أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» طهارة الحب قديما

كان الحب قديما كتابة الرسائل في عمق الليل على ضوء شمعة.. والتنهد على إيقاع أغاني عبد الحليم حافظ الطويلة جدا..كان الوقت فارغا بالكامل كبئر عميق وليس هناك إنترنت ولا عمل ولا هم يحزنون. عبد الحليم حافظ فقط هو من يستطيع ملء كل ذلك الفراغ بصوته الشجي النادب الشاكي الباكي.

أسوار وأسوار بين العاشق ومعشوقته وبين العاشقة ومعشوقها. لا هاتف هناك لا فيسبوك، لا واتساب ولا أي شيء. لقد رآها من بعيد فقط ورأته من بعيد فقط أيضا. ابتسم لها فبادلته ابتسامة خافتة جدا يكاد المرء يجزم أنها ليست ابتسامة حتى وأنه تخيل ذلك فقط.

كان ذلك كافيا لاشتعال قصة حب تراجيدية لا نهاية لها. كثير من الشوق والتنهدات والحرمان والأغاني. المسجلة صغيرة إلا أن صوتها يصل حتى رأس الدرب. علبة الأشرطة تعني الشيء الكثير بالنسبة إلى العشاق. عبد الحليم حافظ أم كلثوم، فيروز سميرة سعيد ثم أغاني الراي من حسني إلى خالد…. أثر الشموع واضح على بلاستيك المسجلة.

ينزل المساء سريعا ترتدي البنت اليانعة كحبة الباذنجان بيجامة منقطة بالفراولة، تسرح شعرها بزيت أملا ، تضع بعض الكولونيا الرخيصة لكن الزكية، تتجه إلى غرفتها أو إلى غرفة تشاركها فيها أختها الصغرى، تمشط شعرها أمام المرآة، تتغنج قليلا لكن بحذر!!

تجرب أحمر شفاهها، تضغطه مضاعفا على شفتيها ثم تمسحه. تطل من النافذة، لا أحد هناك. تضطجع على سريرها تضع رجلا فوق رجل، تتأمل صباغة أظافرها الحمراء. تمد يدها وتضغط على زر بلاي في المسجلة. يصدح صوت سميرة سعيد: أوصيك بالصبر يا قلبي دا غرامو طلع أوهام..

يضطجع الشاب على اللحاف فقط حيث إنه لا يملك غرفة. شاب طويل وعريض بشنب ومن دون غرفة. يدخن ويسمع: جبار.. عبر شريط أعاد فكه وإعادة تركيبه داخل شريط آخر شفاف. يصغي بعمق متنهدا بينما يدير الشريط الأول في يده بقلم. تصرخ والدته: خفض صوت المسجلة نريد أن ننام.. يخفضه قليلا فقط..

لم يسبق لهما أبدا أن التقيا، لم يسبق له أن قبلها أو قبلته، لم يتبادلا عناقا عاريا، ولا حتى عناقا بالثياب رغم ذلك يسمع هو: جبار.. بصوت عبد الحليم المأساوي ويتنهد.. وتسمع هي: قال جاني بعد يومين يشكي لي بدمع العين.. وتتنهد وتبكي .

اقرأ ايضا للكاتب

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» لا تكبر..إنه فخ!!

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» هذا ما وجدنا عليه آباءنا

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» الصراع الدموي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى