أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ”الموقع” في مقاله الأسبوعي .. “مهنة” فى ذمة الله !!

منذ حوالى ربع قرن ، كنت أتابع ملف الآثار فى الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام مع زملاء وأصدقاء على مستوى رفيع من “المهنية” من بينهم الصحفية القديرة مشيرة موسى وأمل الجيار بالأهرام وعصام عمران بالجمهورية وعلاء عبد الهادى بالأخبار وعبد العزيز النحاس بالوفد وطه عبد الرحمن بالأحرار والهانم منى الفولى وأيمن القاضى بوكالة أنباء الشرق الأوسط .

وبالطبع كان هناك مجموعة اخرى من الصحفيين يمثلون صحف ومجلات متنوعة ولكن ما اسعفتنى الذاكرة باسمائهم هم أقرب الناس وأحبهم الى قلبي.

فى ذلك الوقت كانت الصحافة لها طعم ولون ورائحة وكان الخبر الصحفى يؤثرا كثيراً بل كانت تقوم الدنيا ولا تقعد حينما ننفرد بخبر عن كشف أثرى قبل الاعلان عنه رسمياً لدرجة أن الفنان فاروق حسنى أشهر وزير ثقافة تعاملنا معه وكنا نعتبره بمثابة الأخ الأكبر لنا جميعا، طلبنى ذات يوم الساعة ٩ صباحاً ليسألنى عن خبر نشرته فى هذا اليوم بالصفحة الأخيرة بالأهرام تناولت فيه تفاصيل كشف أثرى كبير.

وكان سبب اتصاله أن الرئيس الراحل مبارك قرأ الخبر فى الاهرام و طلبه على الفور ليسأله كيف يكون لديه كشف اثرى مهم وكبير بهذا الشكل دون أن يخبره به .وقتها لم يغضب فاروق حسنى ولم يهدد او يقرر منعى من دخول الوزارة وإنما عاتبنى بحكم الصداقة وكأن شيئاً لم يحدث لدرجة أن لم يسألنى من أين أتيت بهذه التفاصيل لأننا نشرنا الخبر بالتنسيق مع اصدقائى فى الجمهورية والاخبار .

وقتها كانت الصحافة الورقية قوية ومؤثرة قبل أن تصل الى هذا المستوى الذى صارت عليه الآن فقد كانت الصحافة وبدون مبالغة لها “هيبة” لدى المصادر ، وكان المسئول يفكر ألف مرة قبل أن يتعامل بشكل غير لائق مع أى صحفى.

لقد تذكرت تلك الأيام الحلوة والزمن الجميل وانا اتابع تداعيات الأزمة التى اندلعت مؤخراً بين وزير السياحة والأثار ومستشارته الاعلامية من ناحية والصحفيين الذين يتابعون ملف الوزارة من ناحية أخرى وهو ما يعرف اعلاميا بأزمة ” سقارة” ، فهذا الوضع المحزن والمخزى جعلنى أشعر بخيبة الأمل فى الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار على ما وصل إليه من مستوى لا يليق بوزير ولا حتى برئيس هيئة فى حكومة تعمل على هذا النحو من الهمة لتواكب النشاط السريع للسيد الرئيس فى مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة ليختصر الوقت من أجل النهوض بمصر داخليا وخارجياً.

ما فعله وزير السياحة والاثار ليس له اى تفسير سوى أنه قد يكون ركبه “الغرور” وأعتقد أن تجديد الثقة فيه واستمراره للمرة الثانية فى منصبه بالحكومة قد منحه “مناعة” و”حصانة” وأعطاه الحق فى التعامل مع الصحفيين على هذا النحو البعيد كل البعد عن العقل والحكمة أو أنه يعيش أزمة اثرت خاصة على تصرفاته وجعلت أعصابه “تفلت” منه وهو يخاطب الصحفيين وكأن الوزارة مجرد “عزبة” يمتلكها.

وبالتالى يحدد من يدخلها ومن لا يحق له دخولها فى حين أن الوزارة باقية للجميع بينما هو وفى غمضة عين قد لا يستطيع دخولها فى التعديل الوزارى المرتقب فى يناير المقبل عقب اكتمال البرلمان الجديد وفى المقابل يبقى الصحفى الذى يتابع ملف الاثار والسياحة فى مكانه إلا إذا تم تغييره عن طريق رئيس تحريره سواء من “دماغه” أو استجابة لرغبة هذا الوزير بحكم الصداقة الذى تربط بينهما.

ما حدث من تداعيات سريعة فى أزمة الدكتور العنانى والصحفيين أمر مؤسف حقاً ويدعو لأن نقرأ الفاتحة على أيام كنا نتعامل فيها بإحترام شديد من جانب شخصيات مهمة فى الآثار قبل أن ينفصل “القطاع” عن الثقافة ويصبح وزارة مستقلة على يد عالم الآثار الكبير الدكتور زاهى حواس صاحب الصولات والجولات فى مشارق الأرض ومغاربها من أجل الترويج للآثار المصرية واستعادة القطع المسروقة والتى خرجت فى غفلة من القانون.

رحم الله أيام الدكتور عبد الحليم نور الدين والدكتور محمد الصغير والخلوق د. جاب الله على جاب الله والدكتور ممدوح الدماطى.. لقد كانوا بالفعل شخصيات من الوزن الثقيل سواء على المستوى المهنى أو الأخلاقى حيث كانوا يعلمون أن الصحفى له تقديره واحترامه لدرجة أنهم كانوا يطلعونا على الكثير من الأسرار من أجل “العلم” وليس “للنشر” لأن النشر فى التوقيت غير المناسب قد يأتى بنتائج سلبية ويؤثر على اسم ومكانة مصر خاصة حينما يتعلق الأمر بأشياء تتعلق بمنظمة اليونسكو .
اعتقد أن أزمة العنانى والصحفيين ليست سوى حلقة جديدة فى مسلسل إهدار كرامة المهنة وهى جريمة للأسف الشديد شارك فيها الجميع .. الصحفى والوزير والنقابة وبعض رؤساء التحرير الذين أغمضوا أعينهم عما حدث وكأنه لا يعنيهم فى شئ.
لابد من وقفة حاسمة وحازمة فى هذا الموضوع قبل أن نضطر لقراءة الفاتحة على “المهنة” التى أوشكت على أن تصبح فى ذمة الله.!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى