أراء ومقالاتالموقع

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» أسطورة “شعيب” ليست الأولى .. ولن تكون الأخيرة

فى أوائل الثمانينات وبالتحديد حينما كنت فى سنوات الجامعة “كلية الآداب – قسم الصحافة بسوهاج” كانت المحافظة كلها بل ومحافظات الصعيد المجاورة لنا لا حديث لها إلا عن حكايات الرجل الخارج عن القانون الذى يدعى “شُعيب” حيث أطلقت عليه وسائل الإعلام فى ذاك الزمان بـ “خُط الصعيد” من كثرة الجرائم التى قيل أنه ارتكبها .

المهم كعادة أهل القرى فقد كان للبسطاء رأى مختلف فيما كانت تنشره الصحف نقلاً عن البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية ، فقد كانت تخرج لنا كل يوم من بلدته “القرامطة” إحدى قرى سوهاج أخباراً “طازه” عن “شعيب” واللافت للنظر أنه فى نفس التوقيت التى كانت تمتلئ الصحف بأخبار مفزعة عن الجرائم التى يرتكبها هو وعصابته كنا نسمع حكايات عن قيامه بالسطو على بيت أحد الأثرياء و توزيع تلك المسروقات على بعض الأسر البسيطة التى تعيش تحت خط الفقر .

وحكايات انسانية كثيرة منها حكايته مع السيدة العجوز المريضة التى لم تجد فى القرية من يساعدها بنقلها الى المستشفى البعيدة عن القرية وفجأة يذهب لها “شعيب” ليلاً متخفياً من أعين رجال الشرطة مرتدياً نفس ملابس سيدات القرية ويقوم بنقل المرأة “المسكينة” الى المستشفى وينقذ حياتها من موت محقق.. وغيرها من الحكايات والحكايات التى لم تملأ قرى سوهاج ومحافظات الجمهورية كلها فقط بل تجاوزت الحدود لتصل الى دولة مثل فرنسا حيث زار سوهاج وفد من صحيفة “لوفيجارو” واذكر أننا التقينا بهذا الوفد حينما زاروا الجامعة ضمن جولتهم بالمحافظة .

وكانت تبدو على وجوههم الدهشة حينما شاهدونا طلاباً عاديين مثل طلاب الجامعات الفرنسية فعلى حد قرلهم لم ير أحدهم “الجمل” يقف أمام مبنى الجامعة ، فقد كانوا يععقدون أننا نذهب الى الجامعة فوق ظهور “الجِمال” كما كانت تنقل لهم تلك الصورة المغلوطة الافلام السينمائية القديمة .. وبالمناسبة فإننى أتذكر بالتحديد التقرير الذى تم نشره فى “لوفيجارو” فقد كتبوا فيه بالحرف الواحد وهم يقومون بوصف شارع المحطة بمدينة سوهاج انهم نزلوا من القطار وشاهدوا زحاماً فى الشارع الذى تسيطر عليه قطعان الماشية والحيوانات التى تزاحم المارة والعربات القديمة المتهالكة. واللافت للنظر أنهم من كثرة الحكايات عن تصرفات “شعيب” النبيلة أطلقوا عليه لقب “روبين هود الصعيد” تشبها بقصة “روبين هود” الذى كان يسرق النبلاء ليوزع المسروقات على الفقراء والمحتاجين . ولم يكن لقب “روبين هود ” هو اللقب الوحيد الذى ظهر فى مقابل لقب “خط الصعيد” فقد كتبت عنه الصحافة الليبية لقب “حاكم الصعيد” اعجاباً بما كان يقوم به ضد سلطات الأمن.

ونظراً لصلة القرابة التى كانت تربطنى بالراحل قدرى عبد الحليم عضو مجلس الشعب الأسبق فى ذلك الوقت علمت منه كيف نجح فى إقناع “شعيب” بأن يسلم نفسه وبالطبع هذا الإنجاز الذى قام به المرحوم قدرى عبد الحليم لم يأت من فراغ وإنما جاء كونه نائب الدائرة وله كلمته المسموعة من الجميع والحق يقال فإن “شعيب” لم “يكسر ” له كلمة واستجاب لطلبه هو وبعض كبار البلد، حفاظاً على هيبة عضو مجلس الشعب من ناحية ومن حهة أخرى أراد أن يثبت للجميع أنه ليس “شريراً” كما كانت الداخلية تصوره ، وهو ما حدث بالفعل حيث أنه بعد أن قام بتسليم نفسه عام ١٩٨٥ للشرطة كان متهماً في 39 جريمة متنوعة ما بين قتل وعنف وتهديد وفرض وإتاوات ومقاومة سلطات ولكن بعد محاكمته وبالقانون لم يثبت في حقه سوى 2 منها فقط وصدر عليه حكمين بالسجن 20 سنة ، وأثناء سجنه توفى نجله الوحيد “حميد” 27 سنة في حادث سيارة، وبعدها توفيت زوجته، وخرج من السجن في عام 2005 وعقب خروجه قرر التوبة والالتزام وتزوج وأنجب ولد كان كل أمله في الحياة أن يعلمه وأن يربيه فقد عاش بقية حياته خفيراً بأحد الشوادر وكان يساعد الناس وكان ملتزماً دينياً حيث اعتاد الذهاب إلى المسجد وكان يشارك الأهالي في جميع أفراحهم وأحزانهم .

وانتهت أسطورة “شعيب علم الدين” وهو اسمه بالكامل مساء أمس بوفاته إثر إصابته بأزمة قلبية دخل بعدها إلى العناية المركزة .. وتم دفنه صباح اليوم “الخميس” بمقابر عائلته فى قرية “القرامطة” بسوهاج.

اعتقد أن أسطورة “شعيب” ستظل باقية فى الوجدان الشعبى ولن تموت بموته .. خاصة أنها ليست الأسطورة الأولى من هذا النوع وبكل تأكيد لن تكون الأخيرة فى مسلسل الصراع بين “الخير” و”الشر”

اقرأ ايضا للكاتب

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» عن تجربة الجردل !!

أشرف مفيد يكتب لـ«الموقع» البلد تغيرت بجد .. ولا أنا بحلم ؟!!

أشرف مفيد يكتب لـ «الموقع» كيف تصبح تاجراً للمخدرات بـ جرة قلم ؟!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى