الموقعتحقيقات وتقارير

رقصات مع الملائكة.. صراع المتصوفة والمتطرفين على «روح الإسلام»؟

كتبت – رقيه وائل

التصوف هو شكل باطِنيّ وتزهدي من الإسلام، يمارسه عشرات الملايين من المسلمين. إلا أن الإسلاميين الأصوليين استهدفوا المتصوفة في هجمات وحشية، كان آخرها المذبحة الأخيرة في مصر التي حدثت بمسجد الروضة في 24 نوفمبر وراح ضحيتها 305 من المصلين.

والتصوف أكثر بروزاً بين السنة، لكن هناك أيضاً طرقا صوفية شيعية ويعتقد أتباع التصوف أنّهم يمكن أن يصبحوا أقرب إلى الله من خلال التزكية والاستبطان الداخليين، وهم يفعلون ذلك من خلال التأمل وتلقي التوجيه من قادتهم الروحيين، أو المرشدين .

ويتبع مريدو التصوف أركان الإسلام الخمسة مثل غيرهم من المسلمين المُمَارسين: يعلنون الإيمان بإله واحد هو الله، وبمحمد رسول له، ويقيمون الصلاة خمس مرّات في اليوم، ويؤتون الزكاة، ويصومون، ويؤدون فريضة الحج إلى مكة المكرمة.
ووصف تيموثي وينتر، وهو عالم إسلاميات في جامعة كمبريدج، التصوف بأنه “نزوع تنسدي رحب”، كما أنه لا توجد ممارسات أو معتقدات مُمَيّزة لجميع المتصوفة، وثمَّة تنوع هائل فيما يخص ذلك.

أشهر “طريقة” في العالم الغربي هي الطريقة المولوية، التي أسسها أتباع الشاعر والباطنيّ الفارسيّ في القرن الثالث.
الطريقة المولوية تؤدي الممارسة الصوفية لـ”الذكر” في طقس موسيقى راقص، وهو ما أعطاهم لقب “الدراويش الدَوّارين”

نرشح لك: الأضرحة والموالد.. كيف انتصر الأزهر لـ دراويش الصوفية في مواجهة السلف؟

والذكر هو ممارسة مركزية في التصوف؛ حيث يقوم المريدون بتلاوة الآيات الإلهية وشَدْو اسم الله. ويمكن أن يؤدَّى بشكل فرديّ أو في مجموعة، ويمكن أن يكون هادئاً أو بصَوْت عال. وتختلف ممارسات الذكر باختلاف الطرق الصوفية.

يصف الشيخ إسرف أفندي، الرئيس الروحي للمتصوفة في تصريحات له: “إن المتصوفة مسلمون ويعيشون الإسلام في كمال بين الجسد والروح، وجسد الإسلام هو الشريعة، القانون، وروح الإسلام هو التصوف، الروحانية. بالنسبة إلى المتصوفة، الشريعة ضرورية، لأن القانون يكفل النظام في الحياة والتصوف يكفل الأُنس في الحياة. ويقوم التذكر اليومي لله في الذكر وأشكال التأمُّل المختلفة داخل الجماعة الصوفية بتعزيز الشعور الواعي بالقرب من الإله ومبرة الآخر”.

وتابع: “المتصوفة يلتزمون بالتقليد النبوي الذي يقضي بمحبة كل مخلوق من أجل محبة الخالق. ولهذا يقوم المتصوفة بالتغاضي عن أخطاء وعيوب الناس الذين يُلاقونهم ويُبصرون فقط نور الإله فيهم. وبالتعرف إلى نور الإله، يمارس المتصوفة المغفرة تجاه أخطاء الإنسان”.

نرشح لك: حضرة الملوك والسلاطين.. المواكب الصوفية وسر العداء مع «الإخوان»

ونشأ التصوف بعد وفاة النبي محمد عليه السلام، لكنه لم يتطور إلى طرق حتى القرن الثاني عشر وشكلت الطرق حول مؤسسين روحيين اكتسبوا منزلة القديسين، وجرى بناء مزارات بأسمائهم. وهناك الكثير من الطرق الصوفية الرئيسة والفرعية
انتشر التصوف في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأصبح مكونا أساسياً في الممارسة الدينية لشعوب كثيرة من إندونيسيا وجنوب آسيا إلى أفريقيا والبلقان والطُرُق الصوفية كانت في بعض الأحيان قريبة من السلطات الحاكمة مثل الإمبراطورية العثمانية، مما ساعد في انتشارها وتأثيرها.

وتكيفت مع المعتقدات والعادات المحلية ما جعل منها أمراً شعبياً، غير أنّه في وقت لاحق سوف يُنظَر إليها من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرفة على أنها شيء هرطقي، بينما يرى البعض أن النبي نفسه، صل الله عليه وسلّم، قد شق بتعاليمه الطريق إلى التصوف، بتمهيد مسلك التسامي عن زخرف الحياة الدنيا الزائل بنعيم الآخرة الباقي، وتلك مساهمة في التشجيع على السلوك الزهدي المفضي للتصوف، يضاف إلى ذلك دعم نظري مهمّ ساعد على نشأة هذا اللون، والذي يتجاوز درجتي الإسلام والإيمان، عبر عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، بلفظ الإحسان، وشرحه بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”

وظهور الاتجاه الصوفي ليس لأسباب دينية فقط إلا أنّ أسباباً أخرى سياسية واجتماعية وثقافية، كان لها دور مهم أيضاً؛ ذلك أن ما شهده تاريخ الإسلام المبكر من فوضى سياسية وفتن وحروب داخلية، وما رافق ذلك من قلق روحي ومظالم اجتماعية وتفاوت فاحش بين الناس، وظهور فئة مترفة تجري وراء المتعة وتسرف في المجون، كلّ ذلك كان له عظيم الأثر في نشأة الفرق الدينية والاتجاهات الفكرية في الإسلام، ما قوّى روح الزهد والورع عند بعض الصحابة والتابعين، كردة فعل لهذا الحراك السياسي والاجتماعي المباغت

وفي عام 2012، قام مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة بتدمير أضرحة صوفية قديمة في تمبكتو في مالي، ما أثار إدانة دولية.
لكن تنظيم “داعش” قد أخذ الأيديولوجيا الجهادية العنيفة إلى مدى أبعد، في وقت سابق من هذا العام، قتلَ انتحاري من “داعش” أكثر من 70 شخصاً في ضريح صوفي في باكستان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى