أراء ومقالاتالموقع

القانونى عصام شيحة يكتب لـ”الموقع” أسبوعيا بعنوان “وقفة تأمل” .. ملاحظات قبل القراءة !

ملاحظات علي السباق الرئاسي الأمريكي، أراها تمهد الطريق صوب فهم صحيح لكثير من ملامح ثقافة المجتمع الأمريكي، يمكن أن نتخذ منها سبيلاً آمناً إلي تحليل تفصيلي لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن من أهم الملفات الدولية، خاصة ما يتعلق منها بمنطقتنا.

تأتي أهمية هذه الملاحظات من كونها كاشفة لطبيعة المجتمع الأمريكي من الداخل، وما يرتبط بأحادية النظام العالمي، وما يمكن أن يعتريه من تغيرات. وكل ذلك لا شك يدعم فهمنا لحقيقة توجهات الدولة الأمريكية علي المستوى الخارجي، خاصة ما يرتبط بالقضايا الداخلة في منظومة الأمن القومى المصري.

من هذه الملاحظات ما يلي:
ــ الاهتمام البالغ بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، جمع بين كافة مكونات النظام العالمي، الأمر الذي يُشير وبقوة إلي أن ظاهرة العولمة ابعد ما تكون عن الزوال من عالمنا المعاصر، وهو عكس ما تروج له بعض الرؤي القاصرة التي وجدت ضالتها في تراجع التجارة الدولية، وتدني مستويات السياحة العالمية، بضغط من جائحة كورونا، هذا فضلاً عن سياسات ترامب، التي ما زالت فاعلة إلي الآن، في تقييد حرية التجارة، وحركة رؤوس الأموال والناس. فضلاً عن سعيه نحو إعادة توطين الشركات الأمريكية الكبري في الداخل الأمريكي، وهي السمة المميزة لظاهرة العولمة.

ــ والواقع أنني أزعم أن جائحة كورونا ما هي إلا أزمة عابرة، ولن تقلل من القناعات الراسخة بحتمية العولمة كظاهرة حاكمة للنظام العالمي المعاصر، بل أنني أري أن الجائحة ستدفع فقط إلي إحداث بعض التغيرات في سلاسل التوريد العالمية، بناء علي حركة تنقلات محدودة في المراكز الصناعية العالمية، وأري كذلك أنها فرصة ينبغي أن تقتنصها الدولة المصرية، استغلالاً لموقعنا الجغرافي المميز في جذب العديد من الصناعات لتتوطن علي أرضنا، وتتمتع بالرؤية الاقتصادية المنفتحة التي تنتهجها مصر حالياً.

ــ أتصور أن المجتمع الأمريكي أكثر تماسكاً من كل الدعاوى التي راجت حوله بدفع من بعض العمليات الفردية التي كست وجه المجتمع الأمريكي بمسحة من العنصرية البغيضة. ولا شك ان الرغبة في مجابهة بعض السياسات الأمريكية غير المرغوبة هو ما حرض علي هذه الأقاويل. لكن نظرة موضوعية تؤكد أن المجتمع الأمريكي متمسك بخصوصياته الفريدة، كمجتمع تأسس علي الهجرة، وارتكز علي التعددية العرقية، وخاض الكثير من الأهوال في سبيل صياغة دولته المدنية علي أسس تتفق وصحيح القيم الأممية الداعية إلي المساواة والتعاون والحرية.

ــ يأخذنا ذلك إلي التأكيد أن السياسة الخارجية الأمريكية لا تُصنع في المؤسسات السياسية فحسب، سواء البيت الأبيض أو الكونجرس أو حتى وزارة الخارجية الأمريكية، بل يُشارك في صنعها أطراف عديدة من بينها مراكز التفكير والبحث، ووسائل الإعلام بكافة أنواعها، ومجتمع الأعمال الضخم، هذا فضلاً عن اللوبيات الفاعلة في الساحة الأمريكية، إلي جانب كل ما من شأنه التأثير في الرأي العام الأمريكي والتعبير عن توجهاته. ولا شك أن في ذلك دلالات قوية علي عمق التجربة الديمقراطية الأمريكية، حيث تتسع دوائر “صناعة” القرار، وهي بالمناسبة غير “دوائر” اتخاذ القرار، وفي ذلك لنا حديث تفصيلي بإذن الله، لتوضيح الفارق بين الطرفين، سواء في الأدوات أو في المناهج العمل، أو حتى في الوظائف المستهدفة.

ــ المهنية، والمسؤولية الوطنية، فرضا علي وسائل الإعلام الأمريكية تناول السباق الرئاسي الأمريكي بموضوعية شديدة. مثال ذلك أن قناة فوكس نيوز، وهي القناة المُفضلة لدى الرئيس ترامب، أعلنت النتائج الأولية التي تُشير بقوة إلي فوز بايدن، وأدركت القناة أن ترامب زائل كأي رئيس، وتبقي الدولة، ويبقي الشعب؛ ومن ثم تبقي الحقيقة مطلوبة في كل الأوقات ودون أدني اعتبار لأي طرف يمكن أن يقلل من مصداقيتها. وكذلك فعلت قنوات أخرى، حيث تم قطع البث المباشر عن حملة ترامب عندما أعلنوا عن وجود تزوير في النتائج دون تقديم ما يُثبت ذلك أمام الرأي العام.

ــ يفيدنا كثيراً إدراك أن السياسة تعبير عن المصالح ولا غير ذلك أبداً، فقد هنأ قادة العالم جو بايدن بمجرد إعلان الإعلام فوزه، رغم تشكيك ترامب وإعلانه اللجوء إلي القضاء للحكم ببطلان العملية الانتخابية لوجود تجاوزات في العملية الانتخابية. ولعل التهنئة اللافتة في هذا الشأن هي التي خرجت من جونسون رئيس وزراء بريطانيا، الحليف الأول للولايات المتحدة. حيث كان جونسون يعتبر نفسه صديقاً مُقرباً من ترامب، ولطالما وصفه الأخير بأنه “ترامب بريطانيا”!. ولست أشك ان هذه التهاني كانت ستنهال علي ترامب من أعداءه ومعارضيه لو كان قد فاز؛ فتلك مسألة محسومة بشدة لصالح الشرعية، ولا يمكن تخطيها تحت أي ضغط من مشاعر إنسانية أو انطباعات خاصة.

ــ لست أشك أن مؤسسة الرئاسة، ووزارة الخارجية المصرية، علي وعي بأهمية وضع سيناريوهات متباينة لمسارات العلاقات المصرية ـ الأمريكية في عهد جو بايدن. وفي ذلك أود التاكيد علي ضيق النظرة التي يروج لها بعض “الخبراء” والتي لا تجد في سياسات بايدن المُقبلة تجاه منطقتنا، وتجاه قضايانا الأساسية، إلا صورة طبق الأصل من سياسات الرئيس السابق أوباما. وهنا أود أن أقول أنه حتى لو استعان بايدن ببعض معاوني أوباما، فليس في ذلك ما يؤكد استمرار نفس السياسات. ذلك أن معطيات كثيرة تغيرت علي الأرض، والإدارة الأمريكية الجديدة لا شك ستدركها، وتستوعب ما بها من مُستجدات، وما لها من دلالات، ومايستتبعها من تداعيات؛ ومن ثم فإن استباق خطوات الإدارة الأمريكية الجديدة بكثير من سوء التقدير أراه لا يصب في صالح الدولة المصرية.

كانت هذه ملاحظات موجزة وسريعة، أستبق بها سلسلة من المقالات المعنية بقراءة عقل الإدارة الأمريكية الجديدة، بها ندرك توجهاتها ومواقفها تجاه أهم الملفات الدولية، خاصة ملفات منطقة الشرق، وعلي ضوئها نستشرف الكثير من ملامح سياساتها في المنطقة، وفرص تنمية العلاقة الإستراتيجية التي تربط مصر والولايات المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى