أراء ومقالاتالموقع

عبدالله العربي يكتب لـ”الموقع” عن اشكاليات البعد الديني في أدب نجيب محفوظ – أولاد حارتنا بين التفكير والتكفير

لم يحظي كاتب بهذا القدر من الجدل المثار حوله وحول كتاباته قدر ما عاني منه نجيب محفوظ , ذلك الجدل الذي وصل إلي حد التكفير , لاسيما بعد محاولة اغتياله في أكتوبر عام 1995 بطعنه في عنقه على يد شابين قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل “أولاد حارتنا” والتي بدأ نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام ابتداء من 21 سبتمبر 1950 حتى توقف في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية بدعوى تطاوله على الذات الإلهية , والأصل في المشكلة أن روايات نجيب محفوظ تلغي أي فصل بين الدين والأدب بل تشهد أن تلازم الموضوع الديني والإبداع الأدبي ينتج جمالية أدبية متميزة .

وتلعب روايات نجيب محفوظ وقصصه دورا هاما في التمثيل الرمزي للأديان داخل كتاباته , ولا شك أن رواية أولاد حارتنا لها النصيب الأكبر من هذا التمثيل الرمزي الذي بدأه نجيب محفوظ في القصة القصيرة (زعبلاوى) فاشتباك نجيب محفوظ مع وجود الله والبحث عنه أمر أوضح من أي رمز آخر، فتحكي الرواية عن بطل يحاول أن يجد الشيخ الزعبلاوي طوال رحلته ليتأكد من انه على حق في رمزية جلية عن البحث عن الله في رحلة بشرية تتأرجح بين الشك واليقين.. يختتمها بقول البطل “حسبي أنني تأكدت من وجود زعبلاوي، بل ومن عطفه عليّ مما يبشر باستعداده لمداواتي إذا تم اللقاء ” لفلسفة الدين في أدب نجيب محفوظ حيز كبير فتمثلت في روايته “الشحاذ”. ففي روايته الشحاذ يسوق لنا أديبنا العالمي تجربة دينية عميقة تدخل في أعقد صراع داخل النفس الإنسانية بحثاً عن المعنى من الوجود والسعادة الحقيقية ودور الله كهدف لكل ذلك العبث المعاش في قصة البطل “عمر” ، ويلخص مشواره الشاق في البحث عن الله بقوله “لعل سر شقائي أنني ابحث عن معادلة بلا تأهيل علمي”.

ورواية أولاد حارتنا تصور الرواية شيخا هو “الجبلاوي” له قصر كبير، وأبناء كثر، ووقف ضخم يديره في الحارة. قرر في لحظة استثنائية أن يعهد بإدارة الوقف إلى أحد أبنائه، فاختار أصغرهم وهو أدهم.

أزعج هذا الاختيار ابنا آخر هو إدريس الذي أعلن رفضه، ووقف متحديا أباه، فطرده أبوه من القصر ملعونا، كما طلب من ابنه “أدهم” أن يسكن في الحارة بعيدا عن القصر بعد أن عصا أحد أوامره. الصراع بين أدهم وإدريس يشتد في الحارة إلى أن يموت الاثنان، ويمتد الصراع بين أبنائهما.

بعد زمن يتولى أمور الحارة بعض أصحاب القوى الذين يظلمون الناس ويدعون أنهم مكلفون من الجبلاوي بإدارة الوقف إلى أن يجيء “جبل” فيواجه الظالمين ويحاول أن يأخذ حق الناس، ينتصر “جبل” ويدير الحارة، ويحقق العدل، ثم يموت، ليأتي أبناؤه بعده، لينسى الناس سيرة جبل تدريجا، وتعود الحارة إلى سيرتها الأولى.

ثم يظهر رفاعة الذي يخبر الناس أن “الجبلاوي” قد اختاره لإدارة الوقف، وتوزيع ريعه على الناس بالتساوي، ولا يستطيع “رفاعة تحقيق ذلك، لكن أتباعه ينجحون فيما فشل هو، ويتكرر مع أتباع “رفاعة” ما حدث مع أبناء “جبل”، لتعود الحارة إلى سيرتها الأولى، ثم يظهر قاسم الذي يقول أيضا إن الجبلاوي قد كلفه بإدارة الوقف.

يكرر قاسم ما قام به جبل ورفاعة من قبله، ويموت لتعود الحارة إلى ما كانت عليه. في النهاية يأتي “عرفة” إلى الحارة بحيل وأعاجيب كثيرة، ثم يقتل الجبلاوي حين رآه يدخل القصر محاولا أن يسرق وصيته , تبدو الرواية محاكاة مجازية لقصة الخلق كما روتها الديانات الإبراهيمية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام. وقد استهل بها محفوظ قلقا فكريا حول الكون ظل مسيطرا عليه في كثير من أعماله .

لذا فنتج من ذلك الأثر الديني عند نجيب محفوظ حالة من الجدل الواسع بين مؤيد يعتبر أن كتابات محفوظ هي امتداد للعولمة الثقافية داعيا إلي حرية الفكر والإبداع , ومعارض يرفض التمثيل الديني ويصل به إلي حد التكفير ….

وتتلخص المشكلة فى وجود إشكاليات فى البعد الدينى فى أدب نجيب محفوظ وعلي رأسها رواية أولاد حارتنا لدى علماء الدين والسياسة أدت إلى وقف تداول هذه الرواية المهمة فى تاريخ الأدب المصرى. الذي يعتبرها بعض النقاد والمثقفين أنها محور تغيير في مسار الرواية العربية من نشأتها .

واذ تكمن أهمية الدراسة في محاولة فك الاشتباك القائم حول كتابات نجيب محفوظ من جهة والوصول إلي استنتاجات تساهم في إثراء الأدب العربي , إضافة إلي الفكر , والثقافة العربية عموما , تلك التي عانت من اضمحلال وجمود فكري علي مدار عقود عدة .

ومن جهة أخري فان نجيب محفوظ هو المصري الوحيد الحاصل علي أعلي جائزة في العالم وهي جائزة نوبل في الأدب فكان ينبغي أن نلقي الضوء علي محور من أهم محاور أدبه وهو البعد الديني . الذي شكل مرتكزا أساسيا في كتاباته .

الجانب الثالث يتمثل في كون حالة التكفير والرفض التي عانت منها كتابات محفوظ بالنسبة للأوساط الدينية تمثل حاجزا يقف أمام انتشار العولمة الفكرية والثقافية التي تمثل في مفهموها العام إطلاق العنان للمواهب والإبداع والابتكار، وتقضي على السُبل التقليديّة للتفكير .

إن رواية أولاد حارتنا للكاتب نجيب محفوظ لقت ما لم تلقه أي رواية عربية أخري من انتقاد لاذع فكان ينبغي دراسة الأبعاد الدينية والاجتماعية في تلك الرواية من الوجهتين المؤيدة والمعارضة علي حد سواء إذ يعتبر الباحثون أن الرواية تعد شاهدا علي التحولات العاصفة التي جرت علي مدي نصف قرن من الزمان في الساحة الأدبية المصرية .

لقد تواجه كلا من رجال الدين في صورته المحافظة الراديكالية أمام عدد من المفكرين والكتاب الأمر الذي وصل إلي حدود اتهامات بالرجعية من جانب واتهامات بالكفر من جانب آخر وكان ينبغي دراسة تلك العوامل في صورة بحثية تصل إلي نقطة فهم نرتكز عليها ونعتبرها منهجا نسير عليه في ما هو قادم .

حيث نشرت عدة دراسات وأبحاث عن البعد الديني عند نجيب محفوظ بشكل عام ورواية أولاد حارتنا بشكل خاص كان من أبرزها :-

دراسة للباحث هادي رزاق الخزرجى, الباحث بجامعة الكوفة وكانت بعنوان (قراءة نقدية لرواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ) الذي كان من نتائجه اعتبار أن الرواية بها رمزية واضحة إلي الأديان والمعتقدات واعتبرها تمثل جرأة سافرة علي الأنبياء والذات الإلهية وكانت توصياته بعدم النشر أو الطباعة .

كتاب ( نموذج الشخصية الدينية عند نجيب محفوظ ) للدكتور محمد علي سلامة , الذي كانت نتائجه تتمثل في اعتبار فكر نجيب محفوظ هو فكر خال تماما من الاتهامات التي وجهت إليه أنه فكر يدعو إلي إسقاط الدين أو تشويه رموزه , باعتبار أن الرواية هي عمل أدبي ينبغي قراءته قراءة أدبية نقدية ليست دينية , ومن توصياته السماح للكتاب بالنشر والانتشار .

كتاب ( رواية أولاد حارتنا في ميزان النقد الديني ) للدكتور عبدا لمنعم فؤاد محمد , الذي لم يختلف في توصيفه للرواية كثيرا عن الباحث هادي رزاق الخزرجى إذ اعتبر أن الرواية تمثل اعتداء علي الدين وتعتبر انتقاصا من قدره وطالب بمنع نشرها . دراسة للدكتور الطاهر أحمد مكي بعنوان ( تفسير الرموز الدينية في رواية أولاد حارتنا) التي حاول فيها تفسير تلك الرموز في صورة مختلفة عن الصورة التي ارتبطت بأذهان القراء .

واعتبر أن نتائج كتابته تتوصل إلي أن الرواية عمل لا يعادي الدين ولا يعتبره دعوي إلي الكفر أو الإلحاد وإنما هو عمل متميز بصورته الأدبية .
اولا الآراء المعارضة للرواية :

يتجه بعض المفكرين وبعض علماء الدين اتجاها معارضا تماما للرواية بصورة خاصة وللاتجاه الديني في أدب نجيب محفوظ بصورة عامة , وكان أول من واجه رواية أولاد حارتنا من الأزهر الشريف ثلاثة علماء من كبار علماء الأزهر هم الشيخ محمد الغزالي والشيخ احمد الشرباصي والشيخ محمد أبو زهرة , الذين أوصوا برفض الرواية رفضا تاما وأوصوا بمنعها من النشر ووقف نشرها في جريدة الأهرام .

وسار علي دربهم الدكتور عبدالعظيم إبراهيم المطعني رافضا لمنهج نجيب محفوظ في أدبه يقول : “إن هذه الرواية تترجم في وضوح أن كاتبها ساعة كتبها كان زاهدا في الدين كل الزهد , معرضا عنه كل الإعراض , ضائقا به صدره أعجميا به لسانه , فراح يشفي نفسه الثائرة ويعبر عن أرائه في وحي الله الأمين بهذه الأساليب الرمزية الماكرة , والحيل التعبيرية الغادرة , رافعا من شأن العلم الحديث واثقا فيه كل الثقة حتي أجلسه علي عرش الديان مناصرا للعلمانية الجاهلة ”

هذا الاتجاه المعارض للرواية أخذ في بدايته مراحل المنع والرفض والإدانة ومن ثم تم تشكيل لجنة من علماء الأزهر الشريف بناء علي توجيهات الرئيس جمال عبدالناصر الذي طلب من علماء الأزهر أن يبحثوا فحوي هذه الرواية وما ينبغي فعله تجاهها وبالفعل تشكلت اللجنة برئاسة الشيخ محمد الغزالي وأصدرت تقريرين كانت نتائجهما رفضها للرواية معللة ذلك بأن القصة تعد من القصص الرمزي وتناولت تاريخ البشرية ابتداء من ادم وما وقع له ولابنيه وبعثة الرسل موسي وعيسي ومحمد إلي وقتنا هذا .

ثانيا الآراء المؤيدة للرواية :
يعتبر بعض الكتاب والمثقفين أن نجيب محفوظ انشغل بأسئلة الكون الكبرى: من أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ ما الذي يحدث لنا فيما بين المجئ والذهاب؟ ما الدور الذي يؤديه الدين في حياتنا؟ وماذا يفعل الأنبياء معنا وبنا؟ ما القدر؟ وكيف يمارس سطوته علينا؟ ماذا تفعل بنا الدنيا؟ وماذا نفعل معها؟ كل هذه أسئلة كانت هاجس محفوظ الأساسي في (أولاد حارتنا)
وعلي هذا النحو تبدو روايات نجيب محفوظ واضحة في البناء الروائي الذي اختاره من بداية كتاباته وبالأخص في رواية أولاد حارتنا فقد بني حكايات الرواية بناء موازيا لقصص الأنبياء والرسل واختار أسماء مشابهة إلي حد كبير في ذلك .

ووفق السمات المشهورة لهم , أو وفق المشابهة الصوتية لاسم النبي كما حدث مع اسم أدم فسماه ادهم , التوازي الواضح بين الحكايتين أشد وضوحا من غيرها من الحكايات التي اهتمت بمعضلات كونية أخري , وقد بني محفوظ روايته وهو يدرك أن المتلقي لن يجد عناء في اكتشاف نقاط التشابه بين العالم الحقيقي كما ترويه الأديان وبين العالم الذي تخيله وخطط له الكاتب في روايته

إن روائيا متمكنا من أدواته مثل محفوظ لا يقدم على هذه المغامرة دون إدراك لما يفعل، ودون أن تكون هناك أسئلة يحاول البحث عن إجابات لها من خلال التأمل في تاريخ الأديان. إن المعضلة في “أولاد حارتنا” أن قارئها المسلم أو المسيحي أو اليهودي سيظل دائما في أثناء قراءته لها عاقدا مقارنة بين ما قرأه في قصص الأنبياء وصراعهم مع قوى الشر، وبين ما يعرض له محفوظ، فنقاط التماس بين البناء الروائي والأحداث التي تقع داخله لأولاد حارتنا، وبين قصص الأنبياء كثيرة.

وقد ترتب على ذلك أن كثيرا من أحداث الرواية متوقع والنهايات معروفة، لكننا – من ناحية أخرى – ندرك في الرواية مثلا أننا أمام أدهم وليس آدم، وقدري وليس قابيل، وهمام وليس هابيل، وإدريس وليس إبليس، وأن الصراع الذي يدور بين هذه الأطراف هو صراع روائي أبدعه محفوظ، وخطط له، صراع متخيل لم يحدث في الواقع، وأن ما حدث في الواقع لم يكن هكذا، ولم يكن أيضا بهذه الأسماء.

إذا تجاوزت إشكالية التوازي بين الحقيقة الدينية والخيال الروائي، يمكن أن تعبر إلى ما وراءها لتكتشف العالم الفكري لمحفوظ والقلق الوجودي الذي دفعه لكتابة هذا العمل، ولتتأمل اللغة المحكمة التي صاغ بها روايته، وتستمتع بخيال شرقي جعل “أولاد حارتنا” أحد الأسباب المهمة في حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل .

لم يستطع الذين قرؤوا الرواية قراءة أيديولوجية تجاوز هذه الإشكالية، بل إنهم لم ينشغلوا كثيرا بما وراءها.

ولو كان هؤلاء قلة، لما أصبح للرواية هذا الحضور المهيمن. لكنهم كانوا كثر لدرجة أن النقاش حول “أولاد حارتنا” تجاوز المؤسسات الأكاديمية المعنية بالأدب إلى المساجد والمنتديات وكان هذا أمرا مثيرا للدهشة، فالأمية تبلغ في المجتمع المصري 40%، والأدب ليس له سوق رائجة في هذا المجتمع ؛ كما أن روايات نجيب محفوظ توزع حوالى أربع آلاف(4000) نسخة على أكثر تقدير على مدى عامين في العالم العربي كله. فما الذي جعل للرواية كل هذا الحضور المهيمن؟ إنه الدين لا غير.

قاد رجال الدين الهجوم على الرواية وعلى نجيب محفوظ شخصيا منذ عام 1959 وحتى الآن. وكان مبررهم أن الرواية تشخص الإله والأنبياء، وتصورهم تصويرا مزريا. التشخيص أو التجسيد ليسا جزءا من التراث الإسلامي، فالإسلام – كما يرى الأصوليون – يحرم التماثيل والصور التي تحتوي على أشخاص، بل إن التحريم يمتد إلى فن التمثيل نفسه.

لذلك لم تستطع الذائقة الأصولية استيعاب أن الأدب له قوانينه الخاصة، وأن التجسيد المفترض هنا لا يعني أن الله موجود بذاته في الرواية. لكن هذا لم يكن مهماً، فتأثير الدعاة ذوي الطلاقة اللفظية لا يجاريه أي تأثير آخر: عقلاني أو نقدي.

وكان غريبا أن يؤلب هؤلاء الدعاة جمهورا أميا على رجل لم يقرؤوا له حرفا واحدا. لكن الأغرب أن كثيرا من هؤلاء الدعاة هاجموا الرواية دون أن يقرؤوها .

وفي هذا الصدد أصدر عدد من الكتاب والمثقفين المصريين بياناً يعلنون فيه رفضهم منع الرواية من النشر ويدعون إلي نشرها باعتبارها رواية فنية في المقام الأول وليست نص ديني وكان نص البيان :-

” مر اليوم , أكثر من ثلاثين عاماً علي مصادرة رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) بناءً علي توصية من الأزهر الشريف ونحن الموقعين علي هذا البيان من المثقفين والكتاب المصرين نهيب بالجهات المختصة إنهاء الحظر علي هذه الرواية الكبيرة التي كانت من عوامل فوز صاحبها بجائزة نوبل.

وتنطلق مطالبتنا هذه من تأكيد حرية الرأي والإبداع والاعتقاد التي يكفلها الدستور الذي نعيش جميعا في ظله ومن المحافظة علي قدسية الدين وجلاله بدون تدخل رجاله في المجالات المعرفية الأخرى

كما أن هذه المصادرة لم تمنع محظوراً فالرواية رغم منعها في مصر والبلاد العربية إلا أنها مقرؤة ولم يصب الدين الحنيف بسوء من جراء قراءتها وإنما تصاب سمعته بالضرر من جراء تدخل المؤسسات المنتسبة إليه بمنع الأعمال الأدبية التي يتداولها العالم بينما هي محظورة في مجتمعها الأول.

إن مصادرة الأزهر للإبداع لا يعني تضييقاً علي الإبداع فقط بل يعد تضييقاً علي الدين نفسه هذا الذي سمح باختلاف الرأي وبحرية الإبداع والعقيدة.

والحاصل أن مثل هذه المصادرات هي التي تساهم في تشكيل مناخ التكفير الذي تستشري فيه الاتجاهات المتطرفة التي تصيب بعنفها الجميع من المبدعين والمسئولين ورجال الدين المعتدلين أنفسهم الذين يعد كتاب فتوى مصادرة الرواية علي رأسهم .

وننطلق أخيرا من واجب التكريم الحقيقي لهذه الأديب الذي رفع اسم مصر عالياً ورفع الأدب المصري والعربي ولغة الضاد إلي مكانة كبيرة بين آداب ولغات الأمم الحية إذ يقتضينا هذا الواجب أن نرد له بعض الفضل في الإفراج عن اكبر رواياته وهو علي قيد الحياة حتى لا ينتهي مشواره المعطاء وهو يشعر بان بلده قد قابلت إحسانه بالإساءة لذلك فإننا نتوجه بنداء إلي رئيس الجمهورية والي مجلس الشعب والأزهر الشريف ولجنة الفتوى به إلي الهيئات الدينية المستنيرة والهيئات القانونية والي وزارة الداخلية والرأي العام المصري من أجل الإفراج عن هذه الرواية الحافلة بالفن الجميل والتي ينبغي قراءتها قراءة فنية نقدية لا عقائدية دينية.

حتى نرفع عن جبين الثقافة المصرية والديمقراطية المصرية وعن جبين الأزهر الشريف الذي كان ولابد أن يظل منارة للاستنارة والعصرية هذه الندبة المحرجة ”
ومن الموقعين علي البيان :
نصر حامد أبو زيد , أستاذ بجامعة القاهرة
لطيفة الزيات , أستاذ بجامعة عين شمس
محمد عصفور , الكاتب والمفكر
ليلي الشربيني , باحثة بجامعة القاهرة
ليلي عبد الوهاب , أستاذ علم الاجتماع
لطفي واكد , عضو مجلس الشعب
منتصر القشاش , كاتب روائي
جابر عصفور , وزير الثقافة الأسبق
ثالثا رد الفعل السياسي تجاه الرواية :-

كتبت الرواية عام 1958 م , أي في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر المعروفة بمعادته التامة لتيار الإسلام السياسي الراديكالي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين , وبعض الجماعات الإسلامية , ففعلت الرواية بنظام الرئيس عبدالناصر اهتزاز كبير لدي الشارع المصري حيث أن الخطاب السياسي للنظام كان يعتمد بالأساس علي معادة التنظيمات الإسلامية السياسية وليس الإسلام أو بالأحري معاداة التيار الإسلامي السياسي وليس الدين , والدين في مفهوم النظام السياسي آن ذاك كان متمثل في الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية باعتبارهما جهتين رسميتين منوط من خلالهما بإخراج الافتاءات والبيانات الدينية.

وفي حالة رواية أولاد حارتنا وقفت في وجه نجيب محفوظ كلا المؤسستين الدينيتين إضافة إلي التيار الإسلامي الراديكالي باختلاف توجه التيارين في مواجهة الرواية بين معارض للنشر ومؤيد للتكفير.

بين وجهات النظر المختلفة المعادية للرواية وقف النظام السياسي المصري وقتها في حيرة ولم يستطع أن يتخذ قرارا فهل يميل إلي السماح بتداول ونشر الرواية في استمرار لسياسيات حرية الإبداع والفكر أم يتخذ موقف رافض للرواية ويميل إلي اتجاه التيار الإسلامي الراديكالي , في وسط هذا الزحام الفكري قرر النظام السياسي وعلي رأسه الرئيس جمال عبد الناصر أن يرسل مدير مكتبه (حسن صبري الخولي) إلي نجيب محفوظ ويطلب منه نشر الرواية لكن خارج مصر , وبالفعل وافق محفوظ علي طلب الرئيس عبد الناصر ونشرها بالخارج في دار الأدب بلبنان وحثي الآن ظلت الرواية ممنوعة من النشر
هذا الموقف يوضح موقف نجيب محفوظ الذي اعتاده طيلة حياته الأدبية وهي رفض الدخول في أزمات مع المجتمع , والدين , والسلطة ..

يقول الدكتور حلمي النمنم وزير الثقافة المصري الأسبق في هذا السياق “كان عبد الناصر يريد أن يرسل إلي الشارع المصري والمواطن البسيط رسالة فحواها أنه يعادي التيار الديني المتشدد ولا يعادي الدين ولن يستطيع أن يفتح الباب للحرية الفكرية في مواجهة الدين علي أية حال”

وعلي اي حال فان رواية أولاد حارتنا عمل أدبي متميز , لا يمس الدين ولا ينقص من قدره حيث أن الرواية في قراءتها الأدبية تتجه اتجاها واضحا نحو تحكيم العقل واعتبار أن الدين والعلم وجهان لعملة واحدة ولا أصل للحياة ولا للدين بدون بعد علمي , ولا أصل للعلم بدون بعد ديني

ولا شك أن الرواية لا تدعو إلي الكفر أو الإلحاد أو الخروج عن الملة وإنما هي عمل أدبي يحاكي قصة الخلق والأنبياء في صورة روائية , وليست كتاب مقدس .

اخيرا فإن سبب أساسي من أسباب الضجة القائمة حول الرواية كانت لها بعد سياسي قائم علي تعمد النظام السياسي المصري حينها محاولة إثبات أن النظام لا يعادي الدين وأنه يؤيد قرارات الجهات الدينية الرسمية الرافضة لنشر الرواية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى