الموقعتحقيقات وتقارير

اللمّة على الأكلة الحلوة.. نوستالجيا زمان.. «الموقع» يرصد متاعب السيدات في الأسواق

كتب: إسلام الأسيوطي

عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحًا تستيقظ «جملات» مُسرعة على تحضير وجبة الإفطار لأبنائها، وتخرج من منزلها الكائن في منطقة إمبابة مستقلة عربية ربع نقل مع بعض السيدات لشارع سليمان جوهر بالدقي.

مع بداية الساعة السابعة تبدأ السيدة الأربعينية يومها الشاق على الرصيف لبيع الخضراوات، ما إن تقترب منها تجد سنوات الشقاء رسمت ملامح وجهها.. ابتسامة صافية تحاول بها أن تلفت أنظار المارة والزبائن حتى يكررون العادة بالشراء منها مرة أخرى.

حياة مليئة بالمتاعب وزاد الأمر تفاقمًا مع ارتفاع الأسعار 400% على سعرها منذ 6 أشهر فقط، مأكولات كانت ثابتة على مائدة المأكولات اختفت بعوامل الغلاء.

«يعني إيه جبنة رومي؟».. قالتها «جملات» بسخرية شديدة، مشيرة إلى أن هناك بعض المأكولات لن تدخل منزلها على الإطلاق منها الجبنة الرومي والحلاوة الطحنية والشيبسي وغيرها من الرفاهيات على حسب وصفها.

تستكمل بائعة الخضراوات حديثها وقالت إنها مثل غيرها من السيدات المعيلات يكتفين بشراء المتطلبات الأساسية للمنزل من أكل وشرب، وتابعت: «كنت بجيب كليو اللحمة كل أسبوع دلوقتي بجيبه مره كل شهر وبقضيها فراخ».

تخرج السيدة منديلاً من جيبها وتزيل العرق على جبينها، وتعود حديثها وقالت إنها تقضي قرابة 9 ساعات على الرصيف في شارع سليمان جوهر بالدقي من أجل بعض الجنيهات التي تشتري بهم بعض المتطلبات الأساسية لمنزلها، وتابعت: «عيالي كبار شغالين وبيساعدوني بس الفلوس اللي باخدها يادوب تعيشنا حاف».

تتبعنا خطوات سيدة تترقب في صمت أسعار الخضروات والفاكهة وإذ جلست بشكل مفاجيء على الرصيف، اقتربنا منها لسؤالها عما إذا تعرضت لأزمة صحية، وبسؤالها: «مالك يا حاجة.. محتاجة أي مساعدة؟».

معجزة ربانية

ردت السيدة بصوت ساخر وابتسامتها على وجهها وقالت: «اه يا ابني محتاجة معجزة ربنا على الأسعار دي مش عارفة اشتري حاجة بالـ 100 جنيه اللي معايا».

«عفاف» أم لـ 5 أبناء جميعهم في مراحل تعليمية مختلفة اعتادوا مساعدتها في إجازة الصيف لسد مصاريف المدرسة ومساعدة والدتهم التي بلغت من العمر خمسين عامًا.

قالت «عفاف»: «ايه الزمن اللي 100 جنيه مش عارفه اجيب بيهم خضار ولحمة؟»، تشير إلى أنها كانت تشتري فراخ وخضراوات وفواكهة بـ 100 جنيه عام 2016، واليوم تتجول السيدة لساعات في السوق وتستطلع الأسعار حتى تتدبر الأمر وتعلم ماذا تشتري بـ 100 جنيه.

تشير السيدة الخمسينية إلى أن هناك بعض المأكولات اختفت من على المائدة منها «مرقسية اللحمة» التي كانت طقوس كل يوم خميس.

نرشح لك : تريند «مستشار وزير التموين».. اقتصادي يزف أخبار سارة بشأن السكر «خاص للموقع»

«الأكلة دي دلوقتي عايزة 600 جنيه على الأقل».. تستكمل السيدة إنها تكتفي بشراء الفراخ مرة كل أسبوعين لظروفها الاقتصادية، فضلاً عن اختفاء بعض المأكولات الأخرى مثل المحشي، وتابعت: «جو المحشي ده ذكريات».
الأكلة وسط اللمة.. نوستالجيا زمان

حديث السيدة عن المحشي يدخلنا أجواء النوستالجيا.. تستعيد ذكريات زمان في اللمة على الطبلية وبعض السيدات يجلسن ويتسامرن على لف ورق المحشي، فأين هذه المشاهد من ارتفاع الأسعار؟.

قالت السيدة إنها تجولت في السوق وإذ شعرت بيأس شديد واحباط وهبوط فارادت الجلوس على الرصيف حتى تلتقط أنفاسها بعض الشيء وتحسب ماذا تشتري لمنزلها بحسب الأولويات.

ومن عفاف لبائعة الخضراوات التي قالت إن الزبائن حاليًا يتبعون سياسة شراء القطعة الواحدة مش بالكيلو، واختفت معالم الزبائن الذين يقومون بشراء 3 أو 4 كيلو للمنتج الواحد.

«الزبون من دول يبقى معاه 15 جنيه يقولي عايز يشتري بطاطس وطماطم وفلفل وخيار غيرها».. تستكمل بائعة الخضراوات حديثها وقالت إن السبيل في ذلك شراءه بعض الوحايد من الطاطم والبطاطس وغيرها وجميعهم يزن كيلو.

تصف بائعة الخضراء أحوال المواطنين خلال الفترة الأخيرة وهى من ضمنهم وقالت إن ارتفاع الأسعار المستمر بشكل مبالغ فيه جعلها مثل الكثير من المواطنين تستغني عن بعض الأكلات المحببة لها مثل البامية والملوخية يوم الخميس وتستكفي فقط بالبازنجان والفلفل وتحاول أن تعوض العناصر الغذائية فيهم، وتابعت: «امي زمان كانت بتقولي لما متعرفيش تاكلي لحمة كلي بازنجان علشان فيه حديد كان قلبها حاسس».

«فين بقى اللمة اللي كانت على الطبلية زمان؟».. بشجن شديد قالتها صابرين، سيدة في العقد الخمسين من عمرها وقالت إن مشاغل الحياة ومتاعبها أجبرت الأسرة على طقوس قاسية منها عدم القدرة على الاجتماع في وقت واحد على الطعام، فالجميع في دوامة الحياة ومشاغل العمل.

تستكمل السيدة الخميسينة حديثها وقالت إنها أبنائها الثلاثة يعملون في القطاع الخاص ليلاً ونهارًا ونادرًا ما تتجمع الأسرة في وقت واحد لتناول الطعام.

الأمر لن يتوقف على ذلك بل هناك أكلات اختفت من على مائدتها مثل «مرقسية اللحمة الملزوزة» والتي كانت تشتهر بها السفرة، ولكن مع انشغال الجميع بلقمة العيش ومحاولة الاقتصاد في الطعام اختفت.

«علشان نعمل اكلة اللحمة الملزوزة.. محتاجين الف جنيه».. تستكمل صابرين الحديث وقالت إن كيلو اللحمة وصل لـ 380 جنيه، ومع الخضار وبعض متطلبات الطبيخ وما يكفي عدد الأسرة تصبح الوجبة الواحدة تكلف الف جنيه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى