أراء ومقالاتالموقع

محمد الكفراوى يكتب لـ«الموقع» سلاطين الوجد وريادة التصوف الإسلامي في صعيد مصر

عالم التصوف من أكثر العوالم ثراء واتساعا وعمقا على المستويين التاريخي والواقعي، هو عالم ملغز، مليء بالطاقة الروحية والوجدانية نادرة التحقق، لذلك كان تأثيره على كل شئون الحياة واضحا وجليا، خاصة تأثيراته على الحياة السياسية، لكن ظل تأثيره الأكثر وضوحا وقوة باديا ومتجليا في الكتابة الأدبية والإبداعية.

في كتابه سلاطين الوجد .. دولة الحب الصوفي يقدم الشاعر أحمد الشهاوي ثلاثة من رموز التصوف الذين تركوا بصمة وعلامة في هذا العالم الرحب من الإشارات والإحالات والعلامات والدلالات البلاغية التي لها أبعاد روحية ونفسية غاية في الدقة، تستطيع أن تجعل كل شخص يفكر في العالم من منظر صاف ونقي وبرئ وكأنه يكتشفه لأول مرة ، من هذا المنطلق يبدأ الشاعاوي كتابه بشرح أبعاد التصوف ومفاهيمه ودرجاته وكل ما يتعلق بتاريخ التصوف من رؤى كشفية ودلالات عرفانية.

والجديد الذي يطرحه الكاتب هنا هو رصد التأثير الكبير الذي تركه عالم التصوف على مجال الأدب، فتأثير المتصوفة على الأدباء كان جليا وكاشفا في حالات كثيرة أشهرها في استدعاء صلاح عبد الصبور لشخصية الحسين بن منصور الحلاج، ومن بعد ذلك يأتي أدونيس وتأثره الشديد بالنفري وابن عربي، ويكشف الكاتب أيضا عن التأثير الكبير الذي تركه المتصوفة بكتاباتهم وآثارهم ونفحاتهم على عالمه هو نفسه الشعري والإبداعي.

حين يأتي لرصد الشخصيات الثلاثة التي اختارها وهي بالترتيب ذو النون المصري ( 796 – 856 م) ، ثم أبو بكر الشبلي ( 861 ـ 946 م ) ، ثم النفري المتوفي عام 965 في مصر، فإنه ينطلق من أحد أعلام وشيوخ التصوف الذين كانت لهم الريادة وكان لهم منهجهم وأسلوبهم الخاص وتلامذتهم الذين اقتدوا بهم وساروا على نهجهم. وهو ذو النون المصري، المولود في مركز أخميم، المدينة المقدسة القديمة، وتقع في محافظة سوهاج حاليا بصعيد مصر، و كان ذو النون مولعا بالنصوص المصرية القديمة على المعابد والآثار المختلفة، ويبدو أنه كان يعرف اللغة المصرية القديمة ويستطيع فك رموزها، وربما منها خرج بالحكمة التي تدعو لتصفية الروح ونقاء النفس، وهو المنهج الذي بنى عليه فلسفته الصوفية وطريقته بشكل عام، ويشير الكاتب إلى أن ذا النون كانت له الريادة في عالم التصوف وكان مريدوه من كل الأقطار وكانوا ينهلون من نبع حكمته بلا توقف، وهو الأمر الذي يؤكد أن النزعة الصوفية لها عمق تاريخي، وهي نزعة إنسانية فلسفية بشكل أولي قبل أن تكون نزعة عقائدية أو دينية.

الشخصية الثانية التي يتناولها الشهاوي في كتابه سلاطين الوجد هي شخصية أبي بكر الشبلي ، أحد رموز التصوف في القرن العاشر الميلادي، وهو رفيق الحلاج الذي قال مقارنا نفسه لقد كان عندي ما عند الحلاج ، لكن الحلاج فاض وباح في حين أن الشبلي أدرك وكتم .

ويرصد الكتاب العديد من مآثر وأشعار وآثار الشبلي لما تمثله من حالة خاصة في تاريخ التصوف.

الشخصية الثالثة التي يتناولها الكتاب هي شخصية محمد بن عبد الجبار النفري، صاحب الكتابين العظيمين المواقف والمخاطبات اللذين يقدم فيهما عصارة وخلاصة الكشوفات الصوفية المليئة بالدلالات والحجج والألغاز والمواقف الدقيقة التي لها أبعاد نفسية وروحية في غاية العمق، على مستوى اللغة والأسلوب والفلسفة أو الفكر الكامن وراء التجلي الروحاني الذي وصل إليه هذا الصوفي اللامع .

( كلما اتسع المعنى ضاقت العبارة ) ( وقال اهرب، قلت إلى أين ، قال قع في الظلمة فوقعت في الظلمة فأبصرت نفسي ) ( غششتك إن دللتك على سواي ) هذه بعض من عبارات النفري التي انحفرت في الوجدان الصوفي والأدبي لكل من اطلع على آثراه وإبداعه ، ليبقى التصوف بحق منهلا مهما ومجالا زاخرا بالمفاجآت والعطايا لكل من احتكم بقريحته على وجدانه.

اقرأ ايضا للكاتب

  محمد الكفراوى يكتب لـ«الموقع» الأغنية المصرية .. وضمير الفنانين

محمد الكفراوى يكتب لـ«الموقع» عن الأفلام القصيرة والتسجيلية .. من الورش إلى الاحتراف في مهرجان أسوان

محمد الكفراوى يكتب لـ«الموقع» عن مهرجان اسوان لسينما المرأة .. مغامرات فنية وقضايا جريئة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى