الموقعمنوعات

بسبب مستلزماتها.. حكاية منع رائدات الفضاء من ممارسة مهامهن بسبب «الدورة الشهرية»

كتبت _ رقية وائل

بعد السماح للنساء بالانضمام إلى سلك رواد الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1978؛ لم تكن وكالة ناسا تعي بالفعل تماما ما الذي كانت ستفعله بهن، والغريب في الأمر هو تأخر الوكالة في التفكير في مشكلة عدد الفوط الصحية اللازمة وكذا ما يجب على رائدة الفضاء اصطحابه من مواد تجميل ورعاية صحية معها

وعندما كانت ناسا تقوم بالتحضيرات اللازمة لأول رحلة فضائية لرائدة الفضاء (سالي رايد) في سنة 1983؛ طفى إلى السطح تساؤل حول ما يجب عليها أن تصطحبه معها في عدة مقتنياتها الشخصية، بشكل أخص، كان المهندسون في حاجة لمعرفة عدد الفوط الصحية أو السدادات القطنية التي ستحتاجها في مهمتها تلك التي ستستغرق أسبوعا واحدا.

وقام المهندسون بسؤالها: ”هل 100 هو العدد الصحيح [في إشارة إلى عدد الفوط الصحية اللازمة]؟“، فأجابت: ”لا، ليس ذلك بالرقم الصحيح“، فشرح المهندسون موقفهم بأنهم كانوا يريدون منها أن تكون في أمان تام، وأكدت هي لهم بدورها أنه بإمكانهم تقسيم ذلك العدد إلى النصف دون أدنى إشكال.

علي عكس الرجال ففي سنة 1959، خضع 32 طيارا عسكريا لواحد من أقسى الاختبارات الجسدية على الإطلاق التي صممت في مصحة (لوفلايس) في (ألباكيركي) في ولاية (نيوميكسيكو)، تمت معاينة هؤلاء الرجال، وتفحصهم، وتفتيشهم وسبرهم حرفيا من الداخل إلى الخارج حتى لم يبقى سر جسدي واحد في أجسامهم لم يكن الأطباء على دراية به. تم بعد ذلك اختيار سبعة من هؤلاء الطيارين ليخضعوا لاختبار مماثل لكن هذه المرة على الصعيد السايكولوجي، ومنه برزت للعالم أول دفعة لرواد الفضاء في وكالة ناسا.

وفي السنة الموالية، قام مؤسس المصحة الدكتور (راندي لوفلايس) إلى جانب العميد الجنرال (دونالد فليكينجر) بدعوة الطيّارة الحربية (جيرالدين جيري كوب) من أجل أن تخضع لنفس الاختبار الذي خضع له الطيارون السابقون

وكانت المفاجأة بالنسبة للرجال أن النساء أصغر حجما، وأخف وزناً، بالإضافة إلى أنهن يستهلكن حجما أقل من الموارد، مما يجعلهن على الأرجح أفضل من الرجال في تولي مهمات الطيران على متن المركبات الفضائية الضيقة في ستينات القرن الماضي.

ونجحت الطيارة (كوب) في الاختبارات وبحلول نهاية فصل الصيف من سنة 1961، تم إخضاع 18 طيارة عسكرية أخرى إلى نفس البرنامج الذي خضع له رواد فضاء مركبة (ميركوري)، وكان الفرق الوحيد بين اختبارات الرجال والنساء هو اضطرار النساء للخضوع لاختبار إضافي، وهو فحص متعلق بأمراض النساء

ونجحت 13 طيارة في اجتياز الاختبارات الآنفة، وأثبتن جدارتهن واستعدادهن للطيران إلى الفضاء الخارجي مثل أي من رواد الفضاء على متن مركبة (ميركوري)، بل في الواقع كانت للنساء نسبة نجاح أعلى من تلك لدى الرجال، فبينما نجح 18 طيار من بين 32 من الذكور الذين خضعوا لهذا البرنامج وهو ما يجعل نسبة نجاحهم 56٪؛ كانت نسبة النجاح عند فريق النساء 68٪.

بحلول سبعينيات القرن الماضي، أصبحت وكالة ناس تعلم جيداً أن نظام الدورة الدموية للإنسان سيتأثر بشكل كبير بالرحلة الفضائية، وذلك لأن البشر تطوروا ضمن جاذبية الأرض، ومنه اعتادت أجسامنا بشكل جيد على مقاومة الجاذبية أثناء ضخ الدم من أدنى الأطراف السفلية إلى أعلى الصدر، حيث كان ذلك الدم يُشحن بالأكسجين من جديد ويعيد دورته خلال الجسم كله.

في تقرير نشر سنة 1964 بعد وقف برنامج رائدات الفضاء الإناث في ناسا الذي لم يعش طويلا، تساءل المسؤولون حول ما إذا كانت الدورة الشهرية لرائدة الفضاء ستؤثر على قدرتها على العمل في الفضاء الخارجي، وقد أشار كاتبوا المقال بشكل أخص إلى ”التعقيدات التي تصاحب مزاوجة كائن بشري متقلب المزاج مع آلة معقدة [أي المركبة الفضائية]“، وقالوا بأن: ”الصعوبات كثيرة وبشكل واضح كان يجب أن تكون الاثنتان [الانسان المتقلب المزاج في إشارة إلى رائدة الفضاء خلال دورتها الشهرية والآلة التي هي مركبة الفضاء التي تكون على متنها] جاهزتين في نفس الوقت [أي أن المرأة يتعين عليها أن تبرمج رحلتها الفضائية وفقا لدورتها الشهرية]“.

وقلق هذا الموضوع كاتبوا المقال : لن تكون امرأة في دورتها الشهرية -التي يرون فيها امرأة متقلبة المزاج- قادرة على تمالك نفسها في جو الرحلة الفضائية الذي يعد تحدّيا كبيرا في حد ذاته.

لكن التقرير أورد في خاتمته أن الأمر لا يدعو للقلق لأن: ”يبدو أن الطلب على النساء في تولي أدوار في غزو الفضاء لن يكون في المستقبل القريب“، وهذا إلى جانب أن وكالة ناسا لم تكن مفتوحة للنساء في منتصف حقبة ستينات القرن الماضي.

مع انضمام أول مجموعة من النساء لصف رواد الفضاء لدى وكالة ناسا، وانطلاق تدريباتهن من أجل التحضر للانطلاق في أولى رحلاتهن إلى الفضاء الخارجي، أصبحت ناسا أخيرا مجبرة على التعامل مع مشكلة دمج ”إنسان متقلب المزاج من الناحية النفسية“ مع ”آلة معقدة“، وبشكل أخص، أصبح عليها اكتشاف ما كان ليحدث لذلك ”الإنسان المزاجي من الناحية النفسية“ في حالة ما راودته الدورة الشهرية أثناء تواجده في تلك ”الآلة المعقدة“ في محيط تنعدم فيه الجاذبية تقريبا.

كان من الشروط الأساسية التي يجب على طياري ورواد فضاء وكالة ناسا استيفاؤها هو أن يكونوا من بين طياري الاختبارات العسكريين، وهو الشرط الذي أقصى النساء من المسابقة، ولم تتمكن أي من الحملات الضاغطة على جعل ناسا تغير موقفها ذلك خلال حقبة التسابق على غزو الفضاء.

كانت المشكلة التي مثلت مصدر القلق الكبير هي التدفق العكسي لدم الدورة الشهرية، لأن آثارها ستكون بليغة، وفي أسوأ الحالات؛ كان هذا الأمر ليتسبب في حدوث حالة طبية تعرف باسم «التهاب الصفاق»، وهي التهاب يصيب ذلك الغشاء الذي يحيط بجدار البطن والأعضاء الموجودة داخله، وهو إن ترك دون معالجة قد يتعقد ليهدد حياة المصاب به، ومنه لم يكن أي أحد يرغب في إرسال امرأة إلى الفضاء فقط لتموت بسبب دورة طبيعية يمر بها جسمها شهريا.

غير أنه كان هناك فرق كبير بين دورة الدم الطبيعية ودم الدورة الشهرية (الكثير من الفروقات لنكون أكثر وضوحاً)، حيث يتم التحكم في دورة الدم الطبيعية من طرف شبكة من الشرايين والأوردة التي تعمل طول الوقت دون توقف، بينما تتحكم الهرمونات في الدورة الشهرية عند الإناث، ولا يتم كذلك توجيه تدفق دم الدورة الشهرية بنفس الشكل الذي يتم فيه توجيه تدفق دورة الدم الطبيعية في الجسم في شبكة الشرايين والأوردة.

وبينما كان المهندسون الذكور قلقين حول مشكلة النزيف العكسي؛ لم تكن رائدات الفضاء الإناث قلقات من الأمر برمته على الإطلاق، حيث كن جميعهن يتوقعن أن تتخذ الدورة الشهرية في الفضاء نفس السلوك الاعتيادي الذي تتخذه هنا على الأرض، كما أردن معاملة الموضوع على أنه ليس بالمشكلة الحقيقية إلا عندما يتحول إلى مشكلة فعلية في أرض الواقع

واخيرا يبقى مجهولا من كانت أول امرأة تختبر دورتها الشهرية في الفضاء، لكن إحداهن فعلتها وأتت أخيرا بالجواب على هذه الإشكالية العويصة، والذي جاء مماثلا لما اقترحته رائدات الفضاء الإناث آنذاك: وهو أن الدورة الشهرية في الفضاء تكون تماما مثل الدورة الشهرية هنا على الأرض، ولم يكن هناك أي اختلاف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى