أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن الأثر والمتعة

يعيش الإنسان دوّامة لا تنتهي في تخبّط مستمرٍّ بين الرغبات الماديّة والحاجة الروحية الإنسانية، بين الأنا والآخر، بين ما يهمزه الشيطان له وما يوحيه أو يلهمه أو يرشده ربّه إليه. ‏إنّ الاشتغال بالدنيا وعالم الكثرات والمكاثرة فيها أدّى الى انتشار الاكتئاب وحالات الطلاق والاعتداءات والظلم والخصومات وغير ذلك، كل هذا بحثًا عن المتعة الدنيوية الآنيّة!

يسعى الإنسان من خلال عمله للحصول على مدخول ماليّ أعلى كي يحسّن من معيشته وحياته، ‏ربّما بغية شراء بيت أوسع وسيارةٍ أفضل أو ليسافر في رحلات أكثر ويستمتع بوقته على الدوام!

المتعه.. إدمان يحاصره غير أنه لا يصل إليه،فالمتعة الدنيوية نهم لا ينتهي وإدمان لا شفاء منه ورغبة دائمة بالمزيد والمزيد وخلال هذا السعي ينسى الإنسان أن يترك أثرًا مباركًا يلقى به ربّه مطمئنًا.‏أظنّ البوصلة مالت كل الميل في وقتنا هذا وبتنا معلّقين في حبال الدنيا التي تلتهمنا بعد أن أصبحنا ملكها نريد المزيد!

إنّ طلب المتعة الحلال في الدنيا أمر مشروع ومباح، غير أن المشكلة تكمن في أنّ البعض يتخذ من المتعة هدفًا وغاية يسعى إليها، وإن لم ينلها يكتئب ويشقى!. ‏والمصيبة أنه إذا ما حصل عليها لن يرضى ولن يكتفي! ودوّامة “الكثرات” ستزيد وتضعفه ليصبح ملكها!

أمّا إذا ما كان الأثر الذي سنلقى به الله هو الغاية، أصبحت الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا.. وملكناها ولم تملكنا وستصبح في خدمتنا بدلًا من أن نكون بخدمتها، قال تعالي {والأرض وضعها للأنام}.. ‏وصدق سيدنا محمد ﷺ إذ قال ( لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ ).

‏في النهاية لا يتمنى الإنسان سوى أن يكون أثره طيبًا، أن يقترن إسمه بحسن الخلق والمعاشرة..ألا يتجنبه الناس اتقاءًا لشره.. وألا يخافون خصومته خوفًا من فجوره.. حين ينضج الإنسان بما فيه الكفاية سيتوقف عن رغبته في أن يكون مُبهرًا.. كلّ ما سيرغب به هو أن يكون خفيف الحضور في الروح.. أن يرحل هو ويظل أثره.. أن يرحل بسلام دون أن يترك ندوبًا في قلوب الآخرين ..!

الأثر ..الأثر، من يعيش لأجل الأثر يكون أكثر نبلًا وتسامحًا ورحمة مع نفسه ومع الآخرين.
فماذا تختارون؟ الأسر..أم الحرية؟
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى