الموقعخارجي

ويفيد بإيه ياندم.. لماذا يـتذلل أردوغان “ود القاهرة”؟

كتب – أحمد إسماعيل علي

تحاول تركيا أن تتودد إلى مصر بشتى الطرق خلال تلك الآونة، بعد سنين من القطيعة بسبب تحريض أنقرة للمعارضة وعناصر الإخوان الهاربين الذين تستضيفهم وتمد لهم كل أوجه الدعم من أجل مناهضة النظام المصري وزعزعة الاستقرار في البلاد.

ويتناسى الرئيس التركي، رجب أردوغان، كم تسببت سياساته خصوصا منذ 2013، الإطاحة بحكم الإخوان، على الاستقرار في مصر؟، بسبب تحريضه على الإرهاب وبث روح الفتنة والشقاق بين صفوف المصريين، عبر أدوات عميلة خرجت عن نطاق الوطن واتخذت دولة أجنبية معادية ظهيرا لها في مواجهة بني جلدتهم.

والتساؤل هنا: هل ندم أردوغان على سياساته العدائية تجاه مصر وقيادتها؟ أم أن هذا الود مصطنعا من أجل مآرب ومصالح أخرى؟ أي بمعنى تقارب براجماتي نفعي رخيص.

وهناك شك كبير في أن أردوغان ونظامه يتودد لمصر من أجل “المصلحة”، بعد أن صارت ورقة المعارضة المصرية في الخارج غير ذات جدوى، وبعد انتصار مصر على مستوى ملفات عدة على رأسها التقدم المحرز في حل أزمة ليبيا وترتيب المواقف بكفاءة عبر دول شرق المتوسط.

دأبت السياسة الخارجية المصرية في تعزيز علاقاتها مع اليونان وقبرص، وأثرت بقوة في حل الأزمة الليبية، بعد رسائل  الرئيس عبد الفتاح السيسي، فيما يخص “الخط الأحمر”، وهو التحذير الذي كان كافيا لردع التوغل التركي داخل الأراضي الليبية، والبدء في التسوية السياسية بين الشعب الليبي.

كل ذلك كان كفيلا بإعلان إذعان وهزيمة أردوغان وتراجعه عن مواقفه تجاه مصر  وقيادتها، وسعيه الدؤوب اللافت الآن لمد يده مجددا لاستمالة ود القاهرة، ويبقى السؤال لماذا الآن؟ وما المقابل؟ وماذا عن منصات الإخوان والمطلوبين منهم قانونيا؟

الآن تعرف تركيا جيدا من هي مصر، بعد أن كانت “بليدة” في قراءة التاريخ، خلال سنوات المعاداة الفجة والصريحة.

وقد عرفت أن مصر لا تنصاع لضغوط أو مؤامرات خارجية، ومهما طال الزمن فإن من يعادي مصر يأتي ذاعنا لشروطها في النهاية.

في السياق، ردت مصر، مساء أمس الجمعه، على تركيا بشأن “استئناف الاتصالات الدبلوماسية” بين القاهرة وأنقرة.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر رسمي قوله إنه “ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه توصيف “استئناف الاتصالات الدبلوماسية”، بين القاهرة وأنقرة، مضيفا أن “البعثتين الدبلوماسيتين المصرية والتركية موجودتان على مستوى القائم بالأعمال، واللذين يتواصلان مع دولة الاعتماد وفقاً للأعراف الدبلوماسية المتبعة”.

وأكد المصدر أن “الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة ومقتضيات الأمن القومي العربي”.

وأضاف أن مصر “تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”، مشددا في الوقت ذاته على أهمية الأواصر والصلات القوية التي تربط بين شعبي البلدين.

جاء ذلك عقب تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، قال فيها إن “التعاون بين بلاده ومصر في مجالات الاستخبارات والدبلوماسية والاقتصاد مستمر”، مشددا على أن “الصداقة بين الشعبين المصري والتركي، أكبر من العلاقات بين الشعبين المصري واليوناني”.

وجاءت تصريحات أردوغان بعد ساعات من حديث وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو، عن بدء أنقرة اتصالات دبلوماسية مع القاهرة.

وتابع: “لدينا اتصالات مع مصر على مستوى الاستخبارات أو وزارة الخارجية”. قائلا: إن استئناف العلاقات سيتم بخطوات صغيرة وفق استراتيجية معينة.

من جانبه، قال الدكتور خالد علي، الخبير في العلاقات الدولية، لـ“الموقع”، هناك محددات بشأن الحديث عن عودة الاتصالات بين القاهرة وأنقرة خلال هذه الأيام.

وأضاف، أن المحدد الأول، أن تركيا من سعت للتقارب والحوار مع مصر وليس العكس.

وذكر أنه منذ شهور كانت هناك تصريحات من جانب تركيا بضرورة إحداث عملية تفاوضية بشأن المسائل الحدودية في منطقة شرق البحر المتوسط.

وتابع: الاتصالات الجارية حاليا بين القاهرة وأنقرة هي على مستوى أقل من المستويات العليا، وهذا يعني أن القاهرة بحكم أنها لم تطلب هذا التقارب، غير مستعجلة لعودة العلاقات، وقد ترى ضرورة التريث في عودتها وضرورة أن تكون هناك أسس واضحة وثابتة من أجل استئناف تلك العلاقات.

وأكد أن من أهم الأسس والشروط عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بمعنى أن القاهرة ترى أن الجولات الأولى من عملية الحوار والتقارب يجب أن يتم فيها وضع الأسس من أجل الحديث بعد ذلك عن إجراءات الثقة من جانب أنقرة.

ولفت إلى أن الأمر الأكثر أهمية أن الدولة المصرية لديها ثوابت تحكم علاقتها الخارجية مع جميع الدول وهو المبدأ الأساسي هو عدم التدخل في الشرون الداخلية للدول.

وقال: بناء عليه من ضمن الشروط الأساسية التي سوف تضعها القاهرة هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر من جانب تركيا، وخصوصا فيما يتعلق بإيواء أنقرة عددا من العناصر الإرهابية.

وأوضح الدكتور خالد علي، في تصريحه لـ“الموقع”: أن نجاح السياسة المصرية في تعاملها مع الأسلوب التركي، هو الذي شكل ضغطا على أردوغان، حيث وجدت أنقرة نفسها في حالة عزلة دولية وإقليمية وأن كل التجمعات الدولية والإقليمية توجه انتقادات لسياساتها في المنطقة.

وأضاف: الأمر الآخر، إن نجاح مصر في تأسيس منظمة غاز شرق المتوسط، ودخول ميثاق تنفيذه حيز التنفيذ، شكل ضربة قوية لمساع تركيا لأن تكون مركزا إقليميا للطاقة، وأصبحت القاهرة هي المركز الإقليمي للطاقة والغاز والطبيعي.

وأوضح، أن مسألة ترسيم الحدود في منطقة شرق المتوسط بين الدول المكونة لها “اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل”، جعل تركيا تخرج من معادلة الدول المنتجة للغاز، خصوص أن تركيا لم توقع على الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة الخاصة بالبحار والمحيطات، ومن ثم لجأ نظام أردوغان، إلى أسلوب “البلطجة” في منطقة حوض شرق البحر المتوسط، ولعل هذا ما قوبل بالرفض، من جانب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وكل الدول العربية.

ورأى أن الأمر الأكثر أهمية والذي شكل تحديا للسياسة الخارجية التركية وخصوصا تجاه مصر، وقفة مصر القوية إزاء الأحداث الجارية، وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، “الخط الأحمر”، لها في ليبيا، شكل محددا رئيسيا لسياساتها في ليبيا، بل كان دافعا أساسيا لنجاح المسار السياسي الجاري في ليبيا.

وقال إنه لذلك ظهر صوتا داخل نظام أردوغان، خصوصا بعد إعلان الرئيس السيسي خط “سرت – الجفرة”، في ليبيا، ينادي بضرورة عودة العلاقات مع القاهرة، وأن استمرار العداء مع مصر في تلك المرحلة لن يكون في مصلحة تركيا، وسوف يؤدي إلى خسارة أنقرة للمزيد من أهميتها ومصالحها في المنطقة، وسوف يعرضها للمزيد من الانتقادات الدولية والإقليمية.

واختتم حديثه، لـ”الموقع” بالقول إن وقفة مصر القوية في ليبيا، ومنذ تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعادت تركيا حساباتها السياسية في ليبيا والمنطقة ككل، وهذا يشكل نجاحا كبيرا لسياسة الرئيس السيسي، في تعامله مع الملفات الخارجية وضمنها الملف الليبي والعلاقات مع تركيا.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى