الموقعتحقيقات وتقارير

أجساد منهكة وصراع ديني وعلاج في بطن خنزير.. من ينصف مرضى الفشل الكلوي؟.. “الموقع” ملف خاص

مريضة: نعاني ماديا وجسديا بسبب المرض وأقبل بزراعة كلى الخنزير

مريض: لا أقبل بالنجاسة ولو ما متأثرا بمضاعفات مرضي

خالد الجندي: الأساس في الأمر هو مداوة المريض وليست نجاسة الخنزير

رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا: حرم الله على المسلم “النجاسة”

مركز الأزهر للفتوى: أصل التداوي من الخنزير هو الحرمة إلا في حالة واحدة

كتبت- فاطمة عاهد

بدأت رودينا عبد الحليم، صاحبة الـ40 عاما رحلة المعاناة مع القصور الكلوي قبل حوالي خمس سنوات، تجرعت خلالها مرارة الأدوية وألم تراكم السموم داخل جسدها النحيل، ذلك إضافة إلى التعثر المادي لارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بعلاج أزمتها في مقابل انخفاض دخلها وعدم القدرة على استخراج قرارت أدوية من التأمين الصحي.

فعلى الرغم من أن الاعتلال الكلوي يعد مرضا مزمنا، إلا أنه لا يمكن للمصابين به استخراج أي قرارات لصرف الأدوية على نفقة الدولة، لذا يعاني المريض من عدم القدرة على الانتظام في تناول الجرعات المحددة له من الطبيب، ونشوء حالته الصحية حتى يضطر لـ”الغسيل” ويقضي أغلب أوقاته داخل أروقة المستشفيات.

رودينا، عانت من القصور المادي والكلوي، وساءت حالتها حتى فقدت الكلى حوالي ٧٠ بالمائة من وظائفها، ما اضطرها لخوض معركة “غسيل الكلى”، حتى أنها بدأت تشعر بأن عمرها يضيع بين جدران المستشفيات، وفي غرف الغسيل.

تقضي السيدة الأربعينية حوالي أربع ساعات يوميا في عملية غسيل الكلى، وتتعرض لوخز مستمر في منطقة الذراع، ويصاحب الجلسة تقيؤ وحكة وجفاف بالبشرة، وتذهب للمستشفى بمعدل ثلاثة أيام أسبوعيا للتخلص من السموم المتراكمة في جسدها، بعدما فقدت الكلى قدرتها على التخلص منها بشكل طبيعي.

وتتمنى “عبد الحليم” لو أنها تتمكن من زراعة الكلى والتخلص من الجلسات التي تهدم صحتها وحالتها النفسية خلال ساعات عملها، حتى لو كانت كلية خنزير معدلة وراثيا، فستقبل بها لتنتهي من الألم الذي أصبح ملازما لها.

فبحسب وكالات الأنباء، نجح فريق من الأطباء الأمريكيين في زراعة كلى خنزير داخل جسم إنسان، حيث ربط الجراحون تلك الكُلى وراقبوها أثناء عملها، ولم يرفضها جسم المريض، ما اعتبره مرضى الكلى بارقة أمل لحل أزمة نقص المتبرعين حول العالم.

20 ألف وفاة سنويا

وبحسب الإحصائيات فإن نسبة الإصابة بالقصور الكلوي في مصر تراوحت بين 8 لـ10%، حيث يبلغ عدد مرضى القصور الكلوي في مصر نحو 10 ملايين شخص، بينما تتزايد أعداد مرضى الغسيل الكلوي بشكل مذهل، حتى وصلت لـ150 ألف مريض غسيل كلوي.

ووفقا لمؤشر منظمة الصحة العالمية لعام 2017، فإن عدد الوفيات الناجمة عن أمراض الكلى في مصر يبلغ 20 ألفًا و433 حالة سنويًّا، أي ما يعادل 32.88 حالة بين كل 100 ألف مصري، لتحتل مصر بذلك المرتبة الـ20 بالنسبة لعدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكلى على مستوى العالم.

رفض تام لزراعة كلية خنزير

وكان إعلان نجاح زراعة كلى خنزير معدل وراثيا لمريض صدى كبير داخل مجموعات مرضى الكلى في مصر، إلا أن أغلب المرضى رفضوا رفضا تاما ما يثار حول تلك النقطة معتبرين أن الخنزير حيوان “نجس” لا يمكن لنا زراعة أعضاؤه داخل الجسد.

وكانت الحُجة القوية التي يستخدمها المرضى هو تحريم أكل لحم الخنزير على كل المسلمين، وأنه حيوان نجس لا يمكن أن يكون مصدرا للشفاء أو للأعضاء المزروعة داخل جسد الإنسان المُكرم.

وعلى الجانب الآخر صدح صوت عدد قليل من مرضى الكلى رافضين لتعميم أمر تحريم أكل لحم الخنزير على زراعة كليته، نظرا لأن القياس على تلك الطريقة غير صحيح، فما علاقة زراعة الأعضاء بتحريم أكل لحمه.

وأكدوا على ما سردوه بأن الأنسولين يتم استخراجه من جسد الخنزير ويحقن به كل مصابي داء السكري في مصر، على الرغم من أن هناك عددا كبير منهم مسلمين، متسائلين “لماذا لم يعترض أحدا على ذلك؟”.

الأنسولين من الخنزير!

لم يهتم أحمد سعيد، أحد مرضى الكُلى في مصر بما يثار حول “حرمانية” نقل أعضاء الخنزير لعلاج من يعانون مثله، فلا يعرف ألام الغسيل إلا من تعرض له، أو من صاحب أحد المرضى لجلسة، حيث يقضي المريض حوالي أربع ساعات متواصله متصلا بجهاز عن طريق يده لتنقية جسمه من السموم.

يرى “سعيد” أن الزراعة هي الحل الأمثل لتجنب إصابة مرضى الكلى بأمراض مزمنة أخرى منها القلب والذئبة الحمراء، ما يضاعف عذابهم، لكن هناك نقص كبير في المتبرعين، ففي أغلب الحالات يكون المتبرع من عائلة المريض، ويتطلب الأمر فحوصات وخطوات كثيرة للتأكد من تطابق الأنسجة.

لذا لا يرفض مريض الكلى زراعة عضو خنزير داخل جسده، نظرا لأن ذلك سينهي رحلة معاناته مع المستشفيات التي يذهب إليها ثلاث مرات أسبوعيا ويضطر للبقاء فيها أغلب اليوم.

ووافقت مريم سعيد، إحدى مرضى الكلى التي أجرت عملية زراعة بعدما تبرعت والدتها لها، على أن الزراعة هو الحل الأمثل لتنتهي كافة الإجراءات المرهقة الخاصة بغسيل الكلى، وما يصاحبها من أمراض وأعراض تؤثر على جسد ونفسية المريض بشكل سلبي.

حلال أم حرام!

اختلف الفقهاء في تحديد ما إذا كان نقل عضو من خنزير لجسد إنسان حلال أم حرام، ما تسبب في معركة اراء على صفحات الجرائد وقنوات التلفزيون، حيث يحاول كل منهما إثبات وجهة نظره.

فقد استنكر الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ما يقال بشأن نقل الأعضاء من الخنزير للإنسان، مؤكدا أنه بالنظر لفقه المقاصد لا يمكن أن تتناسى مصلحة المريض الذي سيكون دون زراعة الكلى، فكيف ينتقل الحديث من إنقاذ حياة أب يسعى لتربية أولاده إلى ما إذا كان الخنزير نجس أم لا.

بينما يرى الدكتور عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا، أنه لا يجوز التداوي بأعضاء الخنزير لأنه حيوان نجس، وحرم على المسلم النجاسة، واستشهد بقول الله تعالى “قُل لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِل لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”.

وحسم مركز الأزهر للفتوى الجدل ببيان له قال فيه “أصل التداوي بجزء من أجزاء الخنزير، كزرع كُليته في جسم الإنسان هو الحرمة، إلا في حالة الضرورة المُلجئة، أو الحاجة التي نزلت منزلة الضرورة، فيجوز استثناءً بشرطين، الأول: فقد البديل الطاهر، والثاني: أن يكون الضرر المترتب على الزرع أقل من عدمه، ولو بغلبة الظن؛ سيما أثناء إجراء عملية الزرع وبعدها”.

وتابع في بيانه “وفقا لما هو مقرر طبيًّا عن خطر عمليات زراعة الأعضاء، وما تستلزمه من استخدام أدوية لتَثبيط الجهاز المناعي، وما تنطوي عليه من إمكانية رفض الجسم للعضو المزروع، إضافةً إلى العديد من المُضَاعَفات الخطيرة على صحة المريض وحياته، فضلًا عن أن عملية زرع كُلية الخنزير في جسم الإنسان لم تزل في الأطوار التجريبية”.

الدكتور كمال محمود، استشاري الجراحة، يقول إنه بحسب ما أثير فقد تم إنهاء جين مناعي مسؤول عن تكوين أجسام مضادة عند زراعة أنسجة هذا الخنزير في جسم المريض الذي سيستقبل العضو، وبناء على هذا التعديل فإنه عند زراعة هذه الكلى في جسم بشري لا يرفضها.

وأكد أنه تم استخدام أجزاء كثير من الخنزير في بحوث بعدم دول خاصة بزراعة الكبد، وذلك لتقارب حجم أعضائه مع أعضاء الإنسان، وأنه سيتم حل أزمة رفض الجسم لأنسجة غريبة عن طريق التعديل الوراثي داخل الحيوان ما ينبئ ببارقة امل لمرضى الفشل الكلوي في مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى