الموقعتحقيقات وتقارير

حكاية صعيدية رفضت الثأر لنجلها فحافظت على أرواح العشرات

كتبت – منة وهبه

يعرف الصعيد بعاداته الراسخة على مر الزمان، والتي من الصعب اقتلاعها من أذهان وعقول أبنائه، على الرغم من ما تمثله بعضها من أزمات مثل الثأر، الذي عرف على أنه السبب في إزهاق أرواح الآلاف بشكل سنوي.

لكن هناك سيدات من الصعيد تمكنّ من وقف نزيف الدماء، بالابتعاد عن دائرة الثأر المغلقة التي يدور بداخلها أفراد بعض العائلات دون توقف، ومنهن أماني ماهر أحمد أبو سحلي، محامية من صعيد البلاد، قالت إنه كان يوجد خصومة ثأرية بين عائلتها وعائلة أخرى فى قرية تابعة لمركز فرشوط بأسيوط منذ أيام الانفلات الأمنى أبان ثورة 25 يناير.

نرشح لك: عضو هيئة كبار العلماء لـ«الموقع»: الثأر بدعة جاهلية ومحرم شرعا

وتابعت في حديثها لـ«الموقع»: احتدم الشباب من الطرفين وزاد الخلاف والاشتبكات وسقط أول قتيل، مشيرة إلى أن هذا الوقت كانت مراكز الشرطة وأقسامها لا تعمل ولا يوجد فيها أحد نتيجة للأحداث والانفلات الأمني، مؤكدة أن الأسلحة كانت موجودة في الشوارع والأسواق لدرجة أن المدارس أغلقت والمصالح الحكومية ، وسادت البلاد حالة من حرب الشوارع والعنف مع أعداد كبيرة جدا من الشباب، لافتة إلى أنه في هذا اليوم بعد ساعتين من سقوط القتيل الأول سقط أخر.

وأضافت “أماني” فى تصريحات لـ«الموقع» أن الوضع كان سىء جدا في المركز، متابعة أنها من ناحيتها بالتعاون مع الجهات الأمنية ولجنة من الأزهر الشريف حاولت مرارا وتكرارا عقد جلسات للصلح بين الطرفين فى المركز ولكن دون جدوي ولا أحد يريد الصلح والكل يريد أخذ الثأر، موضحة ان لجان الأزهر والأجهزة الامنية فشلت فى التهدئة بين العائلتين.

وتابعت فى صوت حزين أنه فى أحد الأيام خلال ذهاب “نجلي محمد ” إلى المدرسة فى السابعة والنصف صباحا وبعد خروجه بوقت قليل سمعنا إطلاق نار مكثف، وبعدها جاء اتصال هاتفي من أحد زملائه لوالده بأن محمد أصيب وذهب إلى المستشفى وبعد وصوله المستشفى بلحظات توفى إلى رحمة الله، على الرغم أن الثأر في تقاليد الصعيد لا يؤخذ من إمراة أو طفل أو شيخ كبير السن.

نرشح لك: 17 قتيل بسبب كارت شحن.. «الموقع» يرصد أبشع حوادث الثأر في صعيد مصر

وأردفت “ولكن هؤلاء لا يتمتعون بأخلاق على حد قولها”، مشيرة إلى أن بعد عملية دفن “محمد” جاء شباب ورجال العائلة والأقارب ومعهم العديد من الأسلحة فى نية للأخذ بالثأر لمحمد من العائلة الأخرى، وهنا وقفت وقفة ورفضت هذا الأمر.

حيث قالت: وماذا بعد قتل 3 أو 4 أفراد من العائلة الأخرى؟ لن ينتهى سلسال الدم فى البلد”، وسنظل فى دائرة مفرغة”، متابعة أنها قررت أن يتم وقف نزيف الدم عند عائلتي ولن نأخذ بالثأر وسط غضب واستياء من الأهالب والأقارب”.

وأردفت أنه بعد الوفاة بأيام قررت الذهاب إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العُمرة، بالزى الأسود وذلك مخالفا للأهالي والأقارب الذين يجدون أن ذهابي إلى العمرة بمثابة “فرح، وسرور” ولكن كان ذهابي إلى الأماكن المقدسة للدعاء إلى المولى سبحانه وتعالى أن “يثبتنى على هذا الأمر ويصبرنى على فقدان ولدي”، وعند الطواف بالكعبة شاهدت ولدي بزى أبيض وعليه علامات الفرحة والبهجة وهنا اعتبرتها بمثابة إشارة أو رسالة أن ما نقوم به من وقف نزيف الدم أمر سليم وفى الطريق الصحيح.

وتضيف أنه بعد العودة من العمرة، طلبت من الأقارب والأهل انه لا يوجد ثأر وتم عمل صلح فى استاد قنا الرياضي شهده الآلاف من المواطنين والشباب والكبار والأطفال من كافة قرى ومراكز المحافظة، متابعة أنها بدأت فى الذهاب إلى العائلات التى يوجد بينها عمليات ثأر في المركز والقرى المجاورة والتحدث معهم عن فضل التسامح ومخاطر الثأر وحرمة قتل النفس، خاصة أن من يؤخذ منهم الثأر أبرياء والقاتل يعيش وسط أهله وأقاربه ويمارس حياته بشكل طبيعي وهذا أمر غريب”.

وكشفت تفاصيل عن المبادرة الجديدة والجمعية الأهلية التى أنشأتها من أجل “صعيد بدون ثأر” للحد من عمليات الثأر فى محافظة قنا ومراكزها وحفظ أرواح العشرات من الشباب التي تزهق نتيجة للثقافة المتوارثة منذ سنوات طويلة، مشيرة إلى أن الجمعية تم تفعيلها وتشهيرها رسميًا تحت وزارة التضامن الاجتماعي تحت اسم “نبراس الخير” من أهدافها لجنة المصالحات النسائية “صعيد بلا ثأر” وتم ضم المصالحات لهذه الجمعية، وهناك ممثلين عن الأزهر الشريف، والكنيسة في الجمعية، بالإضافة إلى عضو مجلس النواب عن محافظة قنا، عميد كلية الإعلام، سيدات أعمال فاعلة في المجتمع وممثلين من المجلس القومي للمرأة في عضوية الجمعية، بالاضافة إلى ممثل عن وزارة الأوقاف أيضا.

وأكدت أنها نظمت ندوات ثقافية ومحاضرات في عدد من المراكز التعليمية والجامعات لتوعية المجتمع وأهالي محافظة قنا عن مخاطر الثأر الرد على كافة الأسئلة المتعلقة بعمليات الثأر،بالتعاون مع أساتذة الجامعة والمثقفين والعلماء من الأوقاف والتربية والتعليم للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، وحث الناس على الصلح والتسامح فيما بينهم، متابعة أن مازالت ثقافة الثأر فى محافظات الصعيد موجودة وتحتاج جهود العلماء ومشايخ الأزهر والأوقاف بالتعاون مع الكنيسة والجامعات لتغييرهذه الثقافة.

وطالبت أماني الحكومة والقطاع الخاص بالنظر إلى محافظات الصعيد وإنشاء مشاريع ومصانع وشركات لتوفير فرص عمل للشباب، مؤكدة أن هناك زيادة فى حجم البطالة بالوجه القبلي ، خاصة أن معظم المشكلات وعمليات الثأر تأتى نتيجة لمناوشات ومشادات صغية بين الشباب على المقاهى ثم تتحول إلى معارك ومشاجرات بالأسلحة بعد تدخل الأقارب والأهل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى