أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» : “العصفور” العاشق

منذ أيام شاهدت فيديو قصير أرسله لى صديقى المبدع المتألق جمال الشاعر قال فيه قصيدة أراد من خلالها الإشارة الى ما تتمتع به الطيور والحيوانات من إخلاص ووفاء يفوق كثيراً إخلاص البشر .

كلام “الشاعر” قلب علىّ المواجع وجعلنى أتذكر تجربة عشتها مع عصفور ، تلك التجربة جعلتنى أمام نموذج للوفاء والإخلاص فى عالم الطيور ربما تفوق كثيراً قصص الحب والوفاء “البشرى” التى تملأ الكتب وصدعنا بها ” الحكماء والفلاسفة.

تعود الحكاية الى أيام كانت فيها ابنتى الكبيرة ياسمين ما تزال تحبو وعمرها عام تقريباً فقد اشترينا “قفص” عصافير به عصفور وزوجته وكانت ألوان ريشهما حلوة وجذابة وبعيداً عن اعجابى بهما فقد كانا يمثلان متعة خاصة لياسمين التى كانت تستيقظ كل يوم السابعة صباحاً على “شقشقتهما” فتتسلل من سريرها الصغير وتظل تحبو وتحبو حتى تصل إلى أسفل قفص العصافير وتسمع أصواتهما وترد عليهما وتقول هى الأخرى أصواتاً لم نفهمها وكأن هناك حواراً بينهم وأن كل منهم يفهم الآخر .

ظل هذا الوضع لفترة طويله .. “شقشقة” العصافير تصدح داخل الشقة فى نفس الموعد والساعة البيولوجية لياسمين تم ضبطها مع هذه الأصوات الجميلة .. أما أنا وزوجتى فكانت سعادتنا أننا وجدنا شيئاً ممتعا لإبنتنا وهذا الأمر كان يدفعنا للمزيد من الرعاية والإهتمام بالعصفور وزوجته افضل حبوب نشرتيها لهما وزوجتى تغير لهما مياه الشرب باستمرار.

وبالفعل تحولت هذه المسألة إلى “روتين” يومى، إلى أن استيقظنا ذات صباح والصمت يملأ الشقة ولم يكن هناك سوى صوت ياسمين التى كانت تتمتم بكلام غير مفهوم ففى تلك الفترة كانت كلمة بابا وماما هى اقصى ما يمكن أن نفسيره من كلامها .. اقتربنا من القفص لنجد العصفور يتحرك بشكل غير طبيعى ويصدر أصواتنا قريبة إلى النواح “البشرى” فى هذا اليوم ووسط ضغوط ومشاغل الحياة لم أفكر فيما حدث وذهبت الى علمى بالأهرام وتركت زوجتى وهى تحاول إلهاء ياسمين باللعب معها لتنسيها ما حدث من اختفاء صوت العصافير.

وفى اليوم التالى استيقظنا على نفس المشهد ، فأيقننا أن هناك شئ ما قد حدث فاقتربت من القفص لأجد العصفور يصدر أصواتاً حزينه ثم يدخل إلى البيت الخشبى وبعد ثوان يخرج ويفعل نفس الشئ ثم يدخل بيته الصغير الذى كنا قد احضرناه له هو وزوجته ليناما بداخله فى ركن من القفص الجميل المصنوع من اسلاك الحديد الملونة .

لحظتها اقتربت من القفص ومددت يدى وفتحت البيت الخشبى لأجد “العصفورة” ميته وجسمها ملئ بالدماء فقد كان العصفور يحاول إيقاظها اعتقاداً منه أنها نائمة أو ربما كان لا يريد أن يصدق أنها قد فارقت الحياة وأنها سوف تتركه الى الأبد .. تأثرت من المشهد ، وطلبت منى زوجتى أن أقوم بدفنها تكريماً لها فأخذتها ونزلت الى الحديقة أسفل البيت وحفرت لها حفرة وقمت بدفنها .

وفى اليوم التالى استيقظنا على صوت ياسمين وهى تحاول الكلام مع العصفور الذى كان صامتاً وحزيناً ولا يقوم حتى بالحركات ” البهلوانية” التى كانت تسعدها .. أشفقت زوجتى على ابنتى من أتىن تعيش هذه اللحظات الصعبة فادخلتها غرفتها وأحضرت لها “صندوق الألعاب” ولكنها لم تكن فى المود ولم تلعب كالعادة ربما بحكم الفطرة أرادت أن تشاطر عصفورها الأحزان فى وفاة زوجته وحبيبته ..

ولم يمر سوى ٢٤ ساعة لنستيقظ على المفاجأة وهى أن العصفور “الوفى” لزوجته قد مات حزناً وكمداً على فراق رفيقة الحياة التى كانت بالنسبة له مصدر قوته وسعادته.

اخذته ودفنته الى جوارها ومن يومها قررنا التخلص من قفص العصافير فى البيت حتى لا نعيش مرة أخرى تجرية توجع قلوبنا .. ومع مرور السنين نسيت حكاية هذا العصفور الوفى إلى أن قرأت قصيدة صديقى جمال الشاعر فتذكرت أروع قصة حب ، ربما تفوق روعة حب البشر .. فهى وعلى الرغم من أنها مجرد عصافير ليس لها عقل إلا أنها وبكل تأكيد لها قلوب عامرة بالحب .
فليتنا نتعلم من هذه المخلوقات الصغيرة معانى “الحب الحقيقى” و “الإخلاص” و”الوفاء”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى