أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ”الموقع” .. خلافه الظل للإخوان في مهب الريح

 

 

منذ أن أسقط أتاتورك الدولة العثمانية سنة (1924)؛ تبخرت الأحلام الحركية التي وجدت في عبدالحميد الداعم بتوافقه مع جمال الدين الأفغاني في الجامعة الإسلامية وكان الحلم في إضفاء السلطة الروحية للعثمانيين في العالم الإسلامي، ومنح الحركيين مزيدًا من السلطة. ‏الأفغاني لم يكن عاشقًا للأتراك، وعبدالحميد لم يكن مولعًا بالدين، إلا أن المصالح التقت فاستفاد عبدالحميد من الجامعة الإسلامية أكثر مما أفاد الأفغاني وفكره، واتخذ السلطان التركي اتجاهًا جادًا في تطبيق هذه السياسة، لكنه فوجئ بعزله، الذي انتهى بسقوط دولته بعد ذلك. بقي فكر الأفغاني يترعرع في الظلّ، ويكبر في الوقت الذي انتفت فيه السلطة الروحية العامة التي كان الهدف منها بقاء خلافة رمزيَّة حتى وإن كانت تركية، بما أن مؤسس الفكر فارسي أطلق على نفسه الأفغاني تعتيمًا على أصوله، ولأن مفهوم خلافة العرب غير مطروح في أجندة الشعوبية. كبُرت الأفكار الحركيَّة ونمت بعيدًا عن أي رقيب؛ فتوافقت مع طموحات مؤسس جماعة “الإخوان” الإرهابية حسن البنا حين أعلن عن تأسيس “الجماعة” سنة (1928)، لا سيما أن السياسة كانت في حال مخاض عام في العالم العربي حينها .‏وجد البنا أن الوضع بات مواتيًا لملئ فراغ السلطة الروحية، مع وجود من يؤمن بضرورتها، ولكن من دون أن تدخل في إطار رسمي كما نادى عبدالحميد الثاني باسم “الخلافة”، لأنه لا يتكئ على أي مقومات تجعله يغامر ويخاطر بذلك، وبالتالي كان مقتنعًا ومكتفيًا بالجانب العملي من هذه السلطة ،وحتى لا يفقد البريق؛ أخذ لقبًا قريبًا من الخليفة فصار يطلق عليه “الإمام”، ليفي بشيءٍ من الأُبهة التي توافق السلطة التي يطمح إليها، وحتى لا يكون ذلك التصرف عبثيًا فإنه يخرجه من المسائلة السياسية بالتركيز على المعنى الديني، الذي يبني من خلاله قاعدة شعبية خاصة به وجماعته…‏سعى البنا وجماعته إلى تحقيق سلطتهم من خلال طريقتين: السر والعلن. وتم الإعلان عن أهداف الجماعة التي كان أولها استعادة الخلافة “المزعومة”، ولكن السؤال الكبير: استعادتها لصالح من؟ في وقتٍ تعددت فيه القوى الإسلامية وتشكلت الدول. لذا فإن إجابة السؤال غير واضحة للفكر الإخواني وعمليًا كانت الخلافة بسلطتها تتمثل في شخص المرشد العام للجماعة. ولو ظهرت في وقت تأسيس “الإخوان” خلافة مكتملة الشروط لكانوا أول من حاربها لأنها ستتعارض مع سلطتهم التي يطمحون إليها، لذلك من مصلحتهم التباكي على الخلافة ويحاربونها في الوقت نفسه لو خرجت من غير تنظيمهم. ‏كما أن التنظيم لم يكن له حراك سياسي لاستعادة الخلافة المزعومة للأتراك أو غيرهم، لأنهم باختصار لا يرغبون أن يخرج المفهوم عن ضبابيته التي وضعوها في قائمة أهدافهم، وبالتالي يبقى المرشد هو من يملأ المنصب في الظلّ. مع بعض الكتابات التي تتباكى على خلافة غير حقيقية للأتراك ،ولكي يكون تنظيمهم محققًا لطموحاتهم؛ سعوا إلى أن يكون لهم قوة عسكرية وأجنحة مُسلحة، ولم يجدوا مبررًا للعنف حينها إلا أن يكون تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر في إطار الأجندة العسكرية التي تبنتها الأحزاب السياسية وقتها، وكان تنظيم “الإخوان” أكثرها حماسةً للعنف ‏،وانطلاقًا من شعار التنظيم “وأعدوا” تمت التعبئة للجناح العسكري للجماعة، وتحوَّل الشعار مع الوقت إلى عقيدة سياسية لديهم، ترجمها والد مؤسسهم ومرشدهم عبدالرحمن البنا من خلال مقالته في مجلتهم “النذير” في أول أعدادها سنة (1938) ‏لمزيدٍ من التأثير تغلغل “الإخوان” في المجتمع من خلال “الجوالة” لاختراق المجتمع بتجنيد الشباب وتدريبهم وصولاً لمبايعة إمامهم على المنشط والمكره، مؤسسين بذلك دولة موازية داخل الدولة، وهذه الدولة الخفيَّة يمثل سلطتها خليفة “الظلّ” المتمثل في المرشد أو الإمام حسب ألقابهم. ‏التبعية التي يطمح إليها “الإخوان” من خلال أتباعهم هي التبعية العمياء، التي تعمل على تحويل أتباعهم إلى دمى من دون أن تسأل أو تعترض، وقد جاء ذلك على لسان المرشد الثالث للتنظيم عمر التلمساني بقوله “كن بين يدي مرشدك كالميت بين يدي مُغسله”. ‏

لم يكن التنظيم طاهرًا أو نقيًا كما يعتقد البعض من المخدوعين، فالخبث واضح باعتماده على السريَّة والطواعية، كشف عنها محامي الجماعة منتصر الزيات بقوله “هذا التنظيم السري الذي كان يقوم بمهام خاصة، مهام لا تستطيع الجماعة أن تتبناها علنًا، لكن من الممكن أن تمارسها سرًا “.لذلك يجد “الإخوان” لهم مبررًا أمام الأسئلة الصريحة من المقربين منهم من الجماعة لتبرير العنف والدموية بأن هنالك أشياء لا يمكن الكشف عنها، كما حدث من أعمال عنف للمليشيا الإخوانية في مصر باسم “ذوو القمصان السوداء” على غرار التنظيم الأوروبي الإرهابي “اليد السوداء”. النهج السري والعنف في مواجهة الخصوم أبرز سمات تنظيم “الإخوان” الإرهابي، يضاف إلى أنهم يعلنون إيمانهم بمبادئ يخالفونها عمليًا في الجانب السياسي، تبريرًا للوصول إلى الأهداف التي لا يعلم حقيقتها سوى المرشد. وبذلك لا يختلف هذا التنظيم عن أي تنظيم إرهابي آخر.

ومن خلال ذلك سنلحظ أن المرشد يمثل خليفة الظلّ متنازلاً عن الإعلان عن الجانب الرسمي لسلطته، وزاهدًا في مظاهرها في سبيل الوصول المؤثر في طبقات المجتمع، ويهمه أن يكون خليفةً بين أعضاء الجماعة المقربين أولاً، وإمامًا ومرشدًا أمام العوام من الأتباع.

لهذا صار الظلّ بالنسبة لـ “الإخوان” مسرحًا كبيرًا، يعينون فيه مرشدهم (خليفتهم) ويتخلصون فيه من خصومهم بالاغتيالات، كما حدث لرئيس الوزراء المصري أحمد ماهر سنة (1945)، وما تلا ذلك من حوادث اغتيال قام بها التنظيم مثل (الخازندار، النقراشي).في سياسة “الظلّ” يُعد الاغتيال واجبًا دينيًا للجماعة إذا توافق مع مصالحهم، وقد أقرّ مأمون الهضيبي بذلك سنة (1992) بقوله “نحن نتعبد إلى الله بأعمال النظام الخاص للإخوان المسلمين” مؤكدًا على شرعنة العنف ضد المخالفين الذين يعتبرونهم كفارًا ومرتدين. ‏انتشر فكر الإخوان في منتصف القرن العشرين انتشارًا عنقوديًا، وشكلوا بعد ذلك تنظيمات وجماعات تابعة لهم، تعمل على تحقيق أجندة الجماعة في العنف والإرهاب، لذا فكل تنظيم إرهابي ستنجد له ارتباط وثيق بـ “الإخوان” ويتم من خلاله تطبيق عملي للأجندة الإخوانية.

‏ومع حالة استرداد الوعي العام في العالم الإسلامي وتنقية المجتمعات من هذا الفكر الإرهابي وتجريمه وفضحه؛ سقط خليفة الظلّ الذي مرَّ زمنٌ طويل على ممارسته لتلويث عقول المسلمين ودفعها بكل قوة نحو العنف والموت والقتل.

نرشح لك 

نزار سامي يكتب لـ الموقع مقالات المكنز .. الفرق والنزاعات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى