاً من إطفائها، فالشعب السوري الذي كان يحارب النظام وإيران وحزب الله، يواجه اليوم لاعبين جدد دخلوا الساحة السورية ضمن خطة التحالفات التي نسجها النظام لمواجهة مخاطر القرار 2254 على مصير حكمه للبلاد.

المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون

والمجتمع الدولي اليوم مطالب بتفعيل القرار 2254 وبنفس ترتيب الأولويات التي صدر القرار على أساسها، ولا يكفي نص القرار وإتفاق الأطراف الدولية شكلياً عليه، بل يجب البدء بإيجاد آلية لحماية وتفعيل القرار لنتلمّس جدياً ضوءاً حقيقياً في نهاية النفق المظلم الذي دخلت فيه سوريا.

تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية

هل لتعليق عضوية سوريا من الجامعة العربية دورا سلبيا في تفاقم أزمة سوريا؟

لا أعتقد بأنّ تجميد عضويّة سوريا في جامعة الدول العربية كان له أي أثر سلبي على سوريا، فالعرب لم يتخذوا هذا القرار إلا بعد أن استنفذوا كل الفرص التي منحوها للنّظام لحل الأزمة، فالعرب كانوا أمام خيارين إما الوقوف إلى جانب النظام المتعنّت الذي حسم قراره في الاستمرار بحربه ضد الشعب السوري، أو اتخاذ أي قرار من شأنه إيصال رسالة للشعب السوري بأنّ إخوانهم العرب يقفون إلى جانبهم في محنتهم بكل الإمكانات المتاحة أمامهم رغم ضعفها مقارنةً بالنظام وحلفائه الذين سخّروا كل مواردهم لكسر إرادة الشعب السوري وسلخه عن محيطه العربي.

إضافةً إلى أنّ النظام نفسه سبق واختار إيران وحزب الله على حساب العرب منذ مقتل الحريري الذي سبق الربيع العربي بست سنوات، وبالتالي فإنّ استمرار عضوية النظام في الجامعة العربية لم يكن ليثنيه عن مخطّطه أو عن تحالفاته المتعارضة مع المصلحة العربية والأمن القومي العربي.

مقعد سوريا شاغر في جامعة الدول العربية
مقعد سوريا شاغر في جامعة الدول العربية

هل ترى بضرورة عودة سوريا للجامعة وبأي صيغة؟

بناءً على ما سبق، لا نؤيد عودة سوريا لشغل كرسيها ضمن جامعة الدول العربية، الآن، لأنّ ذلك سيعتبر انتصاراً لنظام ملاحق ومعاقب ومدان دولياً ( مع وقف التنفيذ حتى الآن ).

لكن الأجدى دعم تنفيذ القرار 2254 بأسرع وقت ممكن، وبذلك يمكن لهيئة الحكم الانتقالي التي نص القرار الأممي على تشكيلها أن تختار ممثلاً لها لشغل عضويّة سوريا في جامعة الدول العربية، بحيث يكون ذلك تتويجاً لجهود الجميع موالاة ومعارضة من أجل إنقاذ سوريا وعودتها لمحيطها وحضنها العربي، وتشريعاً لدور عربي فاعل يمكن له أن يساهم في وضع حد للتدخلات الخارجية في سوريا.

آلية روسيا وتركيا وقطر

كيف تقيم إنشاء روسيا وتركيا وقطر مؤخرا إنشاء آلية تشاورية جديدة بشأن سوريا؟

لسنا ضد أي خطوة إيجابية تجاه إيجاد الحل في سوريا، لكننا نجد بأنّ أكثر ما أضر بسوريا، خلال سنوات الأزمة الطويلة الماضية هو وقوع سوريا في لعبة التحالفات والاستقطابات الإقليمية والدولية وتحولها لساحة لتصفية الصراعات.

لذلك فإنّ من يريد الخير لسوريا وأهلها ويحمل في جعبته مبادرة أو ملامح لأي حل ممكن، فليتقدّم بما لديه ويعرضه أمام الشرعية الدولية المتمثلة بمرجعية جنيف، بدلاً من عرضها ومناقشتها على مستوى دولة أخرى أو مجموعة دول، ورأينا هذا مبني على وعينا بخطورة لعبة المحاور التي عقّدت المشهد السوري كثيراً من خلال تجارب حيّة سابقة كمسار آستانة-سوتشي مثلاً.

وبالتالي إن كان لدى هذه الدول أي رؤية للمساعدة في الحل في سوريا فليناقشوا مدى انسجامها مع القرار 2254 وليضعوا جهودهم وإمكاناتهم كاملة في وعاء جنيف بدلاً من استمرار العبث بمسار جنيف وسحب المظلة الدولية من فوق رؤوس السوريين الساعين لإنجاز عملية إنتقال سياسي سلمي حقيقي لصالح مسارات جانبية من شأنها تمييع القضية السورية.

دور مصر في مساعدة الشعب السوري طوال الأزمة

كيف هو الدور المصري في مساعدة الشعب السوري الشقيق طول 10 سنوات؟

بالنسبة للدور المصري في سوريا وفيما يخص المعاناة الإنسانية للشعب السوري:

أولاً: انطلقت مصر في رؤيتها، (التي ترددت على لسان مسؤوليها منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية وتُوّجت بخارطة الطريق المنبثقة عن مؤتمر القاهرة لعام 2015، والتي شكّلت فيما بعد نقطة ارتكاز القرار الأممي 2254) من نقاط عدة، أهمها:

-الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية وليس النظام السوري.

-التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض كل محاولات تقسيمها.

-التأكيد على وحدة الشعب السوري ورفض محاولات الفرز العرقي والطائفي.

-التأكيد على ضرورة الحل السياسي ونبذ الحلول العسكرية-الأمنيّة.

-رفضت مصر منذ اليوم الأول كل محاولات المطالبة بالتدخل الدولي من طرفي الأزمة نظاما ومعارضة، وأثبتت مصر صحة رؤيتها حول ذلك بعد كل ما جناه السوريون من الاستقطابات الدولية والتدخلات الخارجية.

-تشبّثت مصر بموقفها تجاه الأزمة السورية من خلال مبادراتها المستمرة التي هدفت لحشد المواقف الدولية لتبنّي قرار أممي ينهي التجاذبات والإجتهادات التي أرهقت السوريين ورسّخت حالة الانقسام، فكان الدور المصري مهماً جداً في إنجاز القرار 2254.

-احتضنت مصر قسماً من المعارضة الوطنية السورية، وأفسحت لهم المجال لإدارة قضيتهم بكامل الحرية دون أن تتدخل في قرارهم، كما حصل ويحصل في دول أخرى تعاني فيها المعارضة السورية من تدخلات الدول المضيفة التي وصلت لمرحلة إدارة الأزمة علناً نيابةً عن المعارضة التي يستضيفونها.

-تحمّلت مصر رغم كل التهديدات التي تواجهها ورغم كل المشكلات الإقتصادية إستضافة حصّة من السوريين بأعداد كبيرة تفوق منطقياً إمكانياتها على التحمل، لكن تضافر جهود الدولة والشعب المصري جعلت السوريين في مصر، ولله الحمد، يعيشون في بحبوحة من الكرامة والأمان والحرية في الأعمال والأنشطة (كما يُعامَل المواطن المصري في بلده) تضاهي ادّعاءات دول كبرى بتوفيرها كل السبل لخدمة اللاجئين السوريين ومتاجرتها إنسانياً وسياسياً بهم وبقضيتهم. والسنوات الطويلة الماضية كفيلة بالتأكيد على أصالة الدولة المصرية والشعب المصري في التعامل مع السوريين دون أن ينتظروا أي مقابل تجاه ذلك ودون أن يطلقوا مسمّى لاجئين على إخوتهم السوريين، في الوقت الذي يعاني فيه السوريون في بلاد أخرى تستغلهم من كافة النواحي كما سبق وقلنا.

إدارة بايدن 

هل تعولون على إدارة بايدن الديمقراطية لخلق فرصة حقيقية للحل في سوريا؟

جو بايدن
جو بايدن

نعوّل على دور مهم لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في حل الأزمة السورية للأسباب التالية:

-معظم تعيينات “بايدن” كانت لموظفين لديهم خبرة واسعة في الملف السوري كونهم كانوا في دوائر قرار الرئيس أوباما مطلع الثورة السورية، وهذا يتيح فرصة أمام هؤلاء المسؤولين لإيجاد حل حقيقي لما لديهم فهم عميق لأصول وجذور الصراع في سوريا وعليها.

-الديمقراطيون يؤكدون على الحلول السياسية على مستوى صراعات المنطقة والعالم، ونحن في سوريا نؤكد دائماً على إنجاز حل سياسي سلمي بعد كل ما جلبته ويلات العسكرة والتسلّح والتدخلات الخارجية.

-الديمقراطيون يركّزون دائماً على العمل المؤسساتي ودعمه وتهيئة كوادره ، وهذا ما افتقده السوريون خلال السنوات الطويلة الماضية ، لذلك فإنّ دعم الإدارة الأمريكية في هذا الصدد سيساعدنا في إنجاز الهدف المطلوب.

-إدارة الرئيس “بايدن” على علاقة جيدة مع الاتحاد الأوروبي الذي أبعد نفسه عن تعقيدات الملف السوري فترة الرئيس ترامب، بالتالي فإنّ عودة النشاط والدور الأوروبي مهم جداً في خلق وفرض توازنات جديدة من شأنها تسريع الحل.

-الديمقراطيون في أمريكا ألزموا أنفسهم عبر أدبياتهم بضرورة الإستمرار بدعم الديمقراطية ونشرها حول العالم، وهذا يشكل ضمانة رسمية لتطلعات شعبنا بالخلاص يوماً ما من نظام قمعي دكتاتوري كالذي عانت منه سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى