أراء ومقالاتالموقع

أحمد سلام يكتب لـ«الموقع» عن التجربة الصينية وأمل استضافة مصر أولمبياد 2036

في يوليو 2008، وصلت إلى العاصمة الصينية بكين حيث تم تكليفي بمسئولية تسهيل مهام الوفد الصحفي والإعلامي المصري المرافق للبعثة المصرية المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية ببكين 2008. ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماي أرض مطار بكين، شعرت بالانبهار الشديد بما لمسته من تنظيم واستقبال رائعين لجميع الوفود المشاركة الرياضية والإعلامية والفنية وغيرهم منذ وصولهم إلى المطار وحتى مغادرته. وخلال مدة قيامي بمهمتي الإعلامية، مكثت ببكين ثلاثة أشهر من يوليو إلى سبتمبر 2008، شرفت خلالها بحضور فعاليات افتتاح وختام دورة بكين الأولمبية للألعاب الصيفية 2008، وكنت شاهدا أيضا على ما تركته الأولمبياد الصيفية ببكين من انطباعات عميقة وأثار كبيرة أبهرت العالم أجمع.

كانت مصر من ضمن الدول التي تقدمت بملف لاستضافة اولمبياد ٢٠٠٨ الا أن الأمور في ذلك الوقت لم تكن علي ما يرام حيث لم تكن مصر مؤهلة لاستضافة هذا الحدث الكبير رغم أن مصر تشارك بانتظام في الألعاب الأولمبية الصيفية منذ عام 1912، وقد سبق لمصر أن تقدمت لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية في الاعوام 1916 و1936 و1940 و2008 لكنها لم تنجح في ذلك للأسف.

والحقيقة أن ما رأيته كشاهد عيان في الصين خلال أولمبياد بكين ٢٠٠٨ كان شئ عظيم بكل المقاييس ، تذكرت تلك الأشياء والذكريات الطيبة التي جالت بخاطري وكنت أتمني أن اري بلدي تستضيف مثل هذا الحدث ، خاصة وانا اتابع عن كثب الاستعدادات الدؤوبة التي تقوم بها بكين في ظل اقتراب موعد استضافة الصين للنسخة الـ 24 من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022، التي تقام خلال الفترة من 4 إلى 20 فبراير ٢٠٢٢ ، والان تعود الي الأمال والاحلام بأن أري مصر تنظم الاولمبياد الصيفية ٢٠٣٦ .

الجمهورية الجديدة والسعي لنيل شرف تنظيم أولمبياد ٢٠٣٦ ؟

مصر التي تمتلك مقومات حضارية وطبيعية وتاريخية وبنية تحتية إضافة الي أنها تتمتع بثقل كبير على كافة الأصعدة ، كما أنه ووفقاً للشهادات الدولية فمن المتوقع للاقتصاد المصري أن يكون ضمن الاقتصادات الرائدة بمنطقة الشرق الأوسط بحلول 2030 مما يجعل مصر في وضع يسمح لها باستقبال الفعاليات الكبرى مثل الاولمبياد .

وقد أعلنت مصر نيتها الترشح لاستضافة أولمبياد 2036 ، خاصة بعد تأكيد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية “توماس باخ”عن رغبته في تنظيم أحدي الدول الأفريقية للألعاب الأولمبية ، خاصة وأنه لم يسبق للقارة الأفريقية القيام بتنظيم الألعاب الأولمبية.

وليس هناك شك في أن القاهرة تعد أنسب مدينة لاستضافة الأولمبياد حال فوز مصر بتنظيمها، فالعاصمة الإدارية الجديدة تضم “مدينة مصر الأولمبية” وسيتم افتتاح ملعب بها يتسع لأكثر من 90 ألف متفرج مما سيجعله مؤهلا للألعاب الأولمبية 2036 إذا نجحت مصر في استضافة ذلك، وبخلاف العاصمة الإدارية فمصر تمتلك بنية تحتية رياضية قوية من بينها استاد القاهرة الدولي بكل ما يضمه من صالات وملاعب للعديد من الألعاب الأولمبية ، وقد شهد الاستاد إنجازات حديثة خلال السنوات القليلة الماضية ومازال التطوير مستمر ، هذا بخلاف ملاعب في العديد من المحافظات في كافة انحاء المعمورة ، إضافة الي ما تشهده مصر من تحسين البنية الأساسية في كافة المجالات .

وقد نجحت مصر خلال السنوات الأخيرة من تنظيم عدد من الأنشطة الرياضية والمؤتمرات الدولية ولعل كان أخرها مؤتمر شباب العالم ٢٠٢٢ .

لذا فعلي المسئولين عن تقديم الملف التحرك بشكل جاد واحترافي حتي ننال شرف تنظيم أولمبياد ٢٠٣٦ وضرورة الاستفادة من تجارب الدول التي استضافت الاولمبياد قبل ذلك ، خاصة وأنه يتم تقديم الملف للجنة الاولمبية الدولية قبل استضافة الدورة بسبع سنوات أي أن هناك وقت كاف لاعداد الملف والاستفادة بالخبراء في هذا الشأن .

وبالعودة الي أولمبياد بكين الشتوية ( فبراير ٢٠٢٢) فالحقيقة التى لا جدال فيها هي أن الصين تُصر على ابهار العالم للمرة الثانية خلال استضافة أولمبياد بكين الشتوية ٢٠٢٢، كما حدث في أولمبياد بكين ٢٠٠٨. ويُعد الشعار الذي أعلنته اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الشتوية ببكين 2022، وهو “معا من أجل مستقبل مشترك”، مستوحى من شعار دورة الألعاب الصيفية 2008 والذي كان عنوانه “عالم واحد، حلم واحد”. ويعكس شعار 2022 التطلعات المشتركة والمصير المشترك لكل دول العالم للانضمام معا لتحقيق مستقبل أفضل.

تجربة الصين ( الانجاز والإعجاز )

بدأت جمهورية الصين الشعبية في إنشاء الملاعب المتخصصة لاستضافة الأولمبياد الشتوية ٢٠٢٢، هذا الحدث الضخم، وكان من أولويات الصين في هذا الملف الحفاظ على البيئة الأيكولوجية، ووضح ذلك جليا خلال مراحل بناء وتجهيز الملاعب والأماكن المخصصة لإقامة اللاعبين المشاركين.

وقد اطلعت على أحدث المطبوعات التي أصدرتها اللجنة المنظمة وكيف تم الاستفادة من تكنولوجيا الـ 5 G. فعلى سبيل المثال لا الحصر، سيتم تغطية كل مناطق المسابقات بشبكة 5G حتى يتم تسهيل مهمة الصحفيين والإعلاميين في تغطية ونقل فعاليات الافتتاح والختام وكافة المباريات على أكمل وجه. كما تم الاستفادة أيضا من هذه التكنولوجيا في عدة مجالات، فنجد أن أسرة الرياضيين التي تم تجهيزها وهي تبدو للوهلة الأولى أسرة عادية، لكنها في الحقيقة تم تزويدها بالتقنيات التكنولوجية الحديثة التي تمكنها من التعرف على أفضل وضع لراحة جسم اللاعب أثناء النوم وتعود إليه تلقائيا بمجرد استلقاء الشخص على سريره في المرات الأخرى، كما يمكن للأسرة قياس ضغط الدم ونبضات القلب ودرجات الحرارة .

تم تجهيز عدة مناطق لاستضافة منافسات الدورة، فهناك ثلاثة مناطق رئيسية وهي: “يانتشيغ” “إحدى ضواحي بكين” و”تاي تزه تشانج” و”جانج جياه كوه” بمقاطعة “خي باي” المجاورة للعاصمة الصينية بكين، ورغم كل الصعوبات التي فرضتها جائحة كوفيد -19، فقد نجحت الصين في تشييد مدينة أولمبية متكاملة الخدمات في منطقة “تاي تزه تشانج”، التي لم تكن سوى منطقة جبلية لا يقطنها أحد ولا يوجد بها ماء ولا كهرباء، ما مثل صعوبة كبيرة في بداية مراحل التشييد في تلك المنطقة. وتضم منطقة “تاي تزه تشانج” منطقة تجارية للتسوق ومنطقة الملاعب وقاعة مؤتمرات تتسع لأكثر من 3 آلاف شخص ومجمعات لإقامة الرياضيين المشاركين وساحة لتكريم الفائزين ومركز إعلامي وصحفي كبير، مما يجعلها بحق مدينة أولمبية متكاملة.

الأولمبياد والحفاظ على البيئة

سعت اللجنة المنظمة للأولمبياد الشتوية بكين ٢٠٢٢ للحفاظ على البيئة الطبيعية للمنطقة، حيث كانت الكثير من الحيوانات البرية الأليفة والطيور تعيش في منطقة “تاي تزه تشانج” الجبلية، وحرصت بكين على عدم التأثير بالسلب على معيشة تلك الحيوانات والطيور. كما تم استخدام مواد البناء القابلة للتجدد وتم البناء وفقا لظروف التضاريس المحلية، مما قلل التأثير السلبي على المجاري المائية والنباتات في الجبال. كما تم بناء نظام تنقية مياه الثلوج والأمطار، ومعدات توليد الكهرباء باستخدام طاقة الرياح والشمس وغيرهما من مصادر الطاقة المتجددة. وبذلك يكون مركز التزلج الوطني منشأة رياضية نموذجية في التنمية المستدامة في الصين والعالم.

في الحقيقة تُعد استضافة الصين للألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية 2022 فرصة هامة لتقديم حكمة بكين في الابتكار واستخدام التقنيات الحديثة والاستفادة من التراث الأولمبي وتعزيز الصداقة بين مختلف دول العالم .

كم كنت أتمنى أن أكون ضمن الإعلاميين المشاركين في الأولمبياد الشتوية ببكين، لأري ما ستقدمه الصين للعالم من إبهار واعجاز جديد ، خاصة وأن بكين بتنظيم هذه الدورة الشتوية ستكون أول مدينة تستضيف دورة ألعاب شتوية وصيفية، أتوقع أن يشاهد العالم ما لم يشاهده من قبل في دورات الألعاب الأولمبية، من حيث التنظيم والترتيب واستخدام تكنولوجيا الـ 5G ، وستثبت الصين للعالم أجمع من جديد أن الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني قادر على تخطي كل الصعاب، خاصة وأن تنظيم الأولمبياد يأتي في ظل ما يعانيه العالم من جائحة كورونا. ولا شك في أن ما ستُظهره الصين خلال فعاليات دورتي بكين للألعاب الأولمبية الشتوية والألعاب الأولمبية الشتوية البارالمبية سيكون درسا ونموذجا تتعلم منه الدول ( لعلنا نتعلم ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى