أراء ومقالاتالموقع

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص …الحمد لله .. على نعمة الوطن

تعاني؟ .. كلنا مثلك نعاني.

تواجه مشكلات؟ بالتأكيد، وهذا أمر يقاسيمنه الجميع.

ضغوط الحياة تتزايد؟ أتفق معك تماما، ونحيا دائما على أمل أن يكون القادم أفضل.

لكن دعني آخذك في رحلة لا تتجاوز أكثر من 35 دقيقة فقط، لكنها ستكون كافية كي تشاركني ترديد تلك العبارة التي اتخذتها عنوانا في هذا المقال، والتي ظللت أرددها وأنا أقضي تلك الدقائق المعدودة أشاهد الفيلم الوثائقي “شابيلا” الذي أنتجته قناة “القاهرة الإخبارية”، سواء في العرض الخاص الذي تشرفت وسعدت بحضوره، أو بمتابعته تلفزيونيابعد إذاعته يوم الأربعاء الماضي،تحت إشراف الكاتب والإعلامي المتألق أحمد الطاهري، ومن إعداد وتنفيذ الإعلامي المتميز والصديق العزيز د. محمد سعيد محفوظ.

الفيلم يحكي جانبا من معاناة الصوماليين في مخيمات النازحين على حدود العاصمة “مقديشيو”، وقد نزحوا من إقليم “شابيلا” جنوبي الصومال هربا من الجفاف، وفرارا من هجمات تنظيم إرهابي خسيس هو حركة “الشباب” إحدى أذرع تنظيم “القاعدة”.

المشاهد تتلاحق، والكلمات تنساب من الأفواه الجائعة، والتي تكابد من أجل الحصول على لقمة عيش، تسد به رمق الأطفال الصغار اللاهين عما ينتظرهم من مصير قاتم.

العيون زائغة تترقب أي مستقبل يمكن أن يحل بهم والموت يحاصرهم من كل اتجاه، إن لم يكن بالجوع، فبرصاص تنظيم إرهابي غادر، لا يرقب في هؤلاء المساكين إلاً ولا ذمة!
الألم يتزايد وأنت تنصت إلى الأشقاء الصوماليين البسطاء، يتحدثون بانكسار يعتصر القلب عن موت أطفالهم بين أيديهم واحدا واحدا، ونفوق ماشيتهم، وخراب زراعاتهم، وأنهم يعيشون على الصدقات التي تأتيهم من بعض المحسنين، بينما الحكومة في العاصمة لا تملك حلولا يمكن أن تنتشلهم من واقعهم المزري.

وربما يُدهش البعض عندما يعلم أن الصومال كانت دولة مستقرة وتتمتع بمستوى اقتصادي جيد، قبل أن تجتاحها الحرب الأهلية، وتنجرف إلى هاوية الانقسامات الداخلية، فيخيم الخراب فوق أرضها، وتستوطن عصابات الإرهاب والجريمة والقرصنة في أركانها، وتحولها إلى أرض قاحلة، تعاني المجاعات، ويترقب أهلها الموت في كل لحظة، بينما هي واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، إذ تتحكم في مدخل البحر الأحمر، وتطل على مضيق باب المندب، وتصارع القوى الكبرى على اتخاذ موضع قدم على أرضها، وربما هذا بحد ذاته أحد أسباب مصائب الصوماليين.

ربما معاناة الصوماليين في جانب منها ترتبط بمتغيرات مناخية قد تهدد دولا عدة في العالم وفي منطقتنا، لكن الخطر الأكبر الذي يتهدد الصوماليين، مثلهم مثل أي مجتمع آخر، هو غياب الدولة، والانقسامات الداخلية، التي تسمح لكل من هب ودب أن يعبث بمصائر الناس، ويتلاعب بمقدراتهم وحياتهم.

الخطر الأكبر الذي عانى منه الصوماليون منذ 1991، كان غياب تلك السلطة القادرة على مواجهة المشكلات، وحشد الجهود من أجل بناء دولة تستطيع -على الأقل – مجابهة الأزمات والتخفيف من تداعياتها، إن لم تستطع استباقها والقضاء على مسبباتها.

الحمد لله على نعمة الوطن .. أرددها سرا وعلانية، فالوطن نعمة لا نشكر الله -في كثير من الأحيان- عليها، وربما أدرك المصريون أكثر من غيرهم خلال العقد الماضي أن لحظات الخطر والأزمات هي اللحظة التي تتطلب مزيدا من الالتفاف والتماسك، لا التشتت والتفرق.

أدركنا منذ 2011 أن الوطن نعمة كبيرة، لا ندرك قيمتها إلا عندما نتعرض للخطر فنلوذ به،نحميه ويحمينا، وقد كانت مصر -ورغم كل الظروف- الملاذ الآمن ليس فقط لمواطنيها، بل للملايين من الأشقاء الذين دارت بأوطانهم الدوائر، فلم يجدو غير أرض الكنانة ملجأ وملاذا.

الحمد لله على نعمة الوطن، فاستشعار النعمة عبادة منسية في زمننا هذا، صحيح أن الجميع يعاني بصورة أو بأخرى، لكننا لا نزال– والحمد لله- ننعم بوطن آمن، لا تطاردنا فيه بنادق وقنابل الإرهاب، ولا تتحكم في مصائرنا طيور الظلام، التي أحالت دولا عامر إلى ملاجئ للإيواء ومخيمات للنازحين.

الحمد لله على نعمة الوطن، لأننا -ورغم كل ما نعانيه من صعوبات- لا تزال لدينا القدرة على المواجهة، والعمل سويا لتجاوز التحديات، تحت مظلة دولة قادرة -في حدود المتاح- على توفير الدعم والحماية والحفاظ على الأمل في مستقبل أفضل.
أعاننا الله .. وأعان أشقائنا في الصومال، وفي كل الأوطان على تجاوز المحن التي يموج بها العالم حاليا بصور شتى.

والشكر الجزيل لقناة “القاهرة الإخبارية”، التي تكسب كل يوم أرضا جديدة، وتسير باتزان نحو بناء إعلام يعتمد على المعلومات وفنون العمل التلفزيوني الحديث، بعيدا عن برامج “الصراخ” الليلية، التي أراها تضر أكثر مما تفيد.

اقرأ ايضا للكاتب

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص … قراءة في كف العالم

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص …حريتهم البيضاء وعنصريتهم السوداء !!

د. أسامة السعيد يكتب لـ«الموقع» خارج النص …إخوان دون كيشوت !!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى