اقتصادالموقع

د.وليد جاب الله يكتب لـ«الموقع» ملامح اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي 2024

اعتمد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أمس 29 مارس 2024 برنامج الإصلاح المُتفق عليه مع مصر، وهو البرنامج الذي يُتيح لمصر حزمة تمويلية مُنخفضة التكلفة بقيمة 8 مليار دولار، فضلاً عن التأثير الإيجابي لهذا البرنامج مُنذ أن بدأ التفاوض بشأنه في مسار جذب المزيد من التمويلات الدولية التي يحتاجها الاقتصاد المصري خلال المرحلة الحالية بما يدعم مُخططات سد الفجوة التمويلية في المدى المتوسط، وتحسين التصنيف الائتماني المصري، وتفعيل الإجراءات التنفيذية لمُخططات الإصلاح الهيكلي اللازم لتثبيت الاقتصاد وزيادة مرونته.

وبالنظر إلى ملامج هذا البرنامج نجد أنه يتضمن محاور تستجيب لمُطالبات داخلية، وتتوافق مع سياسات الصندوق التقليدية، ومن أهم هذه المحاور، استمرار سياسات التشدد النقدي التي يتبناها البنك المركزي والتي من أهمها استمرار أسعار الفائدة عند مُستويات مُرتفعة تضمن سحب السيولة من السوق بما يحد من التضخم، مع مُعالجة تعارض تلك السياسات النقدية التشددية، مع سياسات التوسع المالي التي اتبعتها وزارة المالية في السنوات الأخيرة، للتجه وزارة المالية لتبني مسار مالي أكثر تشدداً يتناغم مع سياسات البنك المركزي، من خلال خفض الإنفاق الحكومي الاستثماري بما يتضمنه من إبطاء الإنفاق على البنية التحتية من أجهزة الموازنه العامة أو غيرها من الجهات خارج الموازنة كالهيئات الاقتصادية، أوالصناديق، أوالشركات العامة، أو غير ذلك من كيانات ترتبط بالدولة، ولعل هذا المسار كان محل مُطالبة للكثير من الاقتصاديين المصريين، حيث يدعم خفض الإنفاق الحكومي توجهات السيطرة على الدين العام، ويُقلص من الاحتياجات الحكومية للعملات الأجنبية مما يرفع من مُستويات المعروض منها لتلبية حاجات المواطنين، ويدعم استقرار أسعار الصرف.

ومع التسليم بأن خفض الاستثمار الحكومي له تأثير سلبي مُتمثل في زيادة مُعدلات البطالة، فقد عالج البرنامج ذلك من خلال الاتفاق على تطوير بيئة الأعمال بصورة تُمكن القطاع الخاص من زيادة حجم نشاطه من خلال آليات أهمها اتخاذ إجراءات تُحقق المُساوة الكاملة بينه وبين المشروعات الحكومية في كافة الضرائب، والرسوم، والمزايا، وتسريع وتيرة تنفيذ توجهات وثيقة سياسات ملكية الدولة بما تتضمه من خروج الدولة من عدد من القطاعات الاقتصادية، ووقف استثماراتها في قطاعات آخرى، لتحل محلها استثمارات القطاع الخاص المحلي، والأجنبي، بما يُشكل مسارات تمويلية إضافية، ويخلق فرص عمل تُعوض نسبة البطالة التي قد تحدث بسبب خفض حجم الاستثمارات الحكومية، ويُعتبر نظام الصرف المرن هو الضمانه الأساسية لتطبيق ذلك البرنامج، والألية الأساسية لنجاحه.

وصندوق النقد إن كان يعتبر أن نظام الصرف المرن هو الألية الأنسب للمسار الاقتصادي، فإن صانع السياسات الاقتصادية المصرية لم يُعارض ذلك، ولكن الأمر كان يتطلب دفعة نقدية فعالة تُمكن الإدارة الاقتصادية من الانتقال لنظام صرف مرن. ومن المعلوم أن تحرير سعر الصرف يُحمل المواطنين الكثير من الأعباء، لذا فإن البرنامج المُتفق علية يتضمن إجراءات للحماية الاجتماعية بما فيها زيادات في الرواتب، والمعاشات، والتحويلات النقدية للشرائح الأولى بالرعاية.

وقد قامت مصر بالفعل بالجانب الأصعب من البرنامج قبل التوقيع عليه، وهو ملف تحرير سعر الصرف وتبني نظام صرف مرن بصورة مُستدامة، وقد تم تهيئة السوق لذلك من خلال النجاح في تدبير تمويلات تصل إلى نحو 60 مليار دولار لتغطية الفجوة التمويلية خلال الثلاث سنوات القادمة، منها نحو 35 مليار دولار يتم ضخها في الاقتصاد المصري خلال شهرين من توقيع اتفاق تطوير منطقة رأس الحكمة مع الجانب الإماراتي في مارس 2024، ونحو 25 مليار دولار من مؤسسات تمويل دولية تحصل عليها مصر بصورة تدريجية، فضلاً عن توقعات بتمويلات إضافية خلال تلك الفترة سيما مع تسريع وتيرة برنامج طروحات الشركات الحكومية. وبالنظر لالتزامات مصر الدولية فإننا نجد أنها تصل إلى مستوياتها الأكبر خلال عام 2024 وثم تتخذ مساراً تنازلياً يجعل التعامل مع أخف وطأة.

وهكذا نجد أن مصر قد هيأت كل الظروف لاتخاذ مسار إصلاحي مرن، يُراعي الواقع المحلي، ويتفق مع مُتطلبات المؤسسات الدولية، وقد تم توثيق ذلك من خلال اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتم اعتماده من المجلس التنفيذي للصندوق في مارس الجاري 2024 ليكون بمثابة الوثيقة التي تُعبر عن مسار مصر الاقتصادي في المدى المتوسط، وتكون جودة تطبيق هذا البرنامج هي الضمانة الحقيقة لإحداث إصلاح اقتصادي فاعل يُحقق أهداف التنمية.

دكتور
وليد جاب الله
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى