الموقعتحقيقات وتقارير

البداية كانت كونجستال.. حكايات متعافيين الإدمان مع أدوية نزلات البرد

عبد اللطيف: شعرت بالموت يناديني وتطاولت على أمي

محمد علام:  الكارثة بدأت بالأدوية والمسكنات البسيطة

 

كتبت – فاطمة عاهد:

 

يصرخ بأعلى صوته، مناديا على كل أسرته، يستغيث بوالدته، تطوف خيالاتهم حوله، يشعر بألم كما لو أنك غرست عدد من الإبر في مختلف أنحاء جسده، لا يقوى حتى على الوقوف، يستعيد عقله ذكريات تعاطيه للأدوية وإدمانه، وما ترتب على ذلك من خسارات تكالبت عليه لينته به الحال وحيداً في شقة خالية حتى من أريكة يريح عليها جسده المرهق بعدما باع قطع الأثاث كل على حدا.

 

لم يخيل للشاب الثلاثيني أن “الكونجستال والتوسكان” سيكونا بداية طريقه الأسود للإدمان، اكتفى لعدة أشهر بشرب الأدوية السالف ذكرها، ليفاجئ في أحد الأيام، والسماء تتخلى عن أزرقها لأسودها بصداع آلم برأسه، حتى كاد يهشمها بضربها في الحائط راجيا أن يتوقف الألم.

شعرت بالموت يناديني

طارق عبد اللطيف، شاب ثلاثيني، متعافى من الإدمان منذ عامين، ظلت المواد المخدرة متحكمة به، وتجعله أكثر جراءة على مجابهة المجتمع حوله، فيتناولها ويمارس إرهابه على أصدقائه، ثم وصل الأمر لتطاوله على والدته، ما تسبب في انعزاله بشقة بعيدا عن ذويه.

لم يكن الهدف الأول عند تناول أدوية البرد والسعال هو “البلطجة”، لكنه أحب شعور “الدغدغة” الذي يهاجم خلال رأسه عند تناول عدة ملاعق منها، بالإضافة لفنجان من القهوة وسيجارة، ويصل لعمان السماء بفكره، ويستريح جسده بشكل أصبح المحبب لديه.

منذ حوالي عشرة أعوام وهو يواظب على تلك العادة السيئة، لكن في فترة ما بدأ يشعر بأن ما يتناوله لا يجدي نفعا مع خلايا مخه، بجانب رعشات متتالية وصداع مميت بشكل يومي، فلجأ لمخدر أقوى وهو حبوب الابتريل لعلاج الصرع والتشنجات العضلية، حيث كانت متاحة في الصيدليات دون رادع.

يسبب الإدمان ويضر بالمتعافي لماذا أدرجت هيئة الدواء الكونجستال ضمن أدوية الجدول

تطورت الأمور وبات يحتاج لجرعات أقوى، فبدأ في شراء “الترامادول”، على أن يتناول نصف قرص يوميا، ثم قرص كامل، ثم قرصين على مدار ساعات الليل والنهار، عندما تعرض لأحد نوبات الإرهاق التي تداهمه نتيجة نقص حاد في المال، وعدم حصوله على المخدرات مر شريط حياته أمام عينه وباغتته خيالات الموت من كل صوب.

في مصر يتعاطون مخدر الحشيش بنسبة تصل 65% من إجمالي عدد المدمنين، ويأتي الترامادول في المرتبة الثانية بنسبة 52.65 %، ويليه الهيروين بنسبة 36.75، بينما يتذيل القائمة من يتعاطون مخدر الاستروكس، والفودو بنسبة 11.5%”.

 

يبدأ عدد كبير من المواطنين الإدمان عن طريق أدوية السعال ونزلات البرد، وفي مقدمتها الكونجستال والتوسكان، وكذا أدوية الصرع المتراصة على أرفف الصيدليات ويباع أغلبها دون وصفة طبية روشتة، لذا أعلنت هيئة الدواء المصري عن إدراج الكونجستال ضمن أدوية الجدول، على أن لا يتم تداوله دون روشتة طبية، نظرا لارتفاع مبيعاته خلال الفترة الماضية في السوق المصري بما يمثل خطر على المجتمع بزيادة أعداد المدمنين.

خسرت حتى نفسي

يحكي طارق قصة تعافيه قائلا “لجأت لمصحة لعلاج الحرية الإدمان، قضيت فيها أشهر كثيرة، بدأت بمحاولة سحب المواد المخدرة من جسدي وانتهت بجلسات تأمل واستماع لحكايات أصدقائنا ممن يعالجون بداخلها، حيث يتم تقسيم المجموعات بحسب نوع المادة المخدرة، كنا حوالي أربعين شخص بدأنا الإدمان من أدوية البرد والصرع.

 

لم يختلف أمر طارق عن محمد علام، مدير برنامج بمؤسسة الحرية لعلاج الإدمان والطب النفسي، بقطاع وادي النطرون، ومرشد تعافي، حيث أدمن الأدوية والمسكنات البسيطة التي تحتوي على نسبة من المواد المخدرة ، خاصة التي تعالج السعال، كنوع من المرح في سن صغير منذ حوالي 14 عاما.

 

ساعد “علام” على الدخول في طريق الإدمان حماس الشباب في ذلك الوقت، إلى أن توالت حالات الوفاة للشباب من حوله، فبدأ في رحلة تعافيه، بالمؤسسة التي يعمل بها حاليا كمتطوع لمساعدة المدمنين على التخلص من السموم المتراكمة في أجسادهم.

 

استغرقت رحلة إقلاعه عن الإدمان عام كامل تقريبا، ولم يعد بعدها لممارسة مثل تلك العادات المميتة، ويحكي لـ”الموقع” عن سبب تطور حالته قائلا “كنت أتناول جرعات قليلة من الأدوية، لكن في فترة ما شعرت بأنها لا تجدي نفعا، فاتجهت لما هو أقوي وأصبحت بعدها مدمن ترامادول”.

 

منذ حوالي 13 عاما وهو على عهده، لم يعد الكرة بتناول أي من المواد المخدرة مرة أخرى، بل وأقلع عن التدخين منذ 10 سنوات ووهب حياته للتحذير من الإدمان ومخاطره ومساعدة المرضى.

انتكست بسبب أدوية نزلات البرد

على الرغم من تحذيرات الأطباء والمعالجات الدائمة له بعدم تناول أي من الأدوية دون وصفة طبية عقب تعافيه، إلا أن أدهم محمود ابن محافظة الجيزة رقص الانصياع لأوامرهم، وفي شتاء عام 2019، شعر بأعراض نزلة برد فتناول الكونجستال، ما تسبب في نومه على الفور.

 

شعر الشاب الثلاثيني بألم في جميع أجزاء جسده في اليوم الثاني، فتناول ملعقة أخرى من الدواء، وبدأ يكثر من الجرعة، إلى أن لاحظت زوجته عودته لنفس الحالة الصحية السابقة عند إدمانه وأبلغت أطبائه على الفور.

 

بحسب حديث الشاب “الموقع” تسببت المادة المخدرة في الدواء بانتكاسة جعلته يتناوله بكميات كبيرة لأنه تعافى من الإدمان منذ فترة قصيرة، لذا ومن وقتها لا يقترب من الكونجستال أو أدوية البرد دون روشتة طبية.

“الليرولين والليركا” أول قائمة إدمان الشباب

لحق بقرار إدراج الكونجستال ضمن أدوية الجدول تهكمات عديدة، كما حدث قبل ذلك مع كلا من الليرولين والليركا، وهما من الأدوية التي تتسبب في إدمان عدد كبير من الشباب، وأصبحت تباع على النواصي عقب إدراجها في الجدول في أواخر عام 2019.

 

طيش الشباب

أحمد المنسي، شاب رياضي في العشرينات، من أبناء محافظة القاهرة يقول إنه “كنت أتناول أدوية الليرولين والليركا بسبب طيش الشباب، ورغبة في التمرد على المجتمع، ونوع من أنواع المرح”، إلى أن حدث ما لا يحمد عقباه، بإدمانه لتلك العقاقير التي صنعت لمدواة المرضى.

ويصف طريقة تناوله للعقاقير ب”كنت اتناول حوالي أربع أقراص يوميا فسعرها لم يكن باهظا، ذلك بالإضافة إلى أن المواد المخدرة الموجودة بها لم تكن تظهر في تحليل المخدرات، لذا كانت تلك جريمتي مكتملة الإرجاء”، وقد شك من حوله في سلوكه لظهور علامات الإرهاق بادية على وجهه لكنه واجه الأمر بقوله “حللولي لو تحبوا”، وغالبا ما تنتهي المهاترات بسلبية نتائج تحاليله.

بدأ “المنسي” الإدمان في عمر ال18، وتفاجأ بعدد المدمنين من الشباب حوله، إلى أن فوجئ بقرار إدراج الأدوية التي يتناولها بجدول المخدرات، ما جعله يعاني فترة طويلة إلى أن اتجه للهيروين.

 

دخل الشاب أكثر من مصحة، إلى أن اهتدى لمصحة الحرية للإدمان ورافق معالجه وأصبحا أصدقاء، ومن هنا بدأت رحلة تعافيه التي استغرقت ستة أشهر، وبدأ بعدها بنشر قصته على نطاق واسع ليحذر الشباب من ضياع مستقبلهم بسبب الإدمان.

 

مبيعات بالملايين

أصدرت هيئة الدواء إحصائية حول مبيعات كل من “الكونسجتال والتوسكان” خلال عام 2020 حيث تجاوزت مبيعات الدواءين سويا 285 مليون جنيها.

 

بالنسبة لمبيعات الكونجستال في كل من شكليه “الشرب والأقراص” في عام 2020 حوالي 136 مليونا جنيها، بحسب أي ثمن حوالي 8 ملايين عبوة من كلا الإصدارين، وازدادت كمية الدواء التي تم بيعها خلال 2020 في العام الماضي من أكثر مما تم بيعه خلال عام 2019 بنسبة 12.6%،

أما عن دواء “توسكان” فقد وصل حجم مبيعاته، إلى حوالي 149 مليون جنيها بمعدل أرباح أكثر مما حققته الشركة المنتجة خلال عام 2019 بنحو 47.6%، حيث تم بيع حوال 16 مليون وحدة من هذا الدواء خلال العام الماضي، بزيادة 31.7% عن عام 2019.

 

المادة المخدرة في الأدوية


قال الخبير الصيدلي هاني سامح، إن سبب اعتباره إدمان هو المادة المخدرة التي تسبب الهلوسة الموجودة في مكوناته وهي مادة كلورفينارمين ماليات، والتي تعتبر من “المواد الأفيونية” وهي المركبات الاصطناعة وشبه الاصطناعية التي تتفاعل مع مستقبلات المواد الأفيونية في الدماغ بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية.

وتستعمل تلك المواد لعلاج الآلام، وأشهرها تشمل أدوية مثل المورفين والفنتانيل والترامادول والكونجستال والبارستامول والتوسكان وغيرهم من الأدوية التي يؤدي استعمالها دون روشتة طبية لفترات طويلة إلى إدمانها وإلى مشاكل صحية أخرى.

ألية عمل المواد المخدرة

يقول الدكتور جمال فرويز أن آلية عمل المواد المخدرة في الأدوية التي تسبب الإدمان تبدأ بنقلها النواقل العصبية لتحل محل مادة الأندروفين، وهي مخدر طبيعي ينتجه خلايا الإنسان، ومن هنا يلغي المخدر الخارجي دوره عند تناوله بشكل مكثف.

 

ويضيف لـ”الموقع” “من هنا يبدأ الشاب بالاعتماد على المخدر الخارجي ليوقف الشعور بالألم نتيجة عدم إنتاج مادة الإندروفين، لذا لا يستطيع الامتناع عن التعاطي وبمرور الوقت يلجأ لمواد أقوى لأنها تصبح غير فعالة”.

 

ويؤكد على أن المريض يحتاج لسحب المادة المخدرة من الجسم أولا، ثم يمر بمرحلة الدعم، كما أن الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة ممنوعة عن المتعافين، مثل مضادات الاكتئاب وبعض أدوية نزلات البرد بسبب السلوك الإدماني الخاص به، ويعتمد على الدواء، فتصف له البدائل التي لا تؤثر عليه سلبا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى