الموقعتحقيقات وتقارير

المسحراتي.. 12 قرنا من «الدق على الطبول» مُهدد بالاختفاء

كتب: إسلام أبوخطوة

الساعة تدق الثانية بعد منتصف الليل، يترجل في الشوارع حاملاً في يده طبلة صغيرة وعصا من الجلد، ينقر عليها صائحا بصوت مرتفع «اصحى يا نايم وحّد الدايم، وقول ونويت بكرة اتحييت».. هكذا هو المسحراتي.

يعود تاريخ المسحراتي إلى بلال بن رباح، أول مؤذن في الإسلام، واعتاد أن يخرج قبل صلاة الفجر بصحبة ابن أم كلثوم، ويقومان بإيقاظ المسلمين، كان الأول يطوف بالشوارع والطرقات مؤذنا طوال شهر رمضان الكريم، فيتناول المسلمون السحور، في حين ينادي الثاني، فيمتنع المسلمون عن تناول الطعام.

ما يقرب من 12 قرنا مضى على وظيفة المسحراتي، فكان والي مصر العباسي إسحاق بن عقبة، هو أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في شهر رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور، كان يذهب سائرا على قدميه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، وينادي المسلمين بالسحور.

وبالانتقال إلى عصر الدولة الفاطمية، أمر الحاكم بأمر الله، الناس أن يناموا مبكرا بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا المسلمين للسحور، وقام بتعيين رجلا بعد ذلك للقيام بتلك المهمة، أطلقوا عليه اسم “المسحراتي”، تم اتخاذها من كلمة “سحور”، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا: “يا أهل الله قوموا تسحروا”.

نرشح لك : الجالية المسلمة في أمريكا تبحث عن روحانيات رمضان.. مذابح غزة تحرق قلوبهم

وكادت وظيفة المسحراتي تندثر في المحروسة، إلى أن جاء العصر المملوكي، خاصة في عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، حيث عمل على إحيائها كتراث إسلامي، وعيّن صغار علماء الدين، للدقّ على أبواب البيوت لإيقاظ أهلها للسحور.

ولم يكن التسحير في مصر مقصورا على الرجال بل شاركت فيه النساء، وقد وصف لنا إحداهن الفقيه المؤرخ زين الدين بن الوردي (749 هـ)، قائلا: “عجبت في رمضان من مسحرة، قالت: ولكنها في قولها ابتدعت، تسحروا يا عباد الله؟، قلت لها: كيف السحور؟ وهذي الشمس قد طلعت؟.

ومع التطور التكنولوجي وظهور التليفزيون والراديو، اندثرت مهنة المسحراتي، وفي محاولة لجذب الانتباه إليها، دوّن المسحراتي أسماء كل من يرغب في النداء عليه لإيقاظه، واقتصر ظهور المسحراتي الآن في بعض الأحياء الشعبية، وأصبح مهددا بالانقراض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى