الموقعتحقيقات وتقارير

أمـــل الجمل لـ«الموقع» مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية .. في دورته الحادية عشر وحصانة ضد اليأس

إذا تأملنا خارطة المهرجانات التي تنظمها الدولة المصرية، بدعم كبير أو بتمويل أساسي من وزارة الثقافة فسيكون مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية واحداً من أهم ثلاثة مهرجانات، بعد القاهرة السينمائي الدولي، والإسماعيلية الدولية للأفلام التسجيلية والقصيرة، وإن كان القاهرة والإسماعيلية لهما تاريخ عريق ضارب في العمق بحكم نشأتها مبكراً، إضافة لعوامل عديدة آخرى لا مجال هنا لطرحها.

لكن إحدى ميزات «الأقصر للسينما الأفريقية» أنه في سنوات قليلة معدودة، ثلاثة عشر عاماً فقط، حيث يُكمل هذا العام دورته الحادية عشرة – إضافة إلي عامين من العمل على الفكرة حتي خرجت للنور – فقد نجح منظموه في ترسيخ اسمه، وخلق شعور قوي بأهميته، وذلك رغم كل الظروف المادية الصعبة التي يواجها السيناريست سيد فؤاد والفنانة عزة الحسيني لإتمام كل دورة، من دون أن ننسى آثار تفشي كوفيد-١٩، وإن كانا طوال العامين الماضيين قد نجحا في جعل المهرجان يفلت بأعجوبة – لا تخلو من الإرادة والعزيمة الصلبة – من التأجيل أو الإلغاء.

أتذكر أنه أثناء حضوري دورة مهرجان كارلوفي فاري الأخير التقيت بالزميلة العزيزة الصحفية والمترجمة هالة فؤاد، ودار النقاش بيننا عن الأفلام وما الذي أعجبنا منها أكثر؟ ولماذا؟ ثم انتقلت ضفة الحديث عن المهرجانات في مصر، وعملها، ودورها في الترجمة، وصعوبة الأمور مؤخرا، وفجأة من بين ما قالت لفت نظري جملتها: «أنا شغلي مع عزة الحسيني وسيد فؤاد هو محبة لهما، ولا أعتبره شغل بسبب الأجر.»

نرشح لك : هل يتأثر الاقتصاد الروسى بأضرار الحرب والعقوبات المفروضة: خبراء الاقتصاد يجيبوا لـ«الموقع»

والحقيقة أنني صدقت هالة تماماً، ووجدت أن كلماتها تنطبق على أغلب مَنْ يعملون مع عزة وسيد، لأنهما أقاما علاقة طيبة إنسانية مع هذا الفريق، واختارا إلي جوارهما شخصيات لديها شغف وإيمان بهذه التجربة، من دون أن يتخل الإثنين عن الحزم والحسم، والتعامل مع الوقت كأنه سيف، فمثلاً عندما تدخل إلي مقر المهرجان طوال الثلاثة أشهر السابقة مباشرة لانطلاق أي دورة ستجد لافتة – ورقية ملتصقة على باب مكتب عمل هذا الفريق – تُسجل العد التنازلي للأيام المتبقية على الافتتاح وانطلاق الفعاليات.

عادة، أو كما لاحظت، أن هناك أيضاً تقسيم للعمل بين الإثنين، فعزة تتولى المهام المالية والبحث عن موارد، وسيد مسؤل عن الجانب الفني واختيار الأفلام، وإن كان هذا التقسيم لا يمنع التداخل وتبادل الاستشارات بينهما، لكن الجميل في ذلك أنه يتم في جو موسوم بالهارموني، وأعتقد أن هذا الانسجام هو ما شكل الدرع الحصين ضد كل العقبات التي واجهت المهرجان، كأن بقاءه مسألة حياة أو موت. لذلك لم يكن من المستغرب أن ينجحا في جمع نجوم ونجمات مصر من حولهما، وخصوصا النجم الكبير محمود حميدة الذي يواصل رئاسته الشرفية للمهرجان.

من زاوية آخري، ومن تأملي لاختيارات سيد فؤاد في الأفلام ونوعيتها، فأجده يمتلك موهبة قراءة خارطة الجو العام، وتوقع كيفية استقبال الجمهور أو المهتمين بالشأن السينمائى لفيلم لما، وربما يختلف الرأى النقدي حول تقييم الأفلام بشكل عام، لأن «العملية النقدية» و«البرمجة» كل منهما يستقبل الأمور من وجهات نظر مختلفة، فالناقد قد لا يشغله سوى البحث عن جماليات فنية وفكرية بغض النظر عن استقبال الجمهور، لكن سيد مسئول عن تنظيم مهرجان بكل ما يستتبع ذلك من شئون، وهو يتمتع بملكة قراءة مغايرة كمبرمج، فتوقعاته كثيراً ما تتحقق، ويُؤكد ذلك مصير بعض الأفلام في التوزيع واستقبال الجمهور لها، من هنا يُعيدنا هذا الأمر لنقطة لابد من توضيحها.. أن برمجة أي مهرجان لا تعني إختيار أفضل الأفلام وتوزيعها على المسابقات والأقسام المختلفة بقدر ما تهتم بالتنوع والبحث عن سينما جديدة ومغايرة، وهو دور يتطلب وعياً خاصا بطبيعة المجتمع وأمور عديدة تحيط به، وآخري تتعلق بالمجتمع السينمائي العالمي.

ربما، لكل ما سبق، يُذكرني أسلوب سيد فؤاد وشريكته في الإدارة عزة الحسيني، بأسلوب ممدوح الليثي، خصوصاً عندما صنع هذا الرجل العصر الذهبي لقطاع الإنتاج والدراما المصرية من خلال ماسبيرو. فالاثنين – عزة وسيد – لديهما قدراً غير عادياً من الإصرار، من الالتزام والانضباط، والشغف بتحقيق أفضل النتائج، حتى في أسوأ الظروف، ولديهما إرادة – يُحسدا عليها – تمدهما بمزيد من الطاقة لعدم الاستسلام أبداً. وهو ما يجعل المرء مهما اختلف معهما أحياناً، أن يعود ويقول: لابد من تشجيعهما، والشد على أيديهما، وتنحية أي إختلافات جانباً، لأن المهم الحفاظ على هذا الكائن الجميل الذي توليا رعايته واحتضانه على مدار سنوات تُوشك على أن تقترب من العقد ونصف العقد.. لذلك ننتظر انطلاق دورة هذا العام، ونتمنى لها النجاح والتألق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى