أراء ومقالاتالموقع

محمود مناع يكتب لـ”الموقع” .. سد النهضة بين التحديات والفرص

بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة عام 2011 معتمدة في ذلك علي حالة عدم الاستقرار الداخلي في مصر منذ 25 يناير 2011 وانشغالها بتحقيق الاستقرار الداخلي دونما أي خيار آخر علي الصعيدين الإقليمي والدولي.

دخلت مصر ما يشبه الصراع منذ بداية الشروع في البناء من جانب إثيوبيا بارادة منفردة وذلك في محاولة لعودة النفوذ المصري في دول حوض النيل والذي كان أحد مكتسبات الدور المصري عبر عقود طويلة رسمت فيها مصر وضعا إقليميا يضمن لها السيادة والاستقرار وتأمين مواردها المائية الثابتة تاريخيا في اتفاقيات أهمها اتفاقية عام 1959 والتي تضمن لمصر حصة مائية ثابتة في مياه النيل ، كما تضمن عدم الشروع أو تشييد أي بناية دون الإخطار المسبق أو الموافقة كشرط أساسي لأي عمل باعتبار ذلك يمثل تهديدا مباشرا للمصالح المصيرية المصرية وكذلك السودان.

وأصبحت المسألة المائية تمثل في جوهرها صراعا واضحا يعكس ثغيرا لوزن مصر النسبي في تلك المنطقة وكذلك إثيوبيا التي تحاول وتسعي لتحقيق أهداف من وراء هذا السد ، وأهم هذه الأهداف انتزاع الدور البارز والمؤثر في تلك المنطقة بدلا من مصر ، وكانت البداية عملية التشييد في حد ذاتها دونما اخطار لدولتي المصب “مصر والسودان” ، وتري إثيوبيا في هذا البند وصاية وتدخل في السيادة الإثيوبية في حين يشير الموقف السوداني من السد منذ بدايته إلي تأرجح ما بين الوقوف إلي جانب الموقف المصري وصولا إلي دور الوسيط ثم الانحياز الكامل لإثيوبيا وذلك في حقبة نظام الإنقاذ السابق.

واصل الجانب الإثيوبي البناء مع تبني موقف واضح منذ البداية وحتي الآن معتمدا علي فرض تكتيكات معينة في عملية التفاوض مع مصر والسودان تؤدي في النهاية إلي استمرار عمليات البناء أثناء تلك المفاوضات حتي مع إعلان المبادئ الذي تم توقيعه في مارس 2015 بالخرطوم ، كما تعمد الجانب الإثيوبي اعتماد تلك السياسة في سير المفاوضات وقصرها علي الجانب الفني وهو ليس من أساسيات التفاوض التي يرغب الجانب المصري في إرساء العديد من القواعد القانونية الملزمة التي تضمن الحفاظ علي الحقوق المائية التاريخية المصرية وكذلك السودان.

تعمدت إثيوبيا في خطابها الداخلي والإقليمي بوصف السد علي أنه المخلص من الفقر والعوز والأساس للتنمية المستقبلية , وتتصرف وفقا لمبدأ السيادة الإقليمية المطلقة علي النيل الأزرق الذي يعتبر نهر مقدس في الموروث الشعبي لإثيوبيا وكذلك النخب الحاكمة.

حاصل القول هنا أن إثيوبيا تري أن النيل الأزرق ملك لها ويعتبر نهر إثيوبي عابر للحدود ومنحة إلهية ويمثل في النهاية رمز للتنمية وبناء إثيوبيا الجديدة ، وعلي ذلك فإن سد النهضة بعيدا عن الجانب الفني يمثل في أوضح صورة صراع علي كسب مكانة إقليمية تسعي إثيوبيا من خلاله لتصبح قوة إقليمية في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي ، وعلي صانع القرار المصري خلق فرص جديدة للتعاون بين دول حوض النيل جميعا لإقرار آلية للحفاظ علي مصالح الجميع والوصول إلي التنمية مع ضرورة اتخاذ مصر والسودان موقف واحد يجمع المصالح المشتركة للبلدين وقد تكون الزيارة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة السوداني الفريق “عبدالفتاح البرهان” لمصر في 27 أكتوبر الحالي بداية لتنسيق المواقف بين البلدين في ذلك الملف والملفات المشتركة الأخري. وللحديث بقية …..

المصدر: الأستاذ الدكتور/ حمدي عبالرحمن ، أزمة سد النهضة: تحدي الهيمنة المائية والمأزق المصري السوداني مجلة دراسات شرق أوسطية.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى