أراء ومقالاتالموقع

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» القراءة يا سادة

‏إنّ جوهر ارتقاء الفكر والمجتمعات والثقافة يكمن في عملية القراءة الواعية، وتغذية الذهن والعقل والروح بكتب متنوّعة المشارب والأغراض تتيح للمتلقّي معرفة حقيقية وتمكّنه من أن يفهم الوجود ويدرك أسراره ويطوّر ذاته وبيئته ومجتمعه صوب عالم أرقى وأرفع وأسمى.

‏العلم الشريف يملأ الصدور ويشرحها ويغذّي العقول ويفتح آفاقها، وإنّنا حين نترك الفكر جائعًا سيتغذّى على فتات السطحيّة والبلاهة والمظاهر الواهية الخادعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وسيصبح عرضةً لسطوٍ فكريٍّ مختلفٍ في كلّ مرّة إذ يسهل التأثير فيه وتوجيهه بحسب رغبة المُعبّئ والمؤثّر.‏

أمّا القراءة الواعية، فهي تحصّن أهلها من ترّهات التراندات وسخف المحتويات العقيمة وتغسل المخ من القمامة التي استوطنته لا إراديًا أثناء تنقّله في ممرّات الحياة المظلمة، بين البهلوانات التي تضحك علينا ولنا.. وتعلمنا في قوالب لا تشبهنا ولا تشبه قيمنا ومفاهيمنا وأخلاقنا.

فالقراءة تشبه المرآة العظيمة لوجه العالم الحقيقيّ،تجمعُ فيها انعكاسات الناس والأشياء والحقائق والأجيال عبر التاريخ وتجعلُها ظاهرةً جليّة،تظهر جوهر الأفكار والأحداث،وتفضح شيئًا من الأسرار وتبرز ما خفي عن الأبصار..‏فأنا أتنقل بين الكلمات وأقود مشاعري معي مثل قطيعٍ من الظباء أسوقها نحو المعرفة والعلوم والمعارف القديمة، أروي عطشها من أخبار الأمم السابقة ومن البطولات التي سطرها الإنسان القديم، أتجول بين صفحات الكتاب فتروقني رائحة الورق حتى أنّي أكاد أقسم أن تلك الرائحة هي أزكى عطرٍ شممته في حياتي!

‏علاقتي مع القراءة هي علاقة الصغير بأمه، بأحضانها الرحيمة وأنفاسها الدافئة، أتذكر أيامي الأولى وأتذكر مراهقتي وحالي مع تلك المعشوقة الأبدية والتي لم تطفئ الأيام لهيبها ولم تُسكن الحياة شغفها بل أراني بعد هذا العمر أكثر عشقًا وهيامًا وصبابة وتعلّقًا بها.

‏لم تخنّي القراءة يومًا، بل كانت الصديق الأوفى والرفيق الأسمى والحاضر معي في كلّ المواقف الصعبة التي تحتاج إلى استحضار القوى المعرفية والفكرية والذهنية..

القراءة حبلٌ متين لا يقطع من وصله وتمسّك به، بل تظلّ خيوطه متشبّثةً بأعماق الروح تُخرجِ من صاحبها أرقى المعاني وأجلّها!
محبو القراءة في نعيم لا يدركه غيرهم، فلا تشيخ أرواحهم وعقولهم ولو شاخت أجسادهم، فالقراءة تخبرنا أن السعادة ليست بحاجة إلى البشر، بإمكانك أن تشعر بصقيع موسكو وتشم رائحة زهور أمستردام، وروائح التوابل الهندية في بومباي، وتتجاذب أطراف الحديث مع حكيم صيني عاش في القرن الثاني قبل الميلاد ..بإمكانك أن تفعل كل ذلك عبر شيء واحد : القراءة ..فليكن دائما هنالك كتاب جديد بجانب سريرك ينتظر قراءتك له ((‏‎اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم.))

اقرأ ايضا للكاتب

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» لذه قضاء الحوائج

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن المحبة بين الحقيقة والزيف

نزار السيسي يكتب لـ«الموقع» عن دروس الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى