منوعات

النساء في صدارة المتأثرين بالأزمات.. كيف ضاعفت جائحة كوفيد 19 من معاناة النساء؟

 كتبت – هدير الحضري

خلال السنوات الأخيرة، عانى العالم من أزمات صحية وكوارث متلاحقة كان على رأسها جائحة كوفيد-19، والكوارث المرتبطة بتغير المناخ، وبينما تأثر الجميع بدرجات متفاوتة، كانت النساء في صدارة المتأثرين .

أثرت جائحة كورونا بشكل كبير على المساوة بين الجنسين وزادت من حجم الفجوة بينهما، فتأثرت النساء على عدة مستويات، أهمها هو الرعاية الصحية، إذ تعرضن لاحتمالية أعلى للإصابة بالمرض لأن مجالات التمريض والرعاية الطبية تهيمن عليها النساء، كما تم تحويل الموارد المالية إلى الخدمات ذات الأولوية المرتبطة بالجائحة، وهذا أدى إلى نقصان حصول النساء على الرعاية الصحية وخاصة المتعلقة بالصحة الإنجابية، كما تسببت القيود المفروضة على التنقل في تقليل الخدمات الممنوحة للنساء في مراحل الحمل والولادة، بالإضافة إلى تولي النساء الكثير من المهام المنزلية المرهقة جسديا داخل الأسر التي تعرضت لضرر اقتصادي بسبب الجائحة، وفقا لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عام 2020.

ووجد تقرير حديث أصدره معهد بحوث الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية، في 21 أكتوبر الماضي، أن النساء كانوا أكثر عرضة لفقدان وظائفهن خلال أزمة كوفيد 19، وفقدان مصادر الدخل المادي، في الوقت نفسه، كانت النساء مسؤولات عن 76.2 من العمل غير المدفوع للاجر على مستوى العالم ، أي 3.2 أضعاف الرجال، كما تسببت الأزمات المالية التي أصابت العالم نتيجة للكوارث على تقييد مشاركة النساء في قطاع العمل الرسمي،  وحرمانهن من حقوقهن في مجالي التعليم والصحة.

ووجد تقرير الأمم المتحدة أيضاً أن جائحة كوفيد دفعت بنحو 124 مليون شخص إلى الفقر الشديد، وفقدان 114 مليون شخص لوظائفهم، بالتزامن مع عملية الإغلاق التي ضاعفت من نسب العنف القائم على النوع الاجتماعي.

كيف زادت جائحة كورونا من عدم مساواة “توزيع الدخل” بين الجنسين في المنطقة العربية؟

بسبب الجائحة فقط، فقدت النساء نحو 700 ألف وظيفة، وفقاً لتقرير هيئة الأمم المتحدة للمرأة،في عام 2020، كما طال الفقر النساء العاملات وأثر بصفة أكبر على النساء المعيلات، كما عصفت الجائحة بقطاع العمل غير النظامي الذي اضطر إلى تسريح نسبة كبيرة من عامليهن وتمثل نسبة النساء اللاتي يعملن في هذا القطاع نحو 61.8 %، أي الأغلبية، مما يزيد الفجوة بين الجنسين، وهو ما سبب الضرر النفسي لهن.

في الوقت نفسه، أدت الجائحة إلى انخفاض كبير في عمل النساء في الوظائف النظامية، وارتفاع مشاركتهن في العمل غير النظامي بسبب انخفاض توفر الوظائف وارتفاع معدل البطالة، مما زاد من الانخفاض العام لمشاركة النساء في العمل، وفقا لتقرير صدر العام الماضي عن البنك الدولي، كما أن النساء تضررن بشكل أكبر من الرجال لأنهن كانوا يعملن أكثر في القطاعات الأكثر تضررا بالجائحة مثل السياحة والصناعات الاستخراجية، كما عانين من الحرمان من الشمول المالي والتأمين الصحي ووجدن أنفسهن بلا حماية.

ولكن هناك نقطة أمل، فالبرغم من أن الإحصائية الأحدث للبنك الدولي منذ عدة أشهر قالت إن هناك حوالي 2.4 مليار امرأة على مستوى العالم لا يتمتعن بنفس الحقوق الاقتصادية التي يتمتع بها الرجال، إلا أنه على الرغم من تفشي جائحة فيروس كورونا، شهد 23 بلداً تحسُّن القوانين التي تُعزِّز المشاركة الاقتصادية للمرأة في 2021، وذلك وفقا لتقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” الذي رصد أوضاع النساء الأخيرة أثناء الجائحة، ووجد أنه تم إلقاء الكثير من الأعباء الاجتماعية على عاتقهن، كما تعرضن لنسب أعلى من العنف.

ووجد التقرير أيضاً أن النساء في الدول النامية تأثرن بشكل غير عادل بالجائحة،  باعتبارهن الفئة الأضعف والأكثر هشاشة، لأنهن -بجانب أضرار الجائحة – كانوا يعيشون بالفعل  في بلدان تعاني من تدني المعدلات السنوية للنمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع مستويات العمل في السوق غير الرسمية، وانخفاض مستويات مشاركة النساء في القوى العاملة.

الجائحة أضرت بالصحة النفسية للنساء:

في الوقت نفسه، بسبب الجائحة تدهورت الصحة  النفسية للنساء، ووفقا لتقرير حديث صدر عن منظمة الصحة العالمية منذ أشهر، فقد أثرت الجائحة على الصحة النفسية للنساء أكثر من الرجال، إذ شهد العام الأول من الجائحة ارتفاعا كبيرا في معدلات انتشار القلق والاكتئاب في العالم بنسبة 25%، هذا بالتزامن مع  حدوث اضطرابات شديدة في خدمات الصحة النفسية، مما خلف فجوات كبيرة في الرعاية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وكانت الخدمات المتعلقة بالأمراض النفسية والعصبية أكثر الخدمات تعطلا، كما أبلغ العديد من البلدان عن حدوث اضطرابات كبيرة في الخدمات المنقذة للأرواح في مجال الصحة النفسية، بما في ذلك الوقاية من الانتحار.

فادية كيوان، رئيسة منظمة المرأة العربية، قالت إن المرأة دائماً ما تكون الضحية الأولى خلال الأزمات والكوارث، وكانت من الفئات الاجتماعية التي تأثرت أكثر من سواها بجائحة كورونا، فكان عدد كبير من النساء لا يتمتعن بخدمات الرعاية الصحية ولا بالحماية الاجتماعية اللازمة، ونتيجة لزيادة الأعباء الأسرية على النساء أثناء الجائحة، كن يهملن صحتهن النفسية والجسدية ليركزن على رعاية باقي أفراد الأسرة.

وأضافت أنه نتيجة للجائحة، فقدت نسبة كبيرة من النساء عملهن في المؤسسات النظامية، وفي القطاع غير النظامي، إذ كان هناك اعتقاد سائد بأن الرجال يحتاجون إلى العمل أكثر، كما شهد العالم زيادة كبيرة في معدلات العنف ضد النساء بسبب الضغط النفسي والاقتصادي والحجر المنزلي لكل أفراد الأسرة.

وأضافت: “حتى الآن لم يتم تمكين النساء بالشكل الكافي ليستطعن حماية أنفسهن أثناء الأزمات،  هناك أزمة في عدم المساواة تعصف بالنساء والحل الأساسي هو زيادة نسبة التوعية لهن، ومساعدتهن للحصول على تمثيل عادل في فرص العمل وصقل مهاراتهن، وتهيئتهن لمواجهة الكوارث الطبيعية وإدماجهن داخل آليات العمل الوطنية، وتمكينهن الاقتصادي وتوفير شبكات الحماية الاجتماعية لهن، وتعليمهن حرف جديدة خاصة في المناطق الأكثر احتياجاً لتخفيف وطأة تداعيات الأزمات والكوارث عليهن.

وأضافت: ” “يجب علينا التفكير في تقديم حزمة حماية اجتماعية وصحية للنساء، خاصة أن نسبة النساء العاملات في المجال الاقتصادي ضئيلة جدا”

وقالت انتصار السعيد، رئيس مجلس أمناء “مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وهي مؤسسة حقوقية معنية بحقوق النساء، إن النساء تأثرن بشكل غير عادل بجائحة كوفيد 19 إذ زادت أعباء الرعاية الأسرية على عاتقهن، وفي الوقت نفسه لم  يحصلن على إجراءات الحماية الصحية والاجتماعية الكافية.

وأضافت:”بسبب الجائحة، تزايد العنف ضد النساء وتسريب الفتيات من التعليم وعانين من تأثيرات كثيرة، لذا يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تحمي النساء والفتيات من العنف، وإطلاق مبادرات لتمكين النساء والأسر المهمشة بشكل أكبر، وأن تتضمن مظلة الحماية الصحية والاجتماعية عدد أكبر من النساء، وأن يتم تعليمهن كيف يعززن دخلهن المادي أثناء الأزمات والأوبئة”.

وفي مصر، أطلقت عدد من منظمات المجتمع المدني مبادرة “عالم بألوان”، لتبني سياسات لتمكين النساء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وإعداد بنية تشريعية تراعي منظور المساواة الجندرية .

وقال مجدي عبد الفتاح، المتحدث باسم المبادرة، إن جائحة كوفيد 19 وأزمة تغير المناخ تقاطعا سوياً ليصنعان تأثير ضخم على النساء، فزادت نسبة العنف الأسري بشكل غير مسبوق، وارتفعت معدلات العنف الجنسي، كما زادت أعباء الرعاية الأسرية بشكل على النساء، كان هناك سياسات غير عادلة في العمل ضد النساء والتي انحازت لتشغيل الرجال”.

وأضاف أنه على مستوى الصحة، كان هناك عدم تغطية كافية في شكل الرعاية الصحية بكل أنواعها، كما تعرضت العمالة الزراعية والمنزلية من النساء لضرر ضخم بسبب الجائحة.

وعلق بقوله: “جائحة كوفيد كانت جرس إنذار يقول للعالم إن غياب المساواة والعدالة له نتائج كارثية ستتضاعف إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة”.

وقال إن تمكين النساء في مواجهة الأزمات يجب أن يتخذ أكثر من شكل، مثل إصلاح البنية التشريعية في العالم لحمايتهن على مستوى التعليم والسكن والأحوال الشخصية، وإعادة النظر في توزيع سوق العمل العالمي لتحصل النساء على تمكين متساوي مع الرجال، وتوفير الخدمات الصحية لجميع النساء، وتوفير شبكات حماية اقتصادية واجتماعية لتعزيز صمودهن في قلب الأزمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى